وائل العدس
11 عاماً مرت على رحيل النجم نضال سيجري ومازالت قصصه عالقة في أذهان وقلوب زملائه وأصدقائه وشركائه في الفن والحياة.
استفاق من غيبوبة طويلة قبل يومين من وفاته، فأمسك بيد شقيقه وهو يقول: «سورية يا فواز» ثم انهمر الدمع من عينيه، ليعود إلى غيبوبته ويفارق الحياة. هذا هو المشهد قبل الأخير في حياة نضال سيجري.
أما المشهد الأخير، فجاء تلبية لوصية الفنان الراحل عندما سُجي جثمانه على خشبة المسرح القومي في اللاذقية قبل أن تسدل الستارة على مسيرته ويوارى الثرى في مقبرة الروضة.
قاوم «شارلي شابلن العرب» المرض وبقي صامتاً لسنتين بعد استئصال حنجرته، قبل أن يرفع الراية البيضاء أمام مرض عضال تغلغل في جسده حتى تمكن منه.
أما آخر ما كتبه على صفحته في الفيسبوك: «وطني مجروح وأنا أنزف.. خانتني حنجرتي فاقتلعتها… أرجوكم لا تخونوا وطنكم».
لم يتحمل مشاهد الدم، فغادر قبل أن ينعم بوطن آمن، بح صوته وهو ينادي بالسلام… وشاء القدر أن يخطفه الموت في شهر رمضان الذي طالما كان ضيفاً خفيف الظل فيه على الشاشات الصغيرة.
يحظى باحترام وحب كبير لدى السوريين، بما كان يحمله من رسائل حب واعتدال، وخاصة أنه اتخذ من صفحته على الفيسبوك منبراً لمخاطبة أبناء بلده، ودعوتهم للحوار، ونبذ العنف.
ستتذكره ضيعة «أم الطنافسس» بحجارتها وبحرها وسهلها وجبالها… ستبقى الضيعة «ضائعة»… تفتقد حضور «أسعد خرشوف» الذي أضحك الناس وأبكاهم.
دمشق- بيروت
في الذكرى السنوية لرحيله، استذكر المخرج الليث حجو إحدى القصص التي جمعته مع الراحل رواها عبر حسابه الرسمي على الفيسبوك.
الليث أحيا ذكرى وفاة شريكه وأحد رفاق النجاح في المسلسل الكوميدي الشهير «ضيعة ضايعة».
يقول الليث: «كان نضال يتلقى علاجه في بيروت عام 2012، رحلتنا كانت تسلك طريق دمشق- بيروت ذهاباً وإياباً في اليوم ذاته، في تلك الفترة كانت مراحل التحضير لمشروع كوميدي مع رافي وهبي قد بدأت ليكون جاهزاً في رمضان 2013.
ويضيف: «بعد إحدى الجرعات كان رافي في زيارة لنضال وليسأله حينها عن السبب الذي يدفعه إلى عدم الإقامة في بيروت في أثناء فترة العلاج، وتفادي التعب الزائد الذي يتكبده نتيجة السفر اليومي ليمسك نضال قصاصة من الورق كانت بحوزته ويكتب عليها: «بخجل ارجع عالشام بصندوق خشب»، كانت هذه الجملة هي ما دفعنا لتأجيل المشروع الكوميدي وإعادة إحياء مشروع «الجميع بخير» تحت عنوان «سنعود بعد قليل»، وتم توظيف تلك الجملة في العمل على لسان بطله القدير دريد لحام.
وختم: «في الذكرى الحادية عشرة لرحيل نضال، سيبقى حاضراً في كل قصصنا التي نرويها، وفي كل ابتساماتنا التي تحدث».
غياب الجسد
بدورها، فإن النجمة شكران مرتجى اعتادت استذكار زميلها وصديقها الراحل كل عام، فكتبت أيضاً منشوراً قالت فيه: «11 عاماً على غياب الجسد، مرت مُرة ولكنك أنت لم تمر ولم تغادر الذاكرة والقلب، مرت سنوات وأنت أنت ملك البنفسج وحارس الياسمين وابن أمك سورية العظيمة، مرت سنوات مكانك لا يستطيع أحد أن يسكنه، فهناك نضال واحد لا يشبه أحداً ولا يشبهه إلا الرحيل الذي أخذه لأنه أحبه وأراده صديقاً في زمن كثر الضيق وقل الصديق، نضال لن أخبرك بشيء فأنت تعرف كل شيء».
وختمت: «من قال إن اليتم فقدُ أم أو أب؟، اليتم فقد صديق ربما، وأنا يتيمة يا نضال».
مسيرة إبداعية
ولد سيجري في 28 أيار 1965 في مدينة اللاذقية، ويعود أصله إلى قرية تسمى سيجر في ريف إدلب الغربي، وهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، متزوج وله ولدان.
أصبح عضواً في نقابة الفنانين السوريين في 17/9/1991، شارك في الكثير من الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، وحقق نجاحاً بارزاً في الأدوار الكوميدية حيث اختار شخصيات غريبة ميزته عند المشاهدين.
وقد انتشرت شهرته خارج سورية بشكل كبير بسبب دور «أسعد» في مسلسل «ضيعة ضايعة»، ذلك الريفي الجميل، الطيب الساذج، والوطني الساحر المغلوب على أمره، حيث لعب سيجري هذا الدور بشكل لافت، وكرسه شخصية شعبية بامتياز، سكنت في وجدان جمهورنا، في مسلسل كان نقطة علام في تاريخ الدراما السورية، وهو ما دفع الكثيرين من محبيه وبعض النقاد لتلقيبه بـ«شارلي شابلن» العرب.
عانى في السنوات الأخيرة مرض السرطان الذي أدى إلى استئصال حنجرته، ولكنه ظهر في دورين صامتين في مسلسلي «بنات العيلة»، و«الأميمي».
على مدى سنوات عمره التسع والأربعين كان يحرق المراحل ليحقق الأحلام التي عاشت في مخيلته منذ أن كان طفلاً يلهو في مسقط رأسه في اللاذقية لتكون حصيلته الفنية خلال مسيرة استمرت قرابة العشرين عاماً تضم أكثر من خمس عشرة مسرحية للمسرح القومي ومسرح الطفل، وعشرة أفلام سينمائية روائية وقصيرة، وأكثر من مئة تمثيلية ومسلسل تلفزيوني، ليكون الرابط بين هذه الأعمال قدرة سيجري الفريدة على الإتيان بشخصيات جديدة مع كل عمل دون الوقوع في أسر التكرار والنمطية.
هو فنان مختلف، يدهشك ببساطته، إنه إنسان مندفع وجدي، يحب الخير لكل الناس ولوطنه، هو إنسان شفاف إلى أبعد حد، وهو نهر كبير من الحب والوجع.
معروف بطيبة قلبه ومحبته للجميع ولم يترك فرصة إلا واغتنمها في محاولات صادقة لإعادة الألفة والمحبة لقلوب السوريين، وكان لندائه الشهير المسجل بحنجرته المبحوحة على أثير «شام إف إم» أثره البالغ في نفوس كل من سمعه حيث قال: «الحب هو الخلاص.. الحب هو الحل.. يا أولاد أمي.. الحب هو الحل.. يا وطني».
سيرياهوم نيوز1-الوطن