عبد اللطيف شعبان
لا جدال في حدوث الكثير من المآسي المؤلمة التي شهدها بلدنا الحبيب سورية خلال السنوات الماضية، و ليس من السهولة تناسي أو تجاهل إزهاق أرواح مئات الآلاف وتهجير الملايين وهدم الكثير من مباني الحجر وتعطيل زراعة مئات آلاف الحقول الزراعية، ما نقل حال البلاد إلى ما أضر الكثير من العباد ولا مندوحة من شرعية المطالبة بالتحقيق والتدقيق في وقائعه ومحاسبة كل على إجرامه في ضوء ما يثبت حدوثه فعلا، أيا كان نوع الجريمة وحيثيات مرتكبها من أي طرف كان، بعيدا عن تبرئة المجرمين وتجريم الأبرياء، فالنص القرآني يقول ” ولا تزر وازرة وزر أخرى ”
غير إن استمرارية التذكير بارتكابات الماضي البائد المجمَع على ويلاته مؤلمة ومريرة جدا، وأيضا مؤلمة ومريرة تلك الارتكابات الجديدة المماثلة في أكثر من مكان، تحت عنوان أسوة بما مضى أو ثأر أو غير ذلك، ما يستوجب ألا يغيب عن بال الجميع أن لا شرعية ولا حكمة لأن تكون جرائم الماضي المستنكرة البعيدة كلية عن أية أخلاقيات، تشكل مدخلا وتبريرا لجواز تشريع الإقرار بارتكاب مثيلها مجددا عملا بالقول المأثور ” لا تنهي عن خلق وتأتي مثله “،
والأكثر ألما ومرارة يتمثل بالتجييش الكبير للارتكابات الجديدة، أكان من فاعليها الذين يفاخرون بها رغم سوئها وجرميتها، أومن المتضررين منها الذين يضخمونها ويكررون الحديث عنها، ما يتطلب من أولي الأمر أن يمارسوا دور الحكم ويعملوا لاستدراك خطورة ذلك والحد منه بجانبيه، نظرا لا نعكاساته السلبية الوطنية العامة التي تتجاوز انعكاساته الفردية والمحلية، والانتباه والحذر من خصوم الوطن العاملين على المزيد من هذا التجييش بغية الفتنة المتعمدة التي تشحن النفوس بمزيد من الحقد والكراهية وتدفع حال البلاد باتجاه المزيد من الدمار الجديد.
ان مصلحة الوطن ومواطنيه تستوجب الحضور السريع والفاعل للدولة متمثلة بجميع المؤسسات الرسمية، مقرونا بالتأسيس الجاد والسريع لتعاون شعبي مشاركة معها، ممثلا بشرائح متعددة من الوطنيين المتنورين من جميع الأطياف وفي جميع المناطق، لنشر ثقافة إعادة الإعمار المترافقة بالحد من الدمار، وليدرك الجميع أن سوء أهل الماضي انقلب عليهم وأطاح بهم إلى غير رجعة، ما يوجب أن يتعظ أهل الحاضر من عواقب ارتكاب أي سوء مماثل، والعمل الجاد باتجاه تحقيق المزيد من الأمن والعدل والرخاء لضمان المزيد من البقاء، وليكن شعار الجميع ” فلننسى الماضي بمآسيه شريطة الاستفادة من عبره، ولنعمل للمستقبل القادم بأمانيه بدءا من حاضره، انسجاما مع الكثير من التطمينات التي وردت على لسان العديد من المسؤولين وفي العديد من البيانات الرسمية، وجديدها كلمة الرئيس الشرع عند ترؤسه للحكومة الجديدة، وخاصة تأكيده على أهمية ملف إعادة الإعمار، بالاقتران مع مبدأ السلم الأهلي كناظم رئيس لعمل الحكومة خلال المرحلة القادمة، وما يرتبط به من مسائل كالخطاب الإعلامي الذي يجب أن يكون وطنياً جامعاً يعزز الوحدة الوطنية، ويعلو فوق كل انقسامات، فسوريا لكل مواطنيها. ووزير العدل الذي دعاً القضاة إلى ممارسة دورهم في ضمان تحقيق السلم الأهلي، عبر ترسيخ قيم العدالة والمساواة، وتجريم خطاب الكراهية الذي ينعكس سلباً على نسيج المجتمع السوري.
وحسب نواياكم ترزقون
*الكاتب:عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية– عضو مشارك في اتحاد الصحفيين
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)