علي المسعود
ظاهرة تجارة الأطفال من أخطر الظواهر التي انتشرت بشكل مخيف على المستوى العالمي في السنوات الأخيرة، وخاصة مع انتشار الفقر والجوع والكوارث الطبيعية . تعد جريمة الاتجار بالبشر عامة وبالأطفال خاصة من أكثر الجرائم خطورة وهي تمثل ثالث تجارة مربحة بعد تجارة المخدرات والسلاح. وحاولت الكثير من الاتفاقيات والمواثيق الدولية بالتصدي لهذه الجريمة من خلال مكافحتها ومساعدة الضحايا وإعادة إدماجهم في المجتمع. يُعرف الاتجار بالأطفال- حسب بروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة- بأنه: تجنيد الطفل أو نقله أو إيواؤه أو استقباله بغرض الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق . ويعرفه بروتوكول اتفاقية حقوق الطفل الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بأنه “أي فعل أو تعامل يتم بمقتضاه نقل طفل من جانب أي شخص أو مجموعة من الأشخاص إلى شخص آخر مقابل مكافأة أو شكل من أشكال العوض” . تؤكد اليونيسيف أنه لا يوجد بلد في العالم خال من الاتجار بالأطفال، وأن 2.2 مليونين طفل يباعون سنويا. وتجني منظمات المتاجرة بالأطفال ما يقدر بـ9.5 مليارات دولار في السنة حسب اليونيسيف. وتعتبر الدول الأفريقية من أهم المصادر التي تتجه نحوها أنظار تجار الأطفال . وتقف بعض العصابات وراء الاتجار بالأطفال بهدف بيع أعضائهم لمختبرات تستعملها “قطع غيار بشرية”. وكثيرا ما استغلت منظمات الاتجار بالأطفال التبني حيلة من أجل بيع الأطفال للأثرياء في دول أوروبا .
أنتج عدد هائل من الأفلام والبرامج التلفزيونية التي تناولت تجارة المخدرات . على النقيض من ذلك ، فإن موضوع التجارة بالأطفال ولإغراض جنسية ليس متناولاّ بشكل كبير، رغم ان الكابوس الذي يعيشه الأطفال الأسرى الذي لا يوصف ولا يمكن تصوره . فيلم ( صوت الحرية ) يدق ناقوس الخطر عن خظورة الشبكات الاجرامية الدولية لتجارة البشر وبالتحديد الاطفال الأسرع نمواّ . الفيلم من أخراج “أليخاندرو مونتيفيردي ” و مستوحى من القصة الحقيقية لتيموثي بالارد (عميل وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الذي عمل بلا كلل لسنوات لتفكيك شبكات الاتجار بالأطفال) ، بالارد (جيم كافيزيل) الذي يخاطر بكل شيء لإنقاذ الأطفال المختطفين من عصابة كولومبية للاتجار بالجنس . إفتتاحية الفيلم من الهندوراس في المنزل المتواضع لعائلة أغيلار ، المكان الذي يعيش فيه أب أعزب يدعى روبرتو أغيلار (يلعبه خوسيه زونيغا) مع طفليه: ابنته روسيو أغيلار (التي يلعبها كريستال أباريسيو) تبلغ من العمر حوالي 11 عاما، بينما يبلغ عمر الابن ميغيل أغيلار (الذي يلعبه لوكاس أفيلا) 8 سنوات . يبدأ الفيلم بفتح روسيو الباب أمام إمرأة تقدم نفسها على أنها عارضة أزياء تدعى جيزيل (التي تلعبها يسيكا بوروتو بيريمان) وكشافة للمواهب . محادثتها مع العائلة تشير إلى أنها اقتربت من العائلة ، عندما رأت روسيو تغني في السوق . وصلت جيزيل إلى المنزل لتأخذ الأطفال إلى المكان الذي تقول جيزيل إن الاختبارات تجري فيه لمسابقة عرض الأزياء التي يمكن أن تجعل الطفلة روسيو مشهورة. تشجع جيزيل ميغيل على الذهاب إلى الاختبارات أيضا . الاب روبرتو رجل بسيط ولم يلاحظ بعض علامات التحذير عند وصوله إلى “مكان الاختبار” فندق مظلم وقذر . وعندما يصلون إلى مكان”الاختبارات” تخبره جيزيل روبرتو أنه لا يستطيع الدخول إلى غرفة الاختبارات لأنه “لا يسمح للوالدين”. وعليه العودة مساءأ لأستلام الأبناء . روبرتو يلتزم عن طيب خاطر ويترك روسيو وميغيل مع جيزيل. إنه خطأ كبير يؤدي إلى كابوس مفجع للعائلة . تمرر جيزيل تمثيلية الأختبار وتقوم بالحركات مع 10 إلى 15 طفلا مجتمعين في الغرفة. جميع الأطفال تقل أعمارهم عن 16 عاما. يتم تصوير الأطفال في العديد من ألاوضاع . لم يمض وقت طويل بعد جلسات التصوير هذه حتى تبدأ رحلة الرعب لهؤلاء الأطفال الأبرياء.
يتم اختطافهم وإلقاؤهم في شاحنة صغيرة ونقلهم إلى مستودع بعيد ، حيث يختار أحد المتحرشين بالأطفال ( البيدوفيليا) الطفلة روسيو للشراء من أجل الاستعباد الجنسي . تحارب روسيو ضد ترك أخيها ميغيل وراءها ، لكن في النهاية تجبر على الافتراق عن أخيها الصغير. لاحقاّ سيعاني ميغيل قريبا من نفس مصير بيعه في سوق الاستعباد الجنسي . وفي الوقت نفسه، نتعرف على العميل الخاص لوزارة الأمن الداخلي يدعى تيموثي “تيم” بالارد (الذي يلعبه جيم كافيزيل) ويعمل في وحدة الاتجار بالجنس . وظيفته هي القبض على الرجال الشاذين الراغبين باللاطفال والمتورطين في الاتجار الجنسي بالأطفال ويغوص في قضية تتعلق باختطاف الأشقاء روسيو (كريستال أباريسيو) وميغيل (لوكاس أفيلا) من قبل المتاجرين بالأطفال الذين يتظاهرون بأنهم مكتشفوا المواهب . يقنع رئيسه (كورت فولر) بإرساله في عملية في كولومبيا، حيث ينوي إنشاء فندق مزيف يجذب المتحرشين بالأطفال من الأثرياء. يتعاون بالارد مع المغترب الأمريكي “باتمان” (بيل كامب) ، ويسافر إلى كولومبيا حيث يجند العديد من الحلفاء لإنشاء عملية سرية بهدف إنقاذ عشرات الأطفال . يعتبر تيم نفسه رجلا مسيحيأ متدين وسوف لن يتوقف عند أي شيء لتقديم هؤلاء المجرمين المنحرفين إلى العدالة. بعد القبض على الرجل المنحرف أوشينسكي (الذي يلعبه كريس أفيديسيان) ، يتظاهر تيم بأنه شاذ جنسيا كي يقترب تيم من أوشينسكي في السجن ويوهمه أن لديهم نفس اهتمامات الاستغلال الجنسي للأطفال وأنه يمكنه مساعدته في الحصول على عقوبة أكثر تساهلا . في البداية ، يشك المتحرش ( أوشينسكي ) بالعميل تيم ، لكن تيم ينجح في كسب ثقة أوشينسكي من أجل الكشف عن معلومات حول شبكة الاستغلال الجنسي للأطفال السرية التي كان أوشينسكي جزءا منها والتي لا تزال تعمل . تنجح الخطة مع المزيد من المعلومات عن الشبكة الخاصة بتهريب الأطفال وسرقتهم من ذويهم واستغلالهم جنسياّ، لم يمض وقت طويل قبل أن يكتشف العميل تيم عن الأشقاء المختطفين والمنفصلين ميغيل وروسيو. يعثر تيم على الطفل ميغيل أولا ، بعد أن تم ضبط متحرشي الأطفال الأمريكي عند محاولته أخذ ميغيل عبر الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك والتظاهر بأن الطفل ميغيل إبن أخيه. أثناء استعباده الجنسي ، تم تغيير اسم ميغيل إلى تيدي بير وأمره بإخبار الناس باسمه المستعار إذا سأل الناس ميغيل عن اسمه بعد تهديده بقتل شقيقته . عندما يرى ميغيل العميل تيم يمكن الوثوق به لانه رجل القانون ويخبر تيم باسمه الحقيقي . تأثر تيم بشدة بميغيل وأخذه إلى العشاء ، حيث يروي ميغيل بقية قصته عن الاختطاف وكيف يحاول العثور على أخته روسيو . يبدأ ميغيل في الانفتاح على تيم لأن ميغيل لديه قلادة صغيرة أعطتها روسيو لشقيقها ميغيل قبل انفصالهما. على قلادة القلادة ، هناك إشارة كتابية وعبارة “رجل الله” منقوشة عليها ويراها الطفل ميغيل أنها علامة كي تثق أخته به ، لذلك يعطي هذه القلادة لتيم ويطلب منه إعطائها لروسيو إذا وجدها . وفقا لموقع عملية السكك الحديدية تحت الأرض ، وهي مجموعة مناصرة غير ربحية أسسها تيم بالارد الحقيقي فإن هذه القلادة أعطيت له حقا من قبل طفل أنقذه من الاتجار بالجنس. سرعان ما يجتمع ميغيل مع والده روبرتو الذي يشعر بالامتنان لأنه تم العثور على ميغيل ولكنه مصدوم بسبب ما عاشه أطفاله ومحموم بشأن استمرار فقدان روسيو . يجري والد ميغيل وتيم محادثة قصيرة من القلب إلى القلب حول كونهما آباء (تيم هو أب لحوالي ستة أو سبعة أطفال). في تلك المرحلة ، يتعهد تيم بالمساعدة في العثور على أخته روسيو واعتقال الأشخاص المتورطين في استعبادها الجنسي ولم شملها مع عائلتها . تستكمل بقية حكاية فيلم “صوت الحرية” عندما يكتشف العميل تيم أن روسيو محتجز في كولومبيا . في البداية ، حصل على الضوء الأخضر على مضض من المشرف جون براينت (الذي يلعبه كورت فولر) ، الذي يؤكد تيم بأن التركيز الرئيسي لوظيفة تيم يجب أن يكون القبض على الشواذ والمنحرفين جنسياّ وليس المجازفة والسفر الى كولومبيا لإنقاذ الأطفال ضحايا الاتجار بالجنس. عندما يبدأ سعي تيم للعثور على روسيو في استهلاكه وقضاء بعض الوقت بعيدا عن واجبات عمله الأخرى يقرر ترك وظيفته في الأمن الداخلي للتركيز على إنقاذ ضحايا الاتجار بالجنس . يقوم تيم ببعض الاتصالات القيمة التي توضح له كيفية التخفي للتسلل إلى هذه الشبكات المنحرفة. يلتقي برجل في منتصف العمر بول (الذي يلعبه إدواردو فيراستيغي) يصبح حليفه ، الذي يتظاهر بأنه ثري شاذ جنسيا يريد بناء فندق سيكون واجهة لتجارة الاتجار بالجنس. بعد إنقاذ مجموعة من الأطفال من مهربي الأطفال عديمي الرحمة ، لكن الطفلة الذي كان بالارد يبحث عنها لم تكن من بين ال 50 الذين تم إنقاذهم ويعلم العميل فيدرالي (جيم كافيزيل) أن أخت الصبي لا تزال أسيرة ويقرر الشروع في مهمة خطيرة لإنقاذها. مع نفاد الوقت ، يترك وظيفته ويسافر في عمق الغابة الكولومبية ، ويضع حياته على المحك لتحريرها من مصير أسوأ من الموت . يتعقبها إلى قرطاجنة في كولومبيا حيث يتعاون مع ضابط شرطة محلي يدعى خورخي (خافيير جودينو) ومصاص دماء (بيل كامب) ، وهو متعاون سابق مع الكارتل يسعى للتكفير عن خطاياه الماضية. يقدم بيل كامب أفضل أداء في الفيلم بدور باتمان (مصاص الدماء) الذي كان يعمل في غسيل أموال سابق للكارتلات الكولومبية وقد تاب عن خطاياه الماضية ويعمل الآن متخفيا للمساعدة في تحرير الأطفال من العبودية. بعد الحصول على بعض الخيوط القوية وضع الثلاثي خطة طموحة. ولكن تسحب وكالة بالارد تمويله وتأمره بالعودة إلى كاليفورنيا. ولذا سئم بالارد من البيروقراطية واستقال على الفور وبدأ العمل على طريقة أخرى لإنقاذ روسيو قبل فوات الأوان . يتظاهر بالارد تماما كطبيب مع مبرد مليء باللقاحات ضد مرض الكوليرا كي يتمكن في الدخول الى المستعمرة المحصنة من قبل رجال العصابات . وصدم مما وجده هناك ، مستعمرة العبيد في العصر الحديث حيث يحصد البالغون والأطفال أوراق الكوكا ، وباستخدام أقدامهم العارية يسحقون الأوراق إلى عجينة الكوكايين . يجد أخيرا طفلته المستهدفة ويقتل المعتدي عليها وهو زعيم المتمردين . وينجح في لم شمل العائلة واعادة الطقلة الى أهلها .
يكشف لنا فيلم “صوت الحرية” عن حقيقة لا يمكننا تجاهلها وهي الاتجار بالقصر والمواد الإباحية للأطفال موجود في جميع أنحاء العالم. هذا الفيلم الروائي كل الاهتمام الذي يحظى به ، ويقدر أنه بمثابة ذريعة لإبراز مشكلة جماعية عادة ما تكون تحت الطاولة. وقال المخرج ” مونتيفيردي ” البالغ من العمر 45 عاما، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة من المكسيك عندما كان مراهقا، في عام 2015 لم يكن على علم بآفة الاتجار بالجنس مع الأطفال حتى شاهد مقطعا إخباريا على الشبكة حول هذا الموضوع ما عرفته “هز روحي لأنني لم أصدق حقا وجوده ، ويضيف “أنا فقط ، في رأسي ، لم أستطع تجميع هاتين القطعتين معا – شخص بالغ وطفل ” . في تلك الليلة لم يستطع النوم . لذلك في صباح اليوم التالي ، ويضيف: “في ذلك الوقت ، كان الفيلم يسمى “المغول” ، وكان خياليا بحتا “. بعد فترة وجيزة، التقى منتج الفيلم ” إدواردو فيراستيغي” بتيم بالارد وهو عميل خاص سابق لوزارة الأمن الداخلي، وتحول المشروع إلى قصة تستند إلى عمل بالارد عندما تم تعيينه في فرقة العمل المعنية بجرائم الإنترنت ضد الأطفال وتم نشره كعميل سري لكشف “السياحة الجنسية للأطفال” في الولايات المتحدة . وقع جيم كافيزيل على دور بالارد ، واشتهر الممثل البالغ من العمر 54 عاماً بتجسيده لشخصية المسيح في فيلم “آلام المسيح” لميل غيبسون عام 2004، وهو معروف بتديّنه الشديد . وشاركه في التمثيل ميرا سورفينو وبيل كامب وخوسيه زونيغا وفيراستيغي . ومع ذلك، فإن النجوم الحقيقيين للفيلم هم الثنائي الأخ والأخت، ميغيل وروسيو، الذي يلعبه لوكاس أفيلا وكريستال أباريكو، اللذان ستجذب قصتهما أو براءتهما المفجعة الجمهور . في الفيلم ، يتم أخذ كلا الطفلين من والدهما الوحيد في هندوراس تحت ستار اختبار المواهب قبل وضعهما على متن سفينة إلى المكسيك ، حيث يتم فصلهما لاحقا وبيعهما .
يقدم فيلم ” صوت الحرية” سردا حقيقياّ لحكاية تدور حول مكافحة الاتجاربالأطفال بقيادة مسؤول الأمن الداخلي السابق تيم بالارد الذي ترك وظيفته في الحياة الواقعية كوكيل لوزارة الأمن الداخلي في عام 2013 وأسس عملية السكك الحديدية تحت الأرض ، وهي منظمة غير ربحية مكرسة لوقف الاتجار بالجنس البشري. يصور الفيلم أيام عمله في فرقة العمل المعنية بجرائم الإنترنت ضد الأطفال. لقد فهمنا جيدا أيضا الإحباط الذي دفعه إلى الانفصال من تلقاء نفسه لتعقب وإنقاذ الأسرى (وكثير منهم أطفال) وتقديم خاطفيهم إلى العدالة . عندما طرح بالارد سؤالا حول الدافع مهمته ، أجاب: “أبناء الله ليسوا للبيع” ، وهي عبارة تتضاعف كشعار لعملية السكك الحديدية تحت الأرض . تم طرح قصة حقيقية عن قضية إنسانية تقشعر لها الأبدان وهي التجارة بالأطفال حيث تم تسليط الضوء على جهود العميل تيم بالارد الذي أسس منظمة لإنقاذ الأطفال من الاختطاف والاستغلال الجنسي والتجارة بهم ووضع حد لهذه الجريمة المروعة وهي واحدة من أشد الجرائم وحشية وقسوة في عصرنا الحالي، تستوجب الوقوف أمامها ومواجهتها . لذلك عندما أتكلم عن هذا الفيلم فأنا لا أتحدث عنه كمجرد تجربة سينمائية، وإنما كواحدة من أهم وسائل التعبير عن واقع مُظلم يعيشه آلاف الأطفال حول العالم . يجب أن ننظر إلى هذا الفيلم ليس فقط كعمل فني، بل كرسالة صادقة وشجاعة من المخرج الذي استطاع باحترافية تقديم فيلم مثير يقدم قصة تهدف الى حل قضية إنسانية . رغم أن أداء الأطفال كان مبهر . هناك مشهد في صوت الحرية حيث يتم إنقاذ الأطفال ويظهرون وهم يغنون ، وتقول شخصية في الفيلم، “هل تعرف ما هو هذا الصوت؟” وبعد ذلك ، تليها وقفة طويلة ، يقول عنوان الفيلم” أنه صوت الحرية”.
هل إستغل فيلم “صوت الحرية “لدفع أجندات خاصة ؟
إن حصول الفيلم على دعم من مجموعة من الشخصيات المحافظة من رجال السياسة و المال – وتصريحات شخصيات مثل ميل جيبسون وإيلون ماسك ودونالد ترامب وجوردان بيترسون ، من بين آخرين ، فليس من المستغرب الجدل الذي انفجر في جميع وسائل الإعلام حول فيلم صوت الحرية على جميع المكونات لإثارة المواقف السياسية الأكثر راديكالية في الساحة. ويعزو كثيرون سبب النجاح غير المتوقع للفيلم إلى الدعم من شخصيات سياسية ومؤسسات إعلامية تمثل تيار اليمين الأمريكي . وحلّ كافيزيل وبالارد وفيراستيغي ضيوفاً على العديد من برامج البودكاست اليمينية والدينية، كما ساعدت مؤسسات تتبنى الخطاب اليميني مثل “فوكس نيوز”، و”بريتبارت”، و”كريستيان بوست”، و”كاثوليك وورلد نيوز” في دعاية الفيلم، إلى جانب وجود الممثل والمخرج ميل جيبسون كواحد من منتجي الفيلم يجذب أيضا غضب بعد الاشخاص والشركات السينمائية . ولا تزال كاثوليكيته المتدينة مصدر استياء عميق بعد عقود عديدة. وفي الوقت نفسه، اعتمدت التغطية الإعلامية اليمينية لصدور الفيلم سردية مفادها أن العمل يقدّم قصة “لا يريد اليسار أن تسمعها”، . ويوصف الفيلم بأنه “فيلم إثارة مسيحي” وتشير الحملة الإعلانية المواكبة له أحياناً إلى إيمان أبطاله. كما تضمن أحد مشاهده عبارة “أطفال الله ليسوا للبيع” . في المقابل ، رفض المخرج مونتيفيردي هذا التوصيف و استبعد تلك الخلافات الأيديولوجية حول فيلمه وقال إنها “تؤلمه بشدة”: “أنا لست قريباً من السياسة ولا مع أي شيء يثير الانقسام. أنا فنان وراوي قصص”. وأضاف “لقد صنعت فيلماً للجمهور الديني، وللأشخاص غير المتدينين ولكل شخص بينهما… أنا سعيد فقط لأن الجمهور قد حضر”. وفقا للشائعات في الشبكات ، تم رفض مشروع الفيلم من قبل العديد من استوديوهات هوليوود حتى تمكن أخيرا من تنفيذه بتمويل مستقل. يدعي منتج الفيلم ” إدواردو فيراستيغي، أنه تعرض للتهديد بالقتل في عدة مناسبات قبل العرض الأول أو الحملة التسويقية أو رد فعل مجموعات السلطة المتورطة في شبكات الاستغلال الجنسي للأطفال.
جهود الوكيل السابق لوزارة الأمن الداخلي تيموثي بالارد في مكافحة تجارة الأطفال
صوت الحرية (2023) مستوحى من حياة تيموثي بالارد ، الوكيل السابق لوزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة ، مؤسس منظمة عملية السكك الحديدية تحت الأرض المكرسة لمساعدة ضحايا الاتجار بالأطفال . أدلى بالارد بشهادته في اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب وشارك لقطات لعملية التي تم تصويرها في صوت الحرية مع وسائل الإعلام (يتم تشغيل بعض هذه اللقطات أيضا خلال اللحظات الأخيرة من الفيلم). تم تعيينه في المجلس الاستشاري للشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنهاء الاتجار بالبشر من قبل دونالد ترامب في عام 2019 (تم إنهاء المجلس في عام 2020) . ومع ذلك ، فإن شرعية منظمة بالارد ، عملية السكك الحديدية تحت الأرض ، وادعاءاتها بالإنقاذ البطولي لضحايا الاتجار ، ومنهجيتها قد تم التشكيك فيها والتحقيق فيها من قبل الصحفيين. منذ مغادرته وزارة الأمن الداخلي ، قام بالارد و “عملية السكك الحديدية تحت الأرض” بمداهمات وعمليات ناجحة مشابهة للعملية التي طهرت في فيلم “صوت الحرية ” والتي غالبا ما يتم توثيقها على الفيديو لاستخدامها كمواد ترويجية. لكن أساليبه المتشددة مستهجنة من قبل نشطاء مكافحة الاتجار بالبشر منذ فترة طويلة الذين يرون أنها غير فعالة بل وتأتي بنتائج عكسية . وفقا لمجلة فورين بوليسي، تم إطلاق سراح مجموعة من الفتيات الدومينيكيات اللواتي تم إنقاذهن في عام 2014 دون إعادة تأهيل أو دعم بعد بضعة أسابيع. كتبت ميج كونلي، التي رافقت بالارد في تلك الغارة، في عام 2021 عن تجربتها وذكرت أن «العمل المناهض للاتجار بالأطفال ، من النوع الذي يعمل حقا، لا يحظى بالدعم والتشجيع ولا حتى بالرضا الفوري.. لا توجد أدوار بطولة في تنفيذه “.
في الختام : استغلال الأطفال مشكلة حقيقية لا يريدها أحد (باستثناء المستغِلين). فيلم” صوت الحرية” صرخة بوجه عالم يستغل فيه الأطفال جنسيا والتعاطف مع الضحايا الأبرياء الذين لا يستحقون مثل هذه المعاملة. يجعلك الفيلم تفكر حقا في مشكلة الاتجار الجنسي بالأطفال وكيف يمكننا جميعا العمل معا لإنهائها. هذا وحده يجعله فيلماّ جديرة بالمشاهدة . نأمل أن يقوم الفيلم بعمله في زيادة الوعي بالمشكلة الحقيقية للاتجار بالبشر .
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم