نشرت مجلة “فورين أفّيرز” مقالا ينتقد استخدام الولايات المتحدة القوة العسكرية في تدخلاتها في الصراعات الخارجية، ويقول إن إدمانها على ذلك توجه مؤسف، وقد يكبح صُعودُ الصين في المعتركِ الدولي جِماحَه.
وأشار المقال إلى أن الولايات المتحدة بدت مرتاحة وهي تستخدم مستويات أعلى من القوة في الخارج، رغم أن الحال لم تكن كذلك في الحقب الباكرة لقيام الدولة، عندما لم تكن تتورط بشكل كبير في النزاعات الخارجية، واقتصر انخراطها في العديد من الصراعات على الدفاع عن حدودها والتوسع غربا.
وقد كان دخول الولايات المتحدة في الحربين العالميتين الأولى والثانية إيذانا باضطلاعها بدور في قيادة العالم، وضلوعها بشكل أكبر في الشؤون الدولية، وفقا للمقال الذي كتبته مونيكا دافي توفت، أستاذة السياسة الدولية ومديرة مركز الدراسات الإستراتيجية في “كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية” (the Fletcher School of Law and Diplomacy)، بالاشتراك مع سيديتا كوشي، الأستاذة المساعدة للعلوم السياسية في جامعة “بريدجووتر ستيت” (Bridgewater State University).
وبعد الحرب الباردة -لا سيما في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001- انخفضت بشكل كبير نسبة النزاعات المسلحة التي شاركت فيها الولايات المتحدة وأشعل فتيلها أعداؤها.
ووجدت الولايات المتحدة نفسها الآن في عصر لم يعد فيه خصومها يستفزونها عسكريا بشكل متكرر كما كان في السابق، ومع ذلك تتدخل مستخدمة القوة العسكرية أكثر من أي وقت مضى.
ويعد ذلك -برأي كاتبتي المقال- توجها “مؤسفا”، والدليل على ذلك تدخلاتها العسكرية “الكارثية” في أفغانستان والعراق وليبيا. كما أن اللجوء المتكرر والمفرط إلى حد استخدام القوة يقوض شرعية الولايات المتحدة في العالم.
ومع تقلص دور بعثاتها الدبلوماسية ونفوذها في الخارج، يزداد الوجود العسكري الأميركي وحده. وتُظهر استطلاعات الرأي العالمية أن أكثر من نصف سكان العالم ينظرون الآن إلى الولايات المتحدة على أنها تشكل “تهديدا” لهم.
وربما يطرأ تغيير في المستقبل القريب بتحول الصين إلى قوة أكثر تأثيرا وفعالية، مع امتناع الولايات المتحدة -على الأرجح- عن التورط في تدخلات خارجية، نظرا لأنها قد تنتهي إلى مواجهة مع قوة عظمى أخرى. وقد يدفع ذلك، في نهاية المطاف، صنّاع السياسة الأميركية إلى تبني مبادرات دبلوماسية واقتصادية يمكن أن تعزز القوة الناعمة لواشنطن ومصداقيتها العالمية.
ولوضع استخدام القوة الأميركية في السياق الصحيح، من المفيد النظر في الظروف التي من شأنها أن تضفي عليه الشرعية، حسبما تقول الكاتبتان.
ففي القانون الدولي المعاصر، لا بد أن يستوفي اللجوء “المشروع” للقوة 3 شروط أساسية، أولها أنه لا يمكن استخدام القوة إلا للدفاع عن النفس أو للدفاع عن طرف “بريء”، والثاني، يجب ألا يكون الرد بالمثل كلما أمكن ذلك. والشرط الثالث، أن يكون العنف متناسبا مع الشروع في العنف أو ارتكابه.
ويلفت المقال إلى أن استطلاعا للرأي -أجراه “مركز بيو للأبحاث” (Pew Research Center) بين عامي 2013 و2018- أظهر أن مكانة الولايات المتحدة قد تراجعت بشكل حاد: ففي عام 2013، رأى 25% من غير الأميركيين أن قوة الولايات المتحدة ونفوذها يشكلان تهديدا كبيرا. وبعد 5 سنوات، ارتفع هذه النسبة إلى 45%.
وعزت الأكاديميتان في مقالهما هذا التحول -في معظمه- إلى تولي دونالد ترامب عام 2016 رئاسة الولايات المتحدة خلفا لباراك أوباما. ومن المؤكد أن تجاهل ترامب للأعراف والالتزامات الدولية تجاه حلفاء الولايات المتحدة، وإلغاءه للاتفاق النووي الإيراني، وانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، ونوبات غضبه العدائية ضد دول أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي، كلها عوامل شجعت تلك التصورات السلبية عن بلاده.
لكن هذه ليست القصة كلها، فهناك عدة عوامل تساعد في تفسير الأسباب التي تجعل أميركا أكثر ميلا للتدخلات العسكرية، ولماذا تغيرت التصورات العالمية للقوة الأميركية نتيجة لذلك.
ووفقا للمقال، فإن السبب الأول في ذلك، الذي يمكن تسميته “تأثير 11/9″، هو الجنوح إلى تجريد الخصوم من إنسانيتهم. فقد أقنع لجوء “الجهاديين” لشن هجمات “انتحارية” على المدنيين كثيرا من الأميركيين -بمن فيهم عديد من صناع السياسة- بأن الولايات المتحدة تواجه عدوا “همجيا غير إنساني”.
ولعل هذه العادة المتمثلة في اعتبار الخصوم مختلفين اختلافا جوهريا عن غيرهم من البشر أو غير عقلانيين تساعد في تفسير تراجع واشنطن في استخدام أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية لصالح سياسة خارجية تعتمد على القوة أولا، حسب تعبير المقال.
قد يكون التفسير الآخر هو “القصور الذاتي لعالم القطب الواحد”، كما يصفه المقال. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو عام 1991، هلّل المعلقون والمحللون لبزوغ فجر هيمنة أميركية لا نظير لها.
ومن وجهة نظر الأكاديميتين الأميركيتين، هذا التوصيف معيب “لأن الأحادية القطبية الحقة تنطوي على قدرة دولة واحدة على هزيمة مجموعة من الدول الأخرى في النظام من دون مساعدة. ولم تكن للولايات المتحدة هذه القوة، ومن ثم، فإن التوزيع المباشر للقوة بعد الحرب الباردة يوصف بدقة أكبر بأنه متعدد الأقطاب”.
وترى الكاتبتان أن على الولايات المتحدة توخي الحذر من تنامي قوة الصين عسكريا واقتصاديا، وتمدد حضورها على الساحة الدولية. وتشيران إلى أن ذلك ربما يبشر بعودة واشنطن إلى تبني التقاليد الأميركية المتمثلة في الحوكمة الدبلوماسية والاقتصادية باعتبارهما ملاذين أخيرين، والقوة المسلحة بوصفها خيارا أخيرا.
إن أفضل طريقة يمكن للولايات المتحدة من خلالها الاستفادة من افتقار الصين باطراد للشرعية، تكمن في إقامة تحالفات قوية في المنطقة. ثم إن وجود صين قوية من شأنه أن يُحَجِّم المخاطر التي قد تتعرض لها أميركا على الساحة الدولية، وتفادي التدمير الذاتي.
وتنصح الكاتبتان -في الختام- واشنطن بأن تعيد النظر في استخدام القوة في الخارج، ومعاودة التركيز على الدبلوماسية في السنوات المقبلة.
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم