د. بسام الخالد
اليوم يمكن للإعلام، بكل لطف وبدون حروب، أن يحرّض دولة ضد أخرى، ومجتمعاً ضد آخر، وطبقة اجتماعية أو عرقية أو طائفة ضد أخرى، وكنتيجة للتضليل الذي يمارسه الإعلام، فإن الصورة الوطنية لأي بلد يمكن أن تُشوَّه عن سابق تصميم وإصرار، خدمة للقوى المعادية، وتشويه هذه الصورة، في ظل ظروف معينة، يمكن أن يكون مصدراً للصراع بين الدول.
ذلك هو “الإعلام المضلِّل” الذي يستعين بالحرب النفسية والدعاية، والذي شاع استخدامه مؤخراً عبر وسائل الاتصال التي وفّرتها ثورة المعلومات وليس أقلها شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
لقد أصبح من الشائع الحديث عن وجود ” تضليل إعلامي بصورة واعية ” ، من أجل صياغة رأي عام مؤيد لأولئك الذين يصدر عنهم، حيث يعتمد التضليل الإعلامي على مشروع منظّم ومخطط يهدف إلى تشويش الأذهان والتأثير على العقل كما على العواطف والمخيّلة وذلك تحقيقاً لهدف مركزي هو إدخال الشكوك في العقول وخلق الاضطراب في النفوس وهدم المعنويات عند جميع مستويات الجمهور، بدءاً من أصحاب القرار حتى المواطنين العاديين.
ولعل التضليل الإعلامي، زمن الحرب، هو من أخطر أنواع التضليل كونه يهدف، أولا وأساساً، إلى خداع العدو ودفعه إلى إقامة حساباته على معطيات خاطئة، ومن الأمثلة على ذلك قيام البريطانيين في الحرب العالمية الثانية عام 1944 بحملة تضليل إعلامي كبيرة من أجل دفع هتلر ومعاونيه من أصحاب القرار إلى الاعتقاد أن الإنزال البحري للحلفاء سيتم في منطقة غير “النورماندي”، وهو ما بنى عليه هتلر حساباته الخاطئة، وغيّرت هذه العملية مجرى الحرب العالمية الثانية كلها.
وفي العراق مارس الأمريكيون الكثير من أعمال التضليل الإعلامي ضد صدام حسين وصوّروه للعالم بأنه قائد لأقوى “ثالث جيش في العالم” يمكن أن يهدد البشرية بأسلحة التدمير الشامل التي يمتلكها، والتي تَبيّن عدم وجودها فيما بعد، وكان ذلك محاولة لكسب الرأي العام الأمريكي والدولي معاً لتبرير غزو العراق، وهذا ما يفعلونه اليوم مع روسيا في الحرب الأوكرانية التي أطلقوا عليها “حرب بوتين” دون التطرق لأسبابها ودوافعها وهمهم “شيطنة” الرئيس الروسي حتى لو ضحوا ببلد حليف!
في عصر الإنترنت والعولمة أصبحت الحقيقة ملونة حسب المصلحة، فمتى ما قامت الحرب رافقتها الحملة الإعلامية المساندة والمضادة، بغض النظر عن الحقيقة، فالمهم هو ما يثبته كل طرف من أطراف الصراع ضد الطرف الآخر، ويصبح الرأي العام أمام سيل من المعلومات لا يستطيع أن يتوثق من حقيقتها، وبالتالي تصبح بالنسبة له مجرد دعاية، وتتشكل لديه قناعة بأن أي خبر أو معلومة واردة من ساحة الحرب هي بالضرورة ليست حقيقية، لأن كل طرف يجيّرها لصالحه، فمن المعروف في الحروب دائماً هناك منتصر وخاسر، ولكن (في إعلام الحرب الكل منتصر).. أما الجمهور فهو الخاسر الأكبر!
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز ٢)