محمد خواجوئي
وصل وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، إلى طهران، أمس، على وقع تقاطُع مجموعة واسعة من الملفّات بين البلدين، بدءاً من العلاقات الاقتصادية الثنائية، وليس انتهاءً بالقضايا الإقليمية، ولا سيما الأوضاع في جنوب القوقاز وكلّ من سوريا والعراق، والتي تدفع طهران وأنقرة إلى محاولة إعادة تعريف حدود التعاون بينهما، وإدارة التناقضات ومجالات التنافس. وتُعدّ زيارة فيدان للعاصمة الإيرانية، الأولى له منذ تولّي حكومة مسعود بزشكيان السلطة، قبل 16 شهراً. وعقد الزائر اجتماعاً مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، كما التقى على نحوٍ منفصل كلّاً من الرئيس بزشكيان، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني.
وجاءت زيارة المسؤول التركي لإيران، في وقت تخضع فيه التجارة بين البلدين لضغط مزدوج: الأول، مجموعة القيود المالية والمصرفية الناتجة من العقوبات الغربية على الجمهورية الإسلامية؛ والثاني، الركود التضخّمي العميق في الاقتصاد التركي، والذي زاد من حاجة حكومة رجب طيب إردوغان إلى استقرار مساراتها التجارية وأسواق الطاقة أكثر من أيّ وقت مضى. وعلى الرغم من أن الهدف المُعلن لرفع حجم التبادل بين البلدين إلى 30 مليار دولار لا يزال بعيد المنال، يشير أحدث البيانات التجارية إلى أن حجم المبادلات بلغ نحو 6.5 مليارات دولار حتى تشرين الأول الماضي. إلّا أن عاملَين جديدَين عزّزا دافع أنقرة وطهران إلى إحياء المسارات الاقتصادية: الأول، حاجة تركيا إلى ضمان تدفّق الغاز الإيراني خلال شتاء 2024 – 2025 لتجنّب أيّ ضغط إضافي على شبكة الكهرباء؛ والثاني، سعي إيران إلى ممرّات أكثر أمناً في ظلّ تزايد عدم الاستقرار في طرق القوقاز.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي، أعلن عراقجي أن الجانبَين شدّدا على ضرورة إزالة العقبات التي تعترض مسار التجارة والاستثمار بين البلدين، مشيراً إلى أن «إيران من أكثر المورّدين موثوقية للطاقة بالنسبة إلى تركيا، وقد أعلَنّا استعدادنا لتمديد عقد الغاز وتطوير التعاون في مجال الكهرباء». من جهته، قال فيدان، إن التعاون في مجال الطاقة كان أحد محاور مباحثاته مع عراقجي، كاشفاً عن قرب زيارة الرئيس التركي لطهران، وانعقاد الدورة التاسعة من اجتماع المجلس الأعلى للتعاون بين إيران وتركيا. وأكّد فيدان أن بلاده «تقف إلى جانب إيران في المفاوضات النووية، ونأمل رفع العقوبات غير العادلة المفروضة عليها».
يُمثّل تصاعد الأعمال العدوانية والنزعة الحربية الإسرائيلية في المنطقة، مصدر قلق مشترك لكلّ من إيران وتركيا
وإلى جانب التعاون الاقتصادي الثنائي، تدفع جملة من الملفّات الإقليمية، طهران وأنقرة إلى تكثيف الحوار ومحاولة بناء أسس مشتركة؛ وفي مقدّمة تلك الملفات يأتي الوضع في جنوب القوقاز، حيث انتقلت المنافسة الإيرانية – التركية حول المسارات الترانزيتية والخلافات في شأن «ممرّ زينغزور» ومستقبل الحدود الآذربيجانية – الأرمينية ودور روسيا، إلى مرحلة جديدة عقب حرب عام 2023، وتغيّر موازين القوى في الإقليم. وتُبدي إيران حساسية خاصة حيال أيّ تغيير جيوسياسي يمسّ حدودها الشمالية، فيما تعمل تركيا على تنشيط ممرّات قد تُضعِف الدور الإيراني في تجارة الشرق – الغرب. وفي ظل هذا الواقع، تسعى أنقرة إلى تحديد عتبات تفاهم مع طهران تحول دون تفجّر الأوضاع، وتمنع أيّ احتكاك جيوسياسي مباشر. أمّا إيران، ومع التطوّرات الأخيرة في أرمينيا، وإمكان إعادة صياغة الدور الروسي في القوقاز بعد حرب أوكرانيا، فترى ضرورة استيضاح نوع التوازن الجديد الذي تريده تركيا، وآليات تثبيت خطوط عدم الاشتباك. وخلال المؤتمر الصحافي المشترك، أوضح عراقجي أنّ «موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية يقوم على صون الاستقرار والأمن في منطقة القوقاز عبر التعاون بين دول المنطقة والابتعاد عن أيّ تدخلات خارج الإقليم».
أما بالنسبة إلى الساحة السورية التي تُعدّ أحد أبرز ملفّات الخلاف بين إيران وتركيا، فهي ظلّت منذ عهد النظام السابق وصولاً إلى ما بعد سقوطه، محوراً لحالة تنافس مستمرّ بين البلدين، وإنْ حرصا، في الوقت نفسه، على ابتكار آليات لإدارة الاختلافات بينهما في هذا الخصوص. ومع اقتراب مرور عام على سقوط النظام، وفي ظلّ أحاديث دبلوماسية عن تبادل رسائل بين طهران ودمشق لإحياء العلاقات الثنائية، يبدو أنّ لتركيا، التي تربطها علاقات وثيقة بالسلطات السورية الحالية، دوراً مهمّاً في تقريب المسافات بين الأخيرة وإيران. وفي هذا الإطار، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا) أنّ «قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران وسوريا، ومصير العلويين والشيعة في هذا البلد، وكذلك مسألة اعتداءات الكيان الصهيوني الهادفة إلى تفكيك سوريا، كانت من بين القضايا التي جرت مناقشتها خلال الأشهر الماضية في اللقاءات الدبلوماسية وعلى مختلف المستويات بين إيران وتركيا».
كذلك، تحوّل العراق إلى أهمّ ساحة مشتركة تجمع بين التعاون والمنافسة المضبوطة بين إيران وتركيا؛ علماً أن هذه الساحة تزايدت أهمّيتها بشكل لافت خلال الأشهر الماضية. فمن جهة، تواصل أنقرة، على رغم إعلان «حزب العمال الكردستاني» حلّ نفسه ونزع سلاحه، عملياتها الجوية والبرية المحدودة في شمال العراق، إذ ترى أنّ البنية التنظيمية واللوجستية للحزب لم تُستأصل بعد، وأنّها لا تزال تشكّل تهديداً محتملاً، فيما تعمل طهران، من جهتها، على تعزيز الحكومة المركزية في بغداد والحفاظ على استقرار إقليم كردستان وتثبيت خطوطها الحُمر الأمنية في غرب البلاد، ولا سيما بعد تزايد الهجمات الإسرائيلية في سوريا والخشية من تمدّد التوتّر نحو الحدود العراقية. وإذ جعل هذا التداخل في الملفّات الأمنية، العراق محوراً رئيسياً في المحادثات الأخيرة، فقد أكّد عراقجي أنّ «إيران، مع دعمها مسار نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وتحقيق تركيا خالية من الإرهاب، تشدّد على ضرورة تفكيك جميع الجماعات الإرهابية من أجل الوصول إلى منطقة خالية من الإرهاب».
من جانب آخر، يُمثّل تصاعد الأعمال العدوانية والنزعة الحربية الإسرائيلية في المنطقة، مصدر قلق مشترك لكلّ من إيران وتركيا. وفي هذا الإطار، قال عراقجي: «هناك قواسم مشتركة واسعة بين الجانبَين في المنطقة، ومن الطبيعي أن تكون هناك أيضاً مخاوف مشتركة. وكانت قضيّة فلسطين وضرورة التعاون لوقف المجازر بحقّ أبناء غزة المظلومين من أبرز محاور مباحثاتنا اليوم. إنّ الانتهاكات المتكرّرة لوقف إطلاق النار في غزة، والاعتداءات الأخيرة للكيان الصهيوني على لبنان وسوريا، تشير إلى أنّ هذا الكيان يلاحق مخطّطات أكبر لزعزعة استقرار المنطقة». ومن جانبه، أكّد فيدان «(أننا) نريد لوقف إطلاق النار في غزة أن يستمرّ، وأن تتوقّف الهجمات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. أمّا في ما يخصّ سوريا وتجاوزات إسرائيل، فعلى المجتمع الدولي أن يقوم بواجباته. ولأمن المنطقة، يجب وقف السياسات التوسّعية الإسرائيلية في لبنان وسوريا والضفة الغربية وغزة عبر جهود دولية فاعلة».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
