عبد الكريم الناعم
كان لكبار السنّ، في معظم المجتمعات التي قرأنا عنها، شأن خاص، بل وصلتْ بعض القبائل إلى تقديس الأجداد، واعتبرتهم فاعلين بعد موتهم، أقول هذا وأنا أشاهد من إطلالتي، لا من تجوالي الذي نسيته، .. أشاهد كيف يتعامل أبناء هذا الجيل مع الكبار، وهي واحدة من نقائص التربية في البيت، والمدرسة،
لقد قال الرسول الكريم( ص:” ليس منّا مَن لم يحترم كبيرنا، ويعطف على صغيرنا”، وفي ذلك دلالة على أنّ ذلك يدخل حتى في الواجبات الأخلاقيّة الدينية،
في شرائح مجتمعنا السوريّ ، فيما أعرف، ثمّة ألوان من احترام الكبير، ولون واحد من عدم احترام شيخوخته، فللكبير تقدير سنّه، ويتفرّد عن ذلك أخوتنا الشراكسة الذين جاؤوا إلى هذه البلاد، هربا من سطوة الحرب في القوقاز، فهم يعيشون في حرب دائمة منذ أزمنة طويلة، بحسب رواياتهم، قالوا ذلك حين سألتهم عن تفسير المبالغة في احتراك الكبير، ولا سيّما الأب، وكان ذلك عام 1955 حيث كنتُ أعلّم في (منبج)، والتي كان الشراكسة يومها يشكلّون ثلث سكانها، والثلثان الآخران عرب وبدو، وأكراد، وتركمان، فالشركسي، في ذلك الوقت، لا يستطيع تقبيل ابنه أمام والده، ولا مداعبته، فقيل لي إنّ هذه العادات فرضتْها قسوة الحرب التي لا تتوقّف في القوقاز، فطبيعة المواجهة لا تحتمل أن تنمو العاطفة، فتقلّ الشجاعة، وإذا صادف أنّ التقى في المجلس أستاذ في الجامعة، ورجل كبير السنّ، فلا يستطيع هذا الأستاذ تصحيح أيّ معلومة يقولها كبير السنّ، فالمتقدّم في السنّ لا يُعارض في رأيه، وأظنّ أنّ ما أذكره الآن قد تبدّل كثيرا،
في مجالسنا العامّة يحترمون الكبير احتراماً لسنّه، ويقدّرونه، وفي ذلك دعم لضعف شيخوخته، وشدّ لُحْمة في الترابط الاجتماعي، وتكريس للأخلاق، حتى ما عرفناه عن أخلاق المجتمعات الغربيّة، التي نُدرك قيمة تقدّمها، فإنّهم في الحافلات، أو في المترو، ينهض الجالس من مكانه ليُجلس طفلا محلّه، أو امرأة في حالة الحمْل،
يافعونا وشبابنا يجلسون في الحافلة غير آبهين لا بشيخ، ولا بامرأة حامل، ولا بطفل، وهذا من مقدّمات التخريب ونتائجه،
الحالة النّادرة التي ذكرتُها آنفاً، في التعامل مع الكبير موجودة بين قوْم وفدوا إلى هذه البلاد ، واستقرّوا، ولا أسمّيهم تجنّبا لِما قد يفرّق،.. هؤلاء كانوا إذا بلغ أحدهم الكَبَر، يرسلونه إمّا لرعي (الحَبَش)، أو لرعاية ا(لحمير) ، فضُرب بهم المثل،
في المجتمعات الغربيّة التي مرّ ذكرها قبل قليل، بسبب تفكّك العائلة، وعدم التعايش مع الأهل والمُساكَنة، فقد أوجدتْ بعض الدوَل دوراً لرعاية المسنّين، لأنّ الأبناء لا يجدون ما يُلزمهم برعاية آبائهم، ذكر لي سائح أمريكي قابلتْه ذات عام، أنّه يزور أمّه وأباه في رأس كلّ سنة، وهو يسكن المدينة ذاتها، ويُعتبَر ولداً بارّاً!!
في سورية، بعد عشريّة الخراب والتدمير المُمنْهج، وفي بعض الأرياف خاصّة ازداد عدد كبار السنّ، فالشباب معظمهم استُشهد في الدفاع عن وحدة أرض هذا البلد وشعبه، وهذا يقتضي أن تكون ثمّة التفاتة خاصّة لرعاية الذين لم يعد لهم مَن يرعاهم، لا سيّما وأنّ مَن حولهم يعانون من فقْر لم نعرفه من قبل نتيجة الحصار، ونتيجة سوء الإدارة في بعض مواقعها ، ولولا هذا الواقع لَما خشينا على شيخ سوء حاله، فأهله وجيرانه ومَن حوله كانوا يكفونه مؤونة ما يعاني، والوضع الآن ليس كما كان قبل عشرية الخراب، ولا بدّ من وضع خطة لدى الجهات المعنيّة تتكفّل بالعناية،
الآن لدينا جيل ناشئ تطفح الوقاحة من عينيه وفي تصرّفاته مع الكبار.
(سيرياهوم نيوز1-البعث)