آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » فيلم «يومين»… الكوميديا البيضاء بدل السوداء نموذج لفن دريد لحام

فيلم «يومين»… الكوميديا البيضاء بدل السوداء نموذج لفن دريد لحام

نهلة كامل

 

لم أستغرب أن يكون فيلم دريد لحام الجديد «يومين» حول الطفولة فقد وسمت شخصية ابن التسعين منذ بدايته براءة وسذاجة وشقاوة وحتى شرور مشاكسة الطفولة.

 

دريد لحام هو كاتب القصة، وتليد الخطيب للسيناريو والحوار، أما الإخراج فلباسل الخطيب الذي يوثق رمزية لحام، ودلالة فنه الشعبي كورقة سينمائية إلى استجابة الجمهور.. إنتاج المؤسسة العامة للسينما.

 

طفولة الكوميديا

 

نعرف عن لحام تأثره بكوميديا القرن العشرين، بطفل السينما المعجزة شارلي شابلن، ولوريل وهاردي وغيرهم. وفي السينما العربية بأداء أسماء منذ إسماعيل ياسين والنابلسي وحتى عادل إمام، لكنه بالنهاية استطاع أن يكرس أداءه الخاص وشخصيته المتفردة على الساحة السورية والعربية.. مطوراً أداءه الكوميدي على رؤية طفل للحياة والمجتمع.

 

ووقع اختياره في فيلم يومين على قصة طفلين لفتاة وصبي صغير ليرى بعيونهما معاناة المجتمع السوري الحالي.

 

وكان أن أكمل باسل الخطيب مهمة توثيق مفاهيم دريد لحام، ومكانته في المجتمع، ومكانته في الفن.

 

نمطية

 

تفترض شخصية دريد لحام الفنية نمطية خاصة، اقترنت بتبسيطية تقديم المفاهيم ومفارقات عرض الواقع، لا تقديم الحلول له، ورؤية كوميدية نجحت مع محمد الماغوط في اختيار سردية بين الأبيض والأسود، فلا تتوقف عند الملهاة ولا تصل إلى قوة الكوميديا السوداء.

 

وسيعمل باسل الخطيب على ترجمة هذه النمطية، ويقع أسير هذه الشخصية وسلبيتها وحضورها، والعمل من داخل التأقلم مع هذا الفنان الكبير المكرس. والتحرك في عالمه، والتوجه إلى جمهوره، وبحيث تناسب هذا مع أسلوب الواقعية الاجتماعية التي برزت في الفن نتيجة للحربين العالمية الأولى والثانية في القرن العشرين، وتزامنت مع واقع سوري بعد الحرب العسكرية ثم الاقتصادية.

 

مرض الطفولة

 

يختار «يومين» من «واقع التلوث الذي يصيب المجتمع.. برأي بيرجمان» المرض العميق الذي أصاب الطفولة السورية، يفترض تقديم فيلم واقعي يجب أن يعرض بطريقة سينمائية ما هو أكثر من الواقع، وقد نجح الثنائي لحام والخطيب في هذه المهمة عند تقديم فيلم «دمشق- حلب».

 

ويعتمد فيلم يومين على سردية هرب بطلي الفيلم الطفلين من منزل والديهما، لعرض معاناة اجتماعية تراوحت بين الوجع الفردي والفساد العام، وهي أهم أساليب أعمال لحام منذ «مسرح الشوك» حتى مسرحه مع الماغوط.. انتقالاً إلى فيلمي «الحدود» والتقرير.

 

وتنطلق الفكرة السردية، لحظة الفرار، لتنفتح على ذلك الفقر المدقع والحياة تحت خط الجوع، نتيجة فساد يعيشه المجتمع السوري.

 

إن ملف الطفولة السورية يعطي أعمالاً فنية أشد قسوة ويأساً سوداوياً من أبرزها فيلم «الأب» وفيلم «رحلة يوسف» لجود سعيد، تجاوزت ما يقدمه «يومين»، رغم أنه لا يعلق آماله على مؤسسات خدمية وطنية لمعالجة قضايا التشرد والجوع واللجوء والموت، وحتى التعليم.

 

وقد تبدو صورة طفولة لحام زاهية خفيفة الظل ممكنة الإصلاح، وربما قاصرة، لولا أنها ارتبطت بنمطية فن لحام الكوميدي الذي يعرض أشواكه لتبرير رسالة إنسانية بيضاء الوجدان، بدل التوغل في عمق الكوميديا السوداء التي يعيشها فعلاً الواقع السوري.

 

يلجأ الطفلان الهاربان إلى سيارة غيث، دريد لحام، التي تحمل الخضار، وينتقلان معه إلى قريته وبيته، ويشيع حضورهما فرحاً وبهجة وضحكاً، متذرعين بكذبة أن غيث هو البطل المخلص لهما من اختطاف تجار الأعضاء، بينما كانت القرية تتحضر لاستقبال مسؤول حكومي، طال انتظاره، لتقدم حلولاً لحياتهم البائسة التي انعدمت فيها وسائل الخدمات الحكومية.

 

ما وراء الإصلاح

 

ينفتح الفيلم، بأسلوب الكوميديا، على بؤس الحياة الاجتماعية، بداية بالمدينة وحتى القرية، مع مساحة هرب الطفلين، ويقدم لها بالنهاية حلولاً مسكنة وتخديرية مباشرة، لكننا لابد أن نقرأ بالعمق أن ما وراء الدعوة إلى الإصلاح في مفهوم لحام والخطيب اعتراف بانعدام الحلول المعالجة.

لا يتجاوز باسل الخطيب خطوط لحام السردية، بل يخلص لفنه وتوجهه إلى مشاهد شعبي، لم يتغير مع الظروف المعيشية القاسية، ولا يتوقف عن تتبع فنانه المحبوب، رغم أن المؤشرات تقول إن وعي وإدراك المتفرج، اليوم، يتجاوز هذا الواقع السينمائي الذي عرضه «يومين» وهي حقيقة فنية رافقت أغلب أعمال دريد لحام، واختارت التفاهم مع المشاهد على حلول إصلاحية كالتي انتهى إليها الفيلم بمفهوم التبشير بالإنسانية الرحيمة، والتكافل الاجتماعي، والأمل بالمواطنة بدل اليأس من السلطة.. لتكون النهاية الفردية سعيدة بإصلاح الأب المدمن على القمار، وعودة الطفلين إلى والديهما والقرية الموعودة بحضور الحكومة إلى التعاون معاً للتغلب على مصير بائس.

 

أبيض وأسود

 

سيبقى «يومين» في إطار الكوميديا البيضاء مقارنة بالسوداء القابعة وراء الإصلاح الذي تباركه الجهة المنتجة، المؤسسة العامة للسينما، فالنهاية السعيدة في نمطية دريد لحام جاءت دوماً بعد عرض واقعي أسود بمفهوم الكوميديا، ونحن لم نعرف عن دريد لحام اتجاهه إلى الكوميديا السوداء، أو تمرده المباشر حتى في تعاونه مع محمد الماغوط.

 

وقد ساهمت الصورة الزاهية الألوان التي قدمها الخطيب في أحضان الطبيعة القروية الجميلة على تجاوز قتامة المشهد الاجتماعي، فحيث يوجد دريد لحام لابد من الضحك والبهجة بدل الحزن الصامت.

 

لا يدعي «يومين» تقديم حلول سياسية، ولم يعرف عنه التمرد على الحكومات، بل يستبد، وليس هذا شأنه ولا نموذجه، بل يعتبر أن غياب المعالجة هو الذي استدعى اللجوء إلى بياض الرحمة، بدل سواد اليأس، ذلك أن دريد لحام فضل دوماً، الدبكة فوق الأوجاع، لا البكاء مع نزيفها.

 

سيبقى دريد لحام رمزاً خاصاً، نتعامل مع وجوده حتى اليوم بكل الحب والتقدير، ولابد من الاعتراف بفضل دبكته التي قدمت لأرض الفن السورية أهم نجومها، وها هو أسامة الروماني على رأس حلبة «يومين» المهدى إلى روحه وفنه العالي.

 

إلى جانب لحام والأداء اللافت لرنا شميس، إضافة إلى تقليد تقديم وجوه جديدة كالطفلين الموهوبين شهد الزلق، وجاد صباغ، ثم رهام التترة، ومؤنس مروة ونور الوزير.

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ترحيب فلسطيني بالقرار «التاريخي» | هستيريا في إسرائيل: كيف نُدان؟!

        على الرغم من مماطلة قضاة «الدائرة التمهيدية» في «المحكمة الجنائية الدولية»، في إصدار مذكرتَي الاعتقال بحق رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، ...