علي المسعود
أحدى جرائم جنود الأحتلال الامريكي وقعت في 12 مارس 2006 في منزل جنوب غرب اليوسفية وهي قرية تقع غرب بلدة المحمودية جنوبي بغداد، خطط ستيف غرين وثلاثة جنود آخرون وهم: بول كورتيز، جيسي سبيلمان، جيمس باركر ثم بريان هوارد، من القوات الأمريكية في العراق، بعد شرب الويسكي ولعب الورق عند نقطة تفتيش حيث كانوا موجودين. دخلوا إلى منزل فتاة عراقية تدعى عبير قاسم حمزة الجنابي قرب المحمودية ، بينما كان ثلاثة جنود اميركيين يتناوبون على اغتصاب العراقية الفتاة البالغة من العمر 14 عاما، اقتاد غرين والديها وشقيقتها التي تبلغ من العمر حوالي الست سنوات إلى غرفة مجاورة . وذلك بعد قتل أسرتها وهم أمها فخرية طه محسن (34 عاما)، أبيها قاسم حمزة رحيم (45 عاما)، الشقيقة الصغرى هديل (5 سنوات). وبعد ذلك عاد ليغتصب الفتاة وقتلها. وكانوا قد قاموا بالتنكر وتبديل ملابسهم قبل ارتكاب الجريمة لإبعاد الشبهات عنهم والإيحاء بأنها دريمة طائفية وخاضة وأن الجريمة حدثت في ذروة الأحتراب الطائفي ) ، وقاموا بعد ذلك بإحراق جثة الفتاة وملابسها والمنزل وباقي الجثث في محاولة لمحو آثار الجريمة .
المخرج الامريكي ( دي بالما ) أستلهم تلك الحادثة وقام بنقل احداثها الى سامراء في فيلم بعنوان ( منقّح ) والعنوان هو مصطلح في الصحافة يعنى أعادة صياغة الخبر وتنقيحه ، فيلم (منقًح ) لبراين دي بالما يلقي الضوء على ما لا يتناوله الإعلام الأميركي من يوميات الحرب على العراق، وبالتالي يفضح العديد من الممارسات التي حاولت الإدارة الأميركية أن تخفيها وتبقيها بعيدة عن متناول مواطنيها ، ومن خلال حادثة حقيقية، يحاول دي بالما جرَّ وعي الشارع الأميركي إلى حقيقة ما يجري في العراق، يتيح لنا الفيلم معرفة ليس فقط عن فظائع الحرب ولكن عن عدم موثوقية الأعلام والطريقة التي يتم بها تقديم المعلومات في وسائل الإعلام والتشكيك في مصداقيتها، الفيلم عبارة عن دراما سينمائية تعتمد على قصة حقيقية حول اغتصاب فتاة عراقية تبلغ من العمر 14 عاماً، وقتْلها هي وثلاثة أفراد من عائلتها على يد أربعة جنود أميركيين في منطقة المحمودية ببغداد ، باستخدام لقطات مراقبة الكاميرا المحمولة باليد، ومقاطع الفيديو على الإنترنت، ومقتطفات من فيلم وثائقي فرنسي وقناة تلفزيونية عربية، وحتى استعان بالمواقع الأصولية الإسلامية، ومذكرات كاميرا الفيديو لشاب أمريكي خاص، ويعيد ( دي بالما) الى الأذهان تحفته الفنية في عام 1989 “الاعتداءات” الذي يروي جريمة اغتصاب إمرأة فيتنامية شابة من قبل الجنود الأمريكيين . وبعد 19 عاما، تشكل القصة نفسها أساسا لسيناريو فيلمه الجديد، الذي تدور أحداثه هذه المرة في العراق تحت الاحتلال الأمريكي نفسه . إن استخدام جرائم متطابقة للإحتلال الأمريكي ، مستوحاة في كلتا الحالتين من أحداث حقيقية ، ليس بالأمر الهين ، بل على العكس تماما ، كما يشير بريان دي بالما: “لقد تعلم الفرنسيون دروس حربهم في الهند الصينية. نحن الأمريكيون لم نتمكن في النهاية من القيام بذلك من حرب فيتنام” .
الفيلم عبارة عن وثائق مصورة يتم أعادة تمثيلها لجريمة أغتصاب وقتل حدثت في عام 2006 في سامراء وهي تذكير لحادثة الفتاة عبير الجنابي وأهلها في المحمودية . ( ولا مكان للأكاذيب ) عنوان يوميات جندي المشاة أنجل سالازار الذي يفتتح الفيلم بكاميرته وهو يصور رفاقه الجنود في نقطة التفتيش في مدخل مدينة سامراء ، يحاول ان يصنع فيلمأ عن تجربته في هذا البلد البائس ، يحمل أنجيل سالازار (إيزي دياز) كاميرا فيديو حول تصوير كل ما يراه على أمل صنع فيلم وثائقي سيكون تذكرته إلى مدرسة التصوير. ويتم تقديم أفراد وحدته ، غابي بليكس (كيل أونيل)، والمحامي مكوي (روب ديفاني)، والرقيب جيم سويت (تاي جونز) والأولاد الجيدين، رينو فليك (باتريك كارول) و بي بي. راش (دانيال ستيوارت شيرمان) . توضح مقاطع الفيديو أن جنودا أمريكان فقدوا انسانتهم وتحولوا الى وحوش بشرية . ثم يتم استبدال كاميرا الفيديو اليدوية بفيلم وثائقي فرنسي عن روتين الجنود الأحتلال عند نقاط التفتيش في سامراء. فجأة، تقترب سيارة مسرعة. تفسير إشارات الجنود الأمريكيين للإبطاء من قبل سائق السيارة العراقي يفهمها على أنها إشارة للسماح للعبور ، تطلق النيران على السيارة مما يسفر عن مقتل امرأة حامل وطفلها الذي لم يولد بعد . أثناء قيامه بدورية راجلة، يقتل أحد الجنود الأكثر خبرة، الرقيب الرئيسي سويت بعد أن داس على قنبلة مزوروعة . فليك وصديقه راش (دانيال ستيوارت شيرمان) غاضب من وفاة الرقيب سويت ويقرر الانتقام من خلال مهاجمة العراقيين . أعلن فليك وراش عن خطتهما للذهاب إلى منزل عائلة عراقية بحثوا عنها سابقا ، بهدف اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 14 عاما وهي أحد أفراد الأسرة. على الرغم من اعتراضات بليكس ومكوي، ينفذ فليك وراش خطتهما، مع مرافقة سالازار ومكوي؛ الأول لتصوير الحادث بالفيديو والأخير على أمل إيقافهما . يحاول مكوي إيقاف الثنائي، لكنه أُمر بالخروج من المنزل تحت تهديد السلاح. يغتصب فليك وراش الفتاة بينما يصور سالازار الأحداث باستخدام كاميرا فيديو مخفية ومثبتة على الخوذة. بعد ذلك، تقتل الفتاة وعائلتها بأكملها وتحرق . يحاول مكوي إخبار بليكس عن الاغتصاب، عندما يواجه راش الاثنين ويهدد مكوي تحت تهديد السكين، مطالبا بعدم الإبلاغ عن الاغتصاب. بعد ذلك، يشعر مكوي بالانزعاج الشديد من الاغتصاب وجرائم القتل، ويخبر والده عن الحادث عبر الدردشة على شبكة الإنترنت. يحثه والده، مستشهدا بحادث أبو غريب، على عدم الإبلاغ عن الحادث، خوفا من أن الدعاية المتولدة من شأنها أن تستخف بالولايات المتحدة دوليا. بغض النظر عن ذلك، يتجاهل مكوي اعتراضات والده ويبلغ عن الاغتصاب، ويذهب إلى شعبة التحقيقات الجنائية ، لتوعيتهم بالجرائم ثم يقابلونه لاحقا. سالازار أيضا منزعج من المشاهد التي سجلها، ويلتقي بطبيب نفساني في الجيش لمناقشة حالته العقلية المتدهورة . بعد أن تصدرت القصة الأخبار، يتم القبض على فليك وراش واستجوابهما من قبل التحقيقات الدولية ويعترف الثنائي بشكل مغرور بالفخر بالاغتصاب. يتعلق الأمر في فترة حرجة مئات الأشخاص الذين يقتلون يوميا على يد مجموعات مختلفة سواء كانت القاعدة أو الميليشيات أو فرق الموت أو قوات التحالف نفسها! .
كان الفيلم مؤثرا جدا في كل جانب بالنسبة لعراقي عاش هناك وشهد الحرب . كل ما فعله الفيلم هو أنه وضع حقيقة بعض ما يحدث في العراق ونقله الى الشاشة . لأن ليس كل الناس يتابعون الأخبار أو يعرفون وسائل الإعلام التي يجب الوثوق بها . استنادا إلى جريمة حرب موثقة اغتصبت فيها مجموعة (عصابة ) من الجنود الأمريكيين عصابة ثم قتلوا فتاة عراقية، تحمل الجريمة أو جه تشابه مع تحفة دي بالما الفيتنامية ضحايا الحرب ، حتى أنها تشترك في شعار ملصق: “الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب”) وهذا يجعل مسعى اللمخرج الراحل دي في تنقيح الدعاية الحربية المضللة للمغامرة الأمريكية في إحتلال العراق وممارسات جنوده اللانسانية بحق المدنيين العراقيين . في أكتوبر 2006، بعد عودته إلى الوطن من العراق، كان ماكوي في حانة مع زوجته عندما طلب منه أصدقاؤه المدنيون أن يخبرهم “قصة حرب”. إنه يلزمهم ويخبرهم بالدموع عن الاغتصاب والقتل، قبل أن يبكي بين ذراعي زوجته .
لقد تناولت العديد من الأفلام بالفعل حرب الولايات المتحدة الامريكية الكارثية في العراق وأنعكاستها – المنطقة الخضراء ، القناص الامريكي ، والعراق في شظايا ، والحرب أصبحت سهلة ، وفي وادي إيله ولا نهاية في الأفق ، وشكراً لك على خدمتك وغيرها من الأعمال ، لكن الفيلم الطويل لبريان دي بالما ، يعبر عن غضبه بشراسة وسرده يأخذ الاحتجاج السائد للحرب إلى منطقة جديدة . إن مجالها ليس سياسة أوإستراتيجية سياسية أو تكتيكات عسكرية ، بل عالم محكم بشكل ملحوظ للقوات البرية الأمريكية في العراق ، وتم تأطير صدمة دي بالما (كتب السيناريو) على أنها ميلودراما على مستوى النخر من الاغتصاب والقتل وغيرها من الملاحقات العسكرية ، ولا سيما وحشية أغتصاب وقتل فتاة عراقية مراهقة وعائلتها من قبل فرقة من مشاة البحرية . ربما ليس من المستغرب أن يتم تسجيل معظم الأدلة على تلك الجريمة وحفظها في المدونات وإدخالات المجلات ومقاطع الفيديو الخاصة بحرب الجنود والمنشورات على موقع يوتيوب. كما يلاحظ المخرج في المواد الصحفية ، “كان كل شيء هناك ، وكل شيء في الفيديو”. يشير العنوان إلى تحرير أو تنقيح الوثائق في تكييفها مع سيناريو سردي للممثلين. بالنسبة إلى دي بالما، فإن “التنقيح” يعني أيضا الرقابة العسكرية الأمريكية على “المعلومات الحساسة” مثل حادثة الحياة الواقعية في سامراء. يؤكد المخرج: “تم تنقيح القصة الحقيقية لسلوك القوات الامريكية في العراق من على الرغم من قبحها . يتم تقديمه على أنه فيلم وثائقي من مقاطع الفيديو التي تم العثور عليها – بما في ذلك لقطات إخبارية مذاعة من التلفزيون العراقي والفرنسي – ومع ذلك فمن الواضح أنه تمت كتابته وتنفيذه ، لسبب واحد. مقاطع فيديو الحرب الواقعية أكثر وحشية . ومع ذلك ، تمكن دي بالما وطاقمه من إضفاء الطابع الدرامي . يختم دي بالما فيلم بصور لقطات فعلية لضحايا الحرب العراقية مختلطة بالوفيات مع تنقيحها بالخطوط السوداء على العيون ، وشمل ذلك مونتاج صور “حقيقية” من العراق، والتي كانت خاتمة الفيلم وكانت جميعها حقيقة في تلك الفترة الدامية من سنوات الاحتلال الامريكي للعراق ، اتخذت شركة الإنتاج حرية تغطية أعين الضحايا ، لتجنب الإضرار بحساسية المشاهد. هذا التلاعب الخارجي للصور الحقيقية له دلالة قوية. بدلا من تجنب إثارة غضب أولئك الذين يرون هذه الصور ، تصبح ضربة دراماتيكية تدين الحرب وتتركنا غارقين في اليأس .
يتناظر الكثير من أحداث هذا العمل مع فيلم دي بالما السابق ،ألاعتداءات أو “ضحايا الحرب” (1989) ، حيث لعب مايكل جيه فوكس دور جندي فيتنامي مغتصب . فيلم يعتمد على حدث حقيقي حين اختطفت دورية من خمسة جنود أمريكيين في فيتنام فلاحة شابة من قريتها ، وأجبروها على السير معهم ، ثم اغتصبوها وقتلوها. رفض أحد الخمسة المشاركة في الاغتصاب والقتل، وكانت شهادته هي التي جلبت الآخرين في النهاية إلى محكمة عسكرية عسكرية وأحكام بالسجن عليهم . لا يدور الفيلم حول الحدث بقدر ما يتعلق بالجو الذي أدى إليه – الواقع اللاإنساني للقتال ، والطريقة التي يبرر بها القوة الغاشمة افعالهم الوحشية . ما هو مختلف في هذا الفيلم هو الأسلوب المرئي ، الذي يخبرنا بطبيعته أنه بعد اختراع كاميرا الفيديو الرخيصة والإنترنت ، يمكن افتراض أن القليل من الإجراءات سرية. يستخدم دي بالما هذه الطريقة لإظهار كيف يمكن تحويل حتى الجنود الجيدين (أو المحايدين) إلى مجرمين أو شركاء صامتين من خلال التهديد بالعنف من رفاقهم . في الواقع ، يبدأ دي بالما من الملاحظة التالية: “أحد الأسباب التي تجعلنا لا نرى الكثير من الناس في شوارع الولايات المتحدة للاحتجاج على هذه الحرب هو أنهم لا يشاهدون صور الضحايا المدنيين والجنود القتلى أو الجرحى من العراقيين ، على عكس ما كان يعرض خلال حرب فيتنام “.
خلال الاحتلال الامريكي للعراق، للأسف، لا تعرض سوى الصور التي يريدها البنتاغون وجورج بوش وأن يراها الناس ويطلع عليها الرأي العام، والتي تهدف إلى طمأنت ألامريكان بشكل أو بآخر من خلال إخبارهم بمهمتهم ( الانسانية ) ، وأن لا يقلقوا على أبناءهم لـن كل شئ على ما يرام ، وهو يحرزون النصر على أعداء أمريكا ، رغم ( الأضرار الجانبية) ، لهذا السبب تم تنقيح هذه الصور و الأفلام وأعادة عرضها، مما يعني أنها مناسبة للمشاهدة ، أو بشكل أكثر وضوحا ، التدقيق الصوري . لذلك فإن الصور المجزأة والمسروقة والمخفية هي التي تشكل خيط هذه القصة. نرى الفيلم الذي تم تصويره على كاميرا فيديو داخل الوحدة نفسها من قبل أنجيل سالازار ، الذي يأمل في تقديمه عند دخوله مدرسة السينما ، ودمجه مع فيلم وثائقي (فرنسي بالطبع) ممتع من الناحية الجمالية ومع تعليق مرافق للفيديو ، الفيديو الذي تم وضعه على مدونة زوجة مكوي الخاصة ، الصور الدعائية لموقع إسلامي ، شريط كاميرا مراقبة ومحضر التحقيق مع المشتبه بهم الرئيسيين من قبل جهاز القضاء العسكري . ومن خلال هذه الحادثة الحقيقية، يتدبر براين دي بالما أمره من أجل إدانة الحرب ، وإلقاء الضوء على المآسي التي حلت بالشعب العراقي .
فضلاً عن مواقع التصوير في الأردن وتورينتو، يشتمل الفيلم كذلك على مشاهد حقيقية من الحرب على العراق ، أُخذت من التغطيات التلفزيونية التي تابعت الحرب، إضافة إلى تغطية حقيقية لمحاكمة الجنود ، باستخدام يوميات الفيديو ومنشورات يوتيوب والتقارير الإخبارية واللقطات الأخرى، هذا الفيلم صرخة غضب. حين يوجه المخرج دي بالما غضبه نحو بلده ، منذ الكارثة العسكرية والإنسانية في فيتنام ، يتم التعامل مع قدامى المحاربين كدعائم بشرية في هذا البلد ، ويتم وضعهم أمام الأعلام وإطرائهم للحظات من قبل السياسيين من كلا الحزبين لتلميع صورتهم القبيحة ، نتيجة الفيلم مروعة وحزينة ومحبطة. تظهر أحدث استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من الجمهور الأمريكي قد سحبت موافقتها على الحرب ومهندسيها. مع التركيز على قصة تتكرر بعد ما يقرب من عشرين عاما من ضحايا الحرب (1989). هنا ، كما هو الحال هناك ، يتم التنديد بانتهاكات الجنود الأمريكيين ضد السكان المدنيين في المكان الذي تحتله الولايات المتحدة (فيتنام ، 1989 – العراق ، 2006). هناك محاولة للتبرير: تفجير قنبلة مزروعة بين السكراب أمام الحراس الذين يحرسون نقطة السيطرة والتي يسبب في قتل الرقيب ( سويت) . على الرغم من أنه حدث يومي في الحرب ، لكنه سيؤدي إلى سلسلة من أعمال العنف الهائل ضد السكان المدنيين: إطلاق النار على سيارة تقل امرأة على وشك الولادة ، والتفتيش التعسفي للفتاة التي تمر عبر نقطة التفتيش كل يوم للذهاب إلى المدرسة ، والحاجة إلى إشباع لحظة شهوة بحجة الانتقام .
نجح المخرج ( براين دي بالما ) في تصوير الحرب على أنها عمل بغيض حين يرسل الشباب تحت عباءة وطنية وبرسالة انتقامية إلى بلد لا يعرفونه. و واستخدم الاغتصاب كتوصيف مجازية لاستباحة بلد وتدنيسه بوحشية فرضتها بالأسلحة وكلاب مسعورة . صورة منقحه يتم إعادة تصويرها بعد عام من الأحداث التي يرويها . من الأفلام التي تمحورت حول وحشية جنود الاحتلال الأمريكي في حرب العراق وكتبها وأخرجها براين دي بالما مستنداً إلى حادثة اغتصاب وقتل فتاة عراقية تبلغ من العمر 14 عاما (لعبت دورها زهرة الزبيدي) وقتل عائلتها على يد عضوين من فرقة عسكرية أمريكية متمركزة في سامراء من قبل جنود أمريكيين وهي فكرة ليست جديدة على المخرج ، الذي تعامل بالفعل مع حكاية مماثلة دارت أحداثها في حرب فيتنام. ما يختلف، وبطريقة جوهرية، هو الطريقة التي تروى بها القصة بأسلوب وثائقي. تتكون الحبكة بأكملها من صور تم التقاطها بواسطة كاميرات مختلفة: صورة الجندي سالازار ، المخرج الطموح. تلك الخاصة بالمراسلين الفرنسيين ؛ الكاميرات الأمنية للقاعدة الأمريكية ؛ كاميرات الإرهابيين التي تسجل أعمالهم العنيفة الوحشية؛ مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت ؛ الفيديو الذي سجله صديق عندما عاد أحد الجنود إلى منزله .
وهكذا يطرح دي بالما فكرة موحية: أننا نعيش في عصر سمعي بصري غير مسبوق ، حيث العديد من الأحداث عرضة للتسجيل بواسطة العديد من الكاميرات، بحيث إذا كان هناك محرر قادر على جمع وتنقيح هذه المواد المشتتة، يمكنه تقديم قصص مثل تلك التي رويت في هذا الفيلم. ومع ذلك، فإن دي بالما لا يخفي أبدا موقفه الصريح المناهض للتدخل في العراق . فيلم “منقح” ، بالإضافة إلى كونه صورة لمدى فظاعة الحرب ، وتحديدا حول الجنود المعينين في بلد تم غزوه ، يشير المخرج بريان دي بالما إلى تناقضات بلاده ، وتجاوزات قوة الجيش ، فضلا عن المستوى الفكري المقلق لجنوده ، الذين يفترض أنهم مجندون من النخبة ، لكنهم قادرون على ارتكاب أسوأ الفظائع . هو أيضا فضح لوسائل الإعلام والتي تنتقل تلك الأخبار أو في تغطية الاحداث ، وكيف يتلقاها القارئ أو المشاهد .
في الختام : فيلم ( منقح ) ضد الجيش الأمريكي وتدخلاته في العراق ، فيلم ينتقد سياسة بوش الخارجية. بالرغم من قيمة الرسالة العظيمة للفيلم في شجب الحروب وتصويره المشاهد الرائعة وجمالها البصري وموسيقى كلاسيكية ، ممزوجة بهذه الصور ، أضافة الى التقنية المضافة التي تجعل هذا الفيلم عملا متميزاً ، سواء في فيلموغرافيا دي بالما ، لكن استقبال الفيلم كان سيئاً للغاية في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي تم توزيعه بشكل ضعيف ، بالرغم حصوله على (الأسد الفضي لأفضل مخرج في البندقية 2007) . بل أتهم البعض من الأمريكيين المخرج دي بالما بأنه خائن ، لمحاولته فرض شعور بالذنب على المجتمع الأمريكي سيؤدي إلى نهاية هذه “الحرب العادلة”. وينتقد لعرضه هذا العمل المستهجن الذي قامت به مجموعة من الجنود، والذي يعتبر “مجرد استثناءات” .
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم