الصيدلانية سارة محمد شاهر أبو سمرة:
يُعد فقر الدم أحد الحالات الطبية التي تتميز بعدم وجود كمية كافية من خلايا الدم الحمراء التي تنقل الأكسجين إلى الأنسجة.
ويوجد عدة أنواع من فقر الدم يكون لكل منها مسبب خاص، وقد يكون حالة مؤقتة أو حالة طبية مستمرة تبعًا لشدة الحالة، كما يعرف فقر الدم على أنه هبوط في واحد أو أكثر من القياسات المتعلقة بكريات الدم الحمراء، والتي تشمل ما يأتي:
تركيز الهيموغلوبين: ويعرف بكمية الهيموغلوبين الأساسي الحامل لغاز الأكسجين في الدم.
الهيماتوكريت: وهو الراسب الدموي أو النسبة المئوية لحجم خلايا الدم الحمراء من إجمالي حجم الدم.
تعداد كريات الدم الحمراء: وهو عدد كريات الدم الحمراء الموجودة في حجم معين من الدم.
و يوجد ثلاثة أنواع مختلفة من خلايا الدم، وتشمل ما يأتي:
كريات الدم البيضاء (Leucocytes): تساعد هذه الخلايا في حماية الجسم من العدوى (Infections).
الصفيحات الدموية (Thrombocyte): تساعد هذه الخلايا على تخثر الدم بعد حدوث نزيف.
كريات الدم الحمراء (Erythrocytes): تحمل هذه الخلايا الأكسجين من الرئتين إلى الأعضاء الحيوية في الجسم والأنسجة الأخرى.
تحتوي خلايا الدم الحمراء على الهيموغلوبين وهو بروتين غني بالحديد أحمر اللون ، حيث يساعد الهيموغلوبين على نقل الأكسجين من الرئتين إلى بقية أعضاء الجسم ونقل ثاني أكسيد الكربون من الجسم إلى الرئتين، بحيث يمكن إخراجه من الجسم في عملية الزفير.
يتم إنتاج معظم خلايا الدم، بما فيها خلايا الدم الحمراء، باستمرار في النِقي وهو نخاع العظم ، وهو مادة إسفنجية حمراء اللون موجودة في داخل تجويفات العظام الكبيرة في الجسم.
ويحتاج الجسم من أجل إنتاج الهيموغلوبين وخلايا الدم الحمراء إلى الحديد ومعادن أخرى وفيتامينات وبروتينات تتوفر في الغذاء الذي يتناوله الإنسان، بالإضافة إلى بعض الهورمونات أهمها هرمون الإريتروبوئيتين (EPO) والتي تقوم الكلى بإفرازه من أجل إنتاج خلايا الدم الحمراء ، وبالتالي عندما يعاني الإنسان من الأنيميا،فإن جسمه لا ينتج ما يكفي من خلايا الدم الحمراء، إنما يُضيّع الكثير منها أو يتلفها بسرعة تفوق قدرته على إنتاج خلايا دم جديدة.
يتم تعريف فقر الدم بحسب قيم فحوصات الدم، والتي تختلف بين الذكور والإناث كما يأتي:
الذكور: أقل من 13.5 غرام/ ديسيلتر من تركيز الهيموغلوبين، وقيم أقل من 41% من الهيماتوكريت.
الإناث: قيم أقل من 12 غرام/ ديسيلتر لتركيز الهيموغلوبين, وقيم أقل من 36% من الهيماتوكريت.
كما يوجد بعض الفئات الخاصة التي تختلف لديهم قيم الهيموغلوبين الطبيعية عن باقي البشر لأسباب جينية أو وراثية أو لأسباب متعلقة بنمط حياتهم، فإنه من المعروف أن لدى المدخنين قيم هيماتوكريت أعلى من غير المدخنين، ما يجعل الكشف عن فقر الدم من الأمور الصعبة؛ لأنه لا يظهر خلال الفحوصات المخبرية ، كما أن الأشخاص الذين يسكنون في ارتفاع عالٍ عن سطح البحر تكون قيم هيموغلوبين أعلى من أولئك الذين يسكنون في الأماكن القريبة من ارتفاع سطح البحر ، و الأشخاص من أصل أفريقي تكون قيم هيموغلوبين أقل بمعدل 0.5 – 1.0 غرام/ ديسيلتر من القيم المتعارف عليها عالميًا، و الأشخاص الرياضيين تكون قيم هيموغلوبين طبيعية مختلفة عن القيم الطبيعيّة المتعارف عليها عالميًا.
يتعلّق ظهور أعراض فقر الدّم تبعًا لشدة حالة المريض، إضافة إلى مدى تطور المرض، ومدى حاجة المريض إلى الأكسجين.
وتظهر أعراض فقر الدم عادةً إذا كان تطور المرض سريعًا للغاية، أما إذا كان تطوره بطيء فمن الممكن ألا تظهر أية أعراض؛ لأن الجسم يكون قد اعتاد على الوضعيّة الجديدة.
وتتنوع أعراض فقر الدم تبعًا للمسبب، ويمكن أن تشمل ما يأتي:
التعب.
شحوب البشرة.
خفقان قلب سريع وغير منتظم.
ضيق التنفس.
آلام في الصدر.
الدوخة.
تغيرات في الحالة الإدراكية.
برود اليدين والقدمين.
الصداع.
احتشاء عضلة القلب.
و يمكن تقسيم أنواع فقر الدم تبعًا لمسبباتها كما يأتي:
فقر الدم الناجم عند عوز الحديد
يعد فقر الدم الناجم عند عوز الحديد (Iron deficiency anemia) أحد أكثر أنواع فقر الدم شيوعًا، إذ يصيب ما يقارب 2% – 3% من سكان الولايات المتحدة البالغين.
يرجع سبب حدوث هذا النوع من فقر الدم أن نخاع العظم يحتاج إلى الحديد من أجل إنتاج الهيموغلوبين، وفي حال عدم توافر كميات جيدة منه فقد يسبب ذلك نقص في إنتاج خلايا الدم الحمراء.
فقر الدم الناجم عن عوز الفيتامينات (Vitamin Deficiency Anemia)
يحتاج الجسم إلى العديد من الفيتامينات، مثل: حمض الفوليك (Folic acid)، وفيتامين ب 12 (Vitamin B12) لإنتاج كمية كافية من خلايا الدم الحمراء.
وقد يسبب النظام الغذائي غير المتكامل خفض إنتاج خلايا الدم الحمراء، كما أن هناك بعض الأشخاص الذين يعانون من عدم قدرة جسمهم على امتصاص فيتامين ب 12 بشكل فعال.
الإصابة بمرض مزمن
يحدث فقر الدم بسبب الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة، مثل: السرطان (Cancer)، ومتلازمة العوز المناعي المكتسب (AIDS)، ومرض النقرس (Gout)، وداء كرون (Crohn’s disease)، وبعض الأمراض الالتهابية المزمنة، والفشل الكلوي.
فقر الدم اللاتنسجي (Aplastic anemia)
يعد فقر الدم اللاتنسجي أحد أنواع فقر الدم النادرة، لكنه يشكل خطراً على الحياة، وعادةً ما يحدث نتيجة انخفاض قدرة نخاع العظم على إنتاج جميع أنواع خلايا الدم.
ولا يزال سبب فقر الدم اللاتنسجي غير معروف في معظم الحالات، ولكن هناك اعتقادًا بأن له علاقة بأمراض تؤثر على عمل الجهاز المناعي (Immune system).
فقر الدم الناجم عن مرض في نخاع العظم
يوجد العديد من الأمراض، مثل: ابيضاض الدم (Leukemia)، وخلل التنسج النخاعي (Myelodysplasia) التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور فقر دم والتأثير على نخاع العظم، إذ يمكن أن تسبب انخفاضاً أو توقفاً كاملاً في إنتاج خلايا الدم الحمراء.
فقر الدم الناجم عن انحلال الدم (Hemolysis)
يحدث هذا النوع من فقر الدم عندما يتم إتلاف خلايا الدم الحمراء بسرعة تفوق قدرة نخاع العظم على إنتاج خلايا دم جديدة.
الإصابة ببعض الأمراض
يوجد بعض الأمراض التي قد تسبب حدوث تلف في خلايا الدم الحمراء بشكل كبير، مثل: اضطرابات الجهاز المناعي التي تسبب إنتاج أضداد (Antibodies) لخلايا الدم الحمراء والتسبب بإتلافها قبل الأوان.
فقر الدم المنجلي (Sickle cell anemia)
ينتقل فقر الدم المنجلي بالوراثة وفي معظم الحالات يصيب الأشخاص ذوي الأصول الإفريقية، وعادةً ما يحدث نتيجة لخلل في الهيموغلوبين يسبب تكون خلايا دم حمراء بشكل منجلي، وبالتالي تموت هذه الخلايا قبل أوانها.
و تشمل عوامل خطر الإصابة بفقر الدم ما يأتي:
سوء التغذية
في معظم الأحيان لا يحتوي النظام الغذائي للعديد على كميات كافية من الحديد والفيتامينات الأخرى مثل حمض الفوليك، ما يزيد من خطر الإصابة بفقر الدم.
أمراض واضطرابات في الأمعاء
قد تؤثر بعض اضطرابات الأمعاء مثل داء كرون والداء البطني (Celiac disease) على امتصاص الغذاء والفيتامينات التي تحتويه ما قد يسبب نقص فيها وبالتالي لإصابة بفقر الدم.
الدورة الشهرية (Menstrual cycle)
تعد النساء في فترة الخصوبة الأكثر عرضة للإصابة بفقر الدم الناجم عن عوز الحديد مقارنة بالرجال، وذلك لأن المرأة تفقد كميات من الدم خلال فترة الحيض.
الحمل
تكون المرأة الحامل معرضة بشكل كبير للإصابة بفقر الدم الناجم عن عوز الحديد، وذلك لحاجة الجنين إلى كميات من الحديد والهيموغلوبين لنموه وتطوره.
عوامل وراثية
ينتقل فقر الدم بشكل وراثي في بعض الأحيان وذلك إذا كان أحد أفراد العائلة مصاباً بأحد أنواع فقر الدم التي تنتقل بالوراثة، مثل حالات فقر الدم المنجلي.
مضاعفات فقر الدم
إذا لم يتم علاج الأنيميا فقد يؤدي ذلك إلى ظهور العديد من المضاعفات الجانبية، مثل ما يأتي:
فرط التعب: حيث يشعر المريض بالتعب لدرجة تمنعه من القيام بواجباته اليومية البسيطة، كما قد يصعب عليه اللعب أو العمل.
مشاكل في القلب: قد يسبب فقر الدم تسارعاً في نبضات القلب وذلك لتعويض نقص الأوكسجين في الدم، وقد يسبب فشل القلب في بعض الأحيان.
ضرر في الأعصاب: حيث يعد فيتامين ب 12 ضروريًا لعمل الأعصاب بشكل سليم.
تغيرات في الحالة الإدراكية: حيث يؤثر النقص في فيتامين ب12 على عمل الدماغ.
الموت: يسبب فقر الدم المنجلي مضاعفات طبية خطرة، كما أن فقدان كميات كبيرة من الدم خلال فترة زمنية قصيرة يؤدي إلى فقر دم قد يكون قاتلًا.
و يمكن تشخيص فقر الدم من خلال معرفة التاريخ الطبي للمريض، وإجراء فحص جسماني شامل، واختبارات دم بما في ذلك فحص العد الدموي الشامل cbc حيث يجب أخذ العديد من الملاحظات بعين الاعتبار، كما يأتي:
تتراوح القيم الطبيعية لخلايا الدم الحمراء عند الشخص البالغ ما بين 38.8% – 50% لدى الذكور، وبين 34.9% و44.5% لدى الإناث.
تتراوح قيم الهيموغلوبين الطبيعية لدى الإنسان البالغ ما بين 13.5 – 17.5 غرامًا لكل ديسيلتر لدى الذكور، و12 – 15.5 غرامًا لكل ديسيلتر لدى الإناث.
و يتم إجراء فحص خلايا الدم لمعرفة الحجم والشكل واللون لها ،كما يساعد إجراء هذه الفحوصات إلى الوصول إلى تشخيص دقيق، ففي فقر الدم الناجم عن عوز الحديد تكون خلايا الدم الحمراء أصغر حجمًا وأكثر شحوباً من المعتاد، وفي فقر الدم الناجم عن عوز الفيتامينات تكون خلايا الدم الحمراء أكبر حجمًا وأقل عددًا من المعتاد.
و يعتمد علاج فقر الدم على المسبب حيث يمكن أن يكون كما يأتي:
علاج فقر الدم الناجم عن عوز الحديد: يتم علاج فقر الدم من هذا النوع في أغلب الحالات بواسطة تناول مكملات الحديد.
علاج فقر الدم الناجم عن عوز الفيتامينات: يتم علاج هذا النوع بواسطة حقن تحتوي على فيتامين ب12.
علاج فقر الدم المصاحب للأمراض المزمنة: ليس هنالك علاج معين لهذا النوع من فقر الدم.
علاج فقر الدم اللاتنسجي: يتم علاج فقر الدم من هذا النوع بإعطاء الدم وريديًا؛ لرفع كمية خلايا الدم الحمراء في الجسم.
علاج فقر الدم الناجم عن مرض في نخاع العظم: يتم علاج هذا النوع من فقر الدم من خلال المعالجة الكيماوية وزرع نخاع عظم.
علاج فقر الدم الناجم عن انحلال الدم: يشمل علاج هذه الحالة تناول أدوية كابتة للجهاز المناعي الذي يهاجم خلايا الدم الحمراء.
علاج فقر الدم المنجلي: يشمل علاج فقر الدم من هذا النوع مراقبة ورصد مستويات الأوكسجين في الجسم، وتناول مسكنات للآلام.
يمكن الوقاية من الإصابة بفقر الدم في بعض الاحيان من خلال ما يأتي:
تناول الأطعمة التي تحتوي على الفيتامينات اللازمة، مثل: الحديد، وحمض الفوليك، وفيتامين ب 12، وفيتامين ج.
المواظبة على تناول أغذية غنية بالحديد، خصوصًا عند فئات معينة، مثل: الأطفال والنساء الحوامل والنباتيين.
وإجراء فحوصات دم عامّة مرّة خلال عدّة سنوات للاطمئنان ولتجنّب حصول فقر الدّم و دمتم بصحة وأمان.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة