هفاف ميهوب:
في زمنٍ يتفاقم فيه قلق الإنسان من كلِّ ما يحيط به، ويجعله يترقب المجهول بخوفٍ لا يدري إلى أين يقود حياته ومصيره.. في هكذا زمن، لابد أن يبحث عن سبلِ خلاصه من هذا القلق وانعكاساته، وحتماً لن يجد هذه السبل ، إلا إذا امتلك وعياً يرشده إلى استقراء الواقع والوقائع ، بطريقةٍ لن تكون نافعة إن لم تبدأ من قراءته لذاته.
إنها محاولة لتحدي كلّ صعوبات الحياة ، وللخلاص مما فيها من ضجر قد لا ينتهي لطالما تتوالى المعوقات والمعاناة.
حتماً هو حالنا ، فهل نستسلم وننقاد إلى الضوضاء التي تقود بدورها إلى اللاجدوى التي تلوكنا ، أم نرفض عجزنا ونسعى إلى الحكمة في قراءة ما فينا ويُنقذنا ؟
أسئلة وإن كانت لا تجدي في الوقت الذي يشعر فيه الإنسان بتمزقٍ أفقده معناه وأحاسيسه واستقراره وأمانه وسعادته ، إلا إنها قد تجدي إن فكر ولو قليلاً ، بأنه طاقة موجودة ومتكاملة ، وستكتمل أكثر بسطوع معرفته.
نعم معرفته ، أو بالأحرى فلسفته.. فلسفة الحياة وما فيها من قضايا سياسية، اجتماعية، فكرية، اقتصادية.. القضايا التي لابد له من امتلاك الوعي لانتزاع مافيها من أشواكٍ توجعه ، وتصيبه بالعديد من الأزمات والانتكاسات النفسية والعقلية.
هي دعوة ، كان المفكر والباحث “ندره اليازجي” قد وجهها عبر محاضرة ألقاها في اتحاد الكتاب العرب بـ “دمشق” في أوائل الثمانينات.
المحاضرة التي كان عنونها “فلسفة القلق” ومضمونها قراءة عميقة وحكيمة، وتقول بأن الإنسان عندما يلج المجتمع والحياة:
“عندما يلج الإنسان باب المجتمع والحياة ، ليدخل إلى الحقل أو المضمار الذي يطرح فيه أناه ، يعمل جاهداً لتحقيق متطلبات هذه الأنا. عندئذ تسعى الأنا إلى الطمأنينة والأمان، وتجد سلامتها وضمانتها فيما تحتاجه من كل المتطلبات الاجتماعية والنفسية والعقلية.
ماإن تبلغ الأنا أهدافها ، حتى تعود إلى الارتكاس. إلى اللاطمأنينة واللاسلامة واللاضمانة التي هي مظاهر القلق والانقسام والتوتر والتعاسة…
هكذا ينتقل الإنسان ، من الإحساس بالسلامة ، إلى الإحباط وخيبة الأمل والقلق ، فيدرك أن ما سعى إليه لم يكن إلا سراب تراءى لها على هيئة خلاص..”.
هنا، لابد أن يتدفق شعور الإنسان بالعدم من ثم الألم، وسيتساءل: لِم أنا موجود؟.. هل من قيمة لوجودي؟.. يسأل فتكون النتيجة ، وحسب فلسفة “اليازجي” إيجابية عاقلة وإنسانية ، أو سلبية وظالمة ومتمردة وأنانية.
“إن الوجودي لا يعرف ذاته. ومن لا يعرف ذاته ، يتألم سلبياً. أما من يعرف ذاته فإنه يتألم إيجابياً ، وذلك عندما يدرك واقع الإنسانية المعذَّبة التي لا تدرك ذاتها”.
بكل الأحوال، يلعب المجتمع والحياة بكل قضاياها ، دوراً كبيراً في قلق الإنسان وإحساسه بالعدم، وهنا وإن أردنا فهم الوضع النفسي له، علينا أن نقرأ أنفسنا، كما قرأها هذا الحكيم في “فلسفة الألم”:
“لقد شدد الحكماء على التجرد، وأشاروا إلى تجاوز الإنسان لكل شيء في عالم الأنا. علمونا أن نزهد في كل شيء كي لا نتعلق بشيء، وكي لا يزداد حزننا أو ألمنا. ولما كان الإنسان يتعلق بأمور الدنيا فإن الحرمان منها يشير إلى الألم السلبي.
إننا نتعلق بأبنائنا وأخوتنا وأقاربنا وغيرهم، ونتعلق بالسلع وبالمجد، ونرغب بالشهرة والمال والعظمة الفارغة. ننحرف إلى الماديات ونبني آمالنا عليها ، لذلك ، فإن ألم الإنسان ينشأ ، بل يستمر ، من فقدان الأشياء أو عدم تحقيقها
سيرياهوم نيوز 5 – الثورة 23/9/2020