سلام الفاضل:
إننا نعيش في أسرع حقبة متحركة من التاريخ البشري؛ فالعالم من حولنا تحرّكه قوى تجعل حيواتنا حساسة بشكل متزايد للتغيرات الصغيرة والاستجابات المفاجئة.
في عالم الاستكشاف العلمي ليس الاعتراف بتأثير التغيير جديداً إلى هذا الحد. ففي نهاية القرن التاسع عشر، أُدرِك أنه في وقت من الأوقات لم تكن الأرض ومنظومتنا الشمسية قد وجدتا؛ وأن النوع البشري لابد أنه قد تغير في المظهر والقدرة العقلية المتوسطة على مدى فترات هائلة من الزمن؛ وأن الكون بطريقة عامة وواسعة سيأخذ في الانهيار فيصبح مكاناً أقل قابلية للسكنى وأقل ترتيباً.
أما في القرن العشرين فقد اكتشفنا أن الكون برمته من النجوم والمجرات هو في حالة تغير ديناميكي، وأن شمسنا ستموت في نهاية المطاف، وستتحول مجرتنا “درب التبان” إلى ثقب أسود عميق في مركزها، وأن الحياة الشبيهة بحياتنا الخاصة ستنتهي، وسيكون الناجون مجبرين على تسمية وجودهم المستمر “عيشاً” بمقاييسنا الخاصة اليوم.
جوانب غامضة من نسيج الكون
لكن ثمة معنى ما يكون فيه كل هذا التغير، وعدم إمكان التنبؤ به، وهماً. فعلى الرغم من التبدل والديناميك المتواصلين للعالم المرئي، توجد جوانب من نسيج الكون هي غامضة في ثباتها الذي لا يهتز، وهذه الأشياء غير المتغيرة الغامضة هي التي تجعل كوننا ما هو عليه، وتميزه عن العوالم الأخرى التي يمكن أن نتخيلها. ففي الواقع، قد يكون هناك ارتباط بين هذه الطبقة السفلية من الوقائع غير المتغيرة، وبين وجود تيارات سطحية من التغيير، أو أي تعقيدات للعقل والمادة على الإطلاق.
هذه المكونات الأساسية للكون ليست هي موضوع الكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ضمن “المشروع الوطني للترجمة” تحت عنوان (ثوابت الطبيعة… من ألفا إلى أوميغا) وهو من تأليف: جون د. بارو، وترجمة: عدنان حسن؛ إذ إن وجود هذه المكونات هو أحد آخر ألغاز العلم التي تحدّت سلسلة من الفيزيائيين العظام بأن يتوصلوا إلى تفسير للسبب في كونها كما هي. بل إن البحث الذي تتمحور هذه الدراسة حوله هو اكتشاف ماهية هذه المكونات التي أُطلق عليها اسم (ثوابت الطبيعة)، وهي ترمز في ذاتها إلى أعمق أسرار الكون، وتُعبر في وقت واحد عن أعظم معرفتنا، وأعظم جهلنا به.
وعن هذا يقول مؤلف الكتاب في مقدمته: “شكّلت في الآونة الأخيرة قصة كبيرة حول ثوابت الطبيعة بؤرة لاهتمام وسائل الإعلام والبحث العلمي المفصل. إنها تثير السؤال الأكثر أساسية على الإطلاق: هل ثوابت الطبيعة هي ثابتة فعلاً بعد كل شيء؟ الجواب، غير المتوقع والصادم، يطرح إمكانات جديدة للكون والقوانين التي تحكمه. هذا الكتاب سيحكي لكم عنها”.
ماهية ثوابت الطبيعة
يقع هذا الكتاب في ثلاثة عشر فصلاً، ينسحب كل منها على عدد من الأبواب التي تدور في فلك جملة من الأسئلة، منها: ما الوضع النهائي لثوابت الطبيعة؟ وهل هي نفسها في كل مكان؟ وهل هي متصلة؟ وهل كان من الممكن أن تنشأ الحياة وتستمر لو كانت هذه الثوابث مختلفة اختلافاً بسيطاً؟.
يعود المؤلف من خلال فصول كتابه هذا إلى الوراء، باحثاً في اكتشافات الثوابت الأولى للطبيعة، والتأثير الذي خلفته عند العلماء واللاهوتيين عن العقل والغرض والتصميم فيها. كما يتساءل إن كانت هذه الثوابت ثابتة فعلاً، ويبين ما الذي تعتقده الأبحاث التي توصل إليها العلم مؤخراً عن ماهيتها، وما إن كان ثمة نظرية مستقبلية لكل شيء، يمكن أن تكشف ذات يوم السر الحقيقي الكامن وراء هذه الثوابت.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة