جلنار العلي
في الوقت الذي يتمنى فيه الموظف أن يكون عدد أيام الشهر أقل مما هو عليه بسبب عدم تناسب الراتب مع احتياجاته، تأتي مشكلة تأخر تسلم الرواتب عبر الصرافات لتزيد الطين بلة، ورغم قرب انتهاء الشهر، إلا أننا لا نزال حتى اليوم نشاهد الطوابير أمام الصرافات، أو أمام عدد قليل من الصرافات بسبب خلو الكثير منها من النقود، هذا الأمر أعاده المعنيون أكثر من مرة إلى أسباب عديدة ترتبط بقلة الموظفين وعدم وجود سيارات لنقل الأموال أو إجراء صيانة للصرافات، ولكن يبقى السؤال الملحّ عن مدى تأثير ذلك في الاقتصاد كله وما الحلول الواجبة للتخلص من هذه المشكلة؟
الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية، رأى في تصريح خاص لـ«الوطن» أن الأثر السلبي لتأخر تسلم الرواتب بالدرجة الأولى هو الامتعاض من قبل المواطنين لأن الكثير منهم ينتظرون يوم استلام الرواتب لتلبية التزامات معينة، لافتاً إلى أن الناس لا تقبل الأعذار التي تقدمها الجهات المعنية التي لا تقدّم الخدمة الكافية لاستلام الرواتب بأوقاتها، حتى وإن كانت هذه الأعذار منطقية وموضوعية، لأن ما يهم الموظف الحصول على راتبه في حينه دون أي تأخير.
ورأى فضلية أن الأعذار التي تقدمها المصارف منطقية في بعض منها كتلك المتعلقة بعدم إمكانية إصلاح الصرافات العاطلة عن العمل بسبب عدم توافر قطع التبديل في السوق المحلية، على اعتبار أن الشركات المصنعة للصرافات إما أوروبية وإما أميركية في معظمها، وهناك مقاطعة لسورية تفرضها هذه الدول منذ بداية الأزمة، أي إن هذا العذر حقيقي ومشكلة كبيرة تعاني منها المصارف، ومن الأسباب الأخرى أيضاً أن معظم الصرافات في سورية تعود للمصرفين التجاري والعقاري، أما بقية المصارف الحكومية والخاصة فهي تقدم خدمات بسيطة لأن انتشار صرافاتها ضعيف جداً، أي إن عدد الصرافات لدى إجمالي المصارف كافة قليل جداً ولم يزدد منذ 10 سنوات حتى الآن، بل على العكس تماماً فقد نقص هذا العدد مع زيادة الكتلة المالية للرواتب والأجور، معتبراً أن آلية تسليم الرواتب والمستحقات عبر الـATM مشكلة حقيقية وفيها خلل كبير، ولا يقتصر ذلك على الفترة الحالية بل إنه يمتد إلى فترة ما قبل الأزمة، وقد تقلصت هذه المشكلة قليلاً في أواسط الأزمة بسبب لجوء بعض الجهات حينها إلى سبل أخرى لتسلم ما عليها من التزامات لموظفيها.
وأشار إلى أن الراتب في بداية عمل الصرافات كان يساوي ربع الراتب الحالي، وبالتالي فإن الصرافات التي تحتوي على أربعة أدرج كانت قادرة على تخديم عدد أكبر من الناس، أما اليوم فحتى لو تم وضع أكبر فئة نقدية في كل الأدرج فهي لا تستطع أن تخدّم أكثر من بضع ساعات، مشيراً إلى أن تأمين أو استيراد أجهزة جديدة يحتاج إلى موافقة حكومية، ولكن يبدو أن الجهات المصرفية لا تحظى بهذه الموافقات، والدليل أنهم لم يحصلوا على موافقات لزيادة عدد عمال تعبئة الأجهزة بالنقود أكثر من مرة واحدة في اليوم، في الوقت الذي يفترض أن يتم تعبئتها 3 مرات يومياً في ظل نظام الحوافز والإضافي.
وذكر فضلية بعض الحجج غير الموضوعية التي تتحدث عنها الجهات المصرفية المتمثلة بوجود نقص بعدد السيارات المصفحة التي تحمل النقود من مبنى المصرف المركزي إلى جهات بعيدة توجد فيها الصرافات، متابعاً: «وأنا متأكد من أن المصرفين العقاري والتجاري قد تقدما بأكثر من طلب ويلحان لاستقدام سيارات ولكن دون فائدة، لذا فإن المشكلة إما تتمثل بالمقاطعة الغربية التي تمنع ذلك أو عدم وجود دعم حكومي للموافقة على هذه السيارات، ولكن الأهم من ذلك أن الجهات الحكومية تستطيع أن تصفح بعض سياراتها، وبالتالي فإني أرى أن هذه الحجة غير موضوعية».
وفي السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي أن المشكلة الأكبر تتمثل بمعرفة الحكومة بحقيقة أن الصرافات حتى لو كانت تعمل جميعها وممولة على مدار الـ24 ساعة فإنها لا تكفي لتسديد الرواتب، وخاصة أنها لا تخدم العاملين في الدولة فقط، وإنما بعض الجهات الخاصة أيضاً لكونها توطّن رواتب موظفيها في المصارف ذاتها، إضافة إلى تسليم المستحقات الأخرى كالتأمين والمعاشات للمتقاعدين، كما أنها تعرف بوجود خلل في توزعها الجغرافي ناجم عن بعد الصرافات بشكل عام عن أصحاب الرواتب والأجور ما يؤدي إلى تكبد العاملين تكاليف مادية للوصول إليها وفيه ضياع للوقت أيضاً.
واعتقد فضلية أن مساحة الحراك المخصصة للمصارف التي لديها خطط تطوير قليلة جداً، لذا فإن المشكلة لا تنحصر بالمصارف التي ذكرت إداراتها بالسابق أنها تحتاج فرق عمل لتدريبهم وتوظيفهم وطلبت ذلك من الجهات العامة ولكنها «فوجئت بعدم الموافقة»، أي إن هذه المصارف مدركة للمشكلة وقامت بعدة خطوات ولكن لا حول لها ولا قوة، فالحكومة لا تتجاوب معها كما يجب، فحتى لو كانت الجهات المصرفية تغط في نوم عميق يجب على الحكومة أن تمارس دورها الإداري الأعلى وتضغط على الجهات ذات الصلة.
ومن جهة أخرى اقترح فضلية بعض الحلول السريعة والآنية لمعالجة هذه المشكلة، تتمثل بالسماح لبعض الجهات الحكومية التي تشكل ضغطاً كبيراً على المصارف أن تسلّم مستحقات العاملين لديها بشكل يدوي أو ورقي، كما يمكن تشريع القبض يدوياً عن طريق شيك داخلي من قبل موظفي المصارف وذلك بالنسبة لشريحة المتقاعدين والتأمينات الاجتماعية من دون الاضطرار للوقوف والانتظار، وتخصيص أيام مختلفة لتسلّم الرواتب بحسب المؤسسات والجهات الحكومية، وأن تغذى الصرافات بفئة الـ 5 آلاف ليرة فقط، وأن يكون في كل مدينة أكثر من فرع، إضافة إلى ضرورة تدريب الموظفين الأصليين في المصارف لتمويل الصرافات للتغلب على مشكلة نقص العاملين، معتبراً أن هذه الحلول قانونية ولكنها لا تطبق لأسباب مجهولة.
وحول عدم وجود سيارات كافية، أشار فضلية إلى أن سورية تنتج قاطرات ومقطورات وصناديق شاحنات يمكن تصفيحها، أو زيادة الحراسة على أبسط أنواع السيارات، مؤكداً ضرورة أن تجد الحكومة حلولاً أمام العقبات التي تسهم في تعقيد المشكلة، لأن حال الصرافات أصبح مؤلماً ومزرياً.
سيرياهوم نيوز1-الوطن