الرئيسية » ثقافة وفن » في ذكراه الأولى.. جابر عصفور “الحفيد الشرعي” لطه حسين؟

في ذكراه الأولى.. جابر عصفور “الحفيد الشرعي” لطه حسين؟

خلف جابر

 

كان صبياً شغوفاً بالقراءة، ورواية “الأيام” كانت سبباً في دخوله عالم الأدب.. ماذا تعرفون عن جابر عصفور في الذكرى الأولى لرحيله؟

 

يوم الخميس 16 كانون الثاني/يناير من العام 2020، كان ختام “ملتقى القاهرة الدولي الخامس للشعر العربي”. كان حفلاً بهيجاً نظمه “المجلس الأعلى للثقافة” على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية، وضم حينها أسماء وقامات عربية لامعة حلوا ضيوفاً على الشعر، الذي نال جائزته في تلك الدورة الشاعر البحريني قاسم حداد.

 

أوشكت الدورة أن تمر كسابقاتها، حتى خرج جابر عصفور مصطحباً الشاعر المصري رفعت سلام، الذي كان يصارع مرض السرطان الذي أجبر صاحب الترجمة الكاملة لأعمال بودلير، أن يؤمن أنها نهاية الأرض. كان ظهور رفعت سلام بمثابة استعارة لاسم ديوانه “حجر يطفو على الماء”. إذ تحركت القاعة فرحاً بحضوره. رحب به الجميع وقبّل قاسم حداد رأسه، وصعد به جابر عصفور إلى المسرح وكرمه قبل وفاته.

 

كان جابر عصفور حينها وزيراً سابقاً للثقافة المصرية، لكنه، كعادته، كان لا يزال بمثابة الدينامو (المحرك) الأول لها. إذ لم يستمد أهميته من المنصب الذي شغله لمرتين؛ الأولى في حكومة الفريق أحمد شفيق عام 2011، والذي سرعان ما استقال منه لأسباب صحية، ليعين مرة أخرى في حزيران/يونيو 2014 حتى نهاية شباط/فبراير 2015. بل بقيت مكانته كأحد أهم النقاد العرب هي المسيطرة، الأمر الذي جعل البعض يرونه حفيداً شرعياً لعميد الأدب العربي طه حسين.

 

تلميذ سهير القلماوي و«الأيام» سبب دخوله الأدب

رؤية البعض لجابر عصفور باعتباره حفيداً شرعياً لطه حسين كانت لأسباب عدة، أولها أنه تتلمذ على يد سهير القلماوي؛ التي أشرفت على رسالتيه للماجستير والدكتوراه. والتي كانت بدورها تلميذة مباشرة لطه حسين. لكن ثمة علاقة أخرى ربطت جابر بعميد الأدب العربي، والتي بدأت مبكراً بالمحلة الكبرى، المدينة التي شهدت ميلاده في 25 آذار/مارس من العام 1944.

 

كان جابر صبياً شغوفاً بالقراءة، وقد ساعده وجود رجل يملك عربة يبيع عليها الكتب المستعملة، ويؤجرها مقابل ثمن زهيد، على أن يقرأ كل ما ينشر آنذاك، لكن طه حسين كما كان سبباً في تحقق مجانية التعليم، ومن ثم دخوله وأمثاله من الفقراء إلى المداس الحكومية، تسبب أيضاً كتابه «الأيام» في دخول جابر إلى عالم الأدب. يقول: «قرأت الأيام» فقررت أن أكون كطه حسين. وحين وجدت أنه يكتب الروايات بالإضافة إلى الدراسات، قلدته.

 

جابر عصفور الذي رأيته لآخر مرة في “ملتقى القاهرة للشعر العربي”، بدأ حياته صبياً يكتب الشعر تأثراً بصلاح عبد الصبور، إلى جانب كتابته للدراسات النقدية، التي لم تبعد عن الشعر أيضاً، فأول أبحاثه كان عن أحمد شوقي، ولم يكن بحثاً بمعناه الحقيقي، بل مجرد تلخيص لكتاب قرأه آنذاك. دفعته قراءته للرواية أيضاً إلى أن يكتب محاولات أولية أسماها “لوحات قصصية”. يقول في إحدى حواراته: “أذكر أنه كان لدينا دكان يقع في شارع سوق خضار، وكنت أكتب عن الناس فيه، أبناء السوق من الباعة والحمالين”.

 

خلال تلك المرحلة، امتلك جابر ثقافة موسوعية، وربما كان للبيئة التي نشأ فيها دوراً في تكوينها، لا سيما عندما أرشده أمين المكتبة إلى جماعة أدبية تجتمع في قصر ثقافة المحلة. كان أفرادها مجموعة من الشباب سيصبحون في ما بعد أعلاماً أدبية ومعرفية؛ كل في مجاله. كان أعضاؤه: نصر حامد أبو زيد، الذي كان يكتب شعراً بالعامية آنذاك، وسعيد الكفراوي القاص، وشاب اسمه أحمد عسر، ورمضان جميل الذي كان يكتب قصصاً تشيخوفية، والشاعر محمد صالح، وأحمد الحوتي، وفريد أبو سعدة. ثم جاءهم بعد ذلك شابان أصغر، هما: المنسي قنديل، وجار النبي الحلو.

 

دخل جابر عصفور المرحلة الجامعية مدفوعاً بحب عميد الأدب العربي، حتى أنه كان يعرف قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة على اعتباره “قسم طه حسين”، ومن ثم؛ أحبط عندما علم بأنه لن يدرس له، إلى أن جاءت السنة الرابعة وانتقل من دراسة التراث إلى دراسة الأدب الحديث، فكانت دراسته على يد سهير القلماوي، تلميذة عميد الأدب العربي، والتي كانت عوضاً له عن حلمه، وكانت سبباً في لقاءه بأستاذه الأول، ذلك اللقاء الذي وصفه بأن كان له رهبة شديدة.

 

بعد حصوله على درجة الليسانس من قسم اللغة العربية بكلية آداب جامعة القاهرة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف في حزيران/يونيو 1965، سجل عصفور للماجستير موضوعاً عن الإيقاع في الشعر الحديث، ثم تبين صعوبة تحقيق نتائج علمية موثوق بها، ومن ثم اختار مع القلماوي موضوع الصورة الفنية في شعر الإحياء، ليحصل على الدرجة العلمية بتقدير ممتاز في تموز/يوليو 1969. وقد اكتشف بعدها أنه في حاجة إلى تأصيل موضوع الماجستير؛ فجعله موضوع رسالته للدكتوراه، التي نالها بمرتبة الشرف الأولى عام 1973، أي في عام وفاة طه حسين.

 

مصطفى عبد الغني: ينتمي إلى الاتجاه الأرحب في النقد

خلال ذلك الوقت، تبلورت الرؤية النقدية لدى عصفور. أصبح مهتماً بالتوفيق بين جماليات النص ومرجعه الاجتماعي، مرتكزاً على العلاقات الداخلية له ودلالته الناتجة عن هذه العلاقات. واعتمد في ذلك على النقد التطبيقي.

 

في مقال له نشر بمجلة «القاهرة» عام 1996، يقول مصطفى عبد الغني إن: “المدقق في الوعي النقدي عند جابر عصفور يلاحظ أنه ينتمي إلى الاتجاه الأرحب، الذي يستوعب كل النظريات النقدية، ويضيف إليها فهماً فلسفياً محدداً”.

 

ثمة ملمحين أساسيين في مشروع عصفور النقدي، هما محاربة الأصولية وقراءة التراث من موقع في الحاضر، والتشبث بالتنوير كحائط صد أمام الرجعية والتخلف، وهو ما يتضح في أعماله، منها: التنوير يواجه الإظلام – محنة التنوير – دفاعاً عن التنوير- هوامش على دفاتر التنوير- تحرير العقل – نقد ثقافة التخلف.. وغيرهم.

 

كان لطه حسين حضور في مشروع عصفور النقدي. إذ لم يكتف بأن يحذو حذوه في تبنيه للحداثة والتنوير، بل عمل على دراسة في نقد طه حسين، بعنوان «المرايا المتجاورة». وربما أراد أن يحقق نصراً خفياً لأستاذه في كتابته لـ«زمن الرواية» عام 1999، لا سيما في وجه خصمه عباس العقاد، الذي رأى أن «محصول خمسين صفحة من الشعر الرفيع أوفر من محصول هذه الصفحات من القصة الرفيعة»، في حين كان طه حسين من أوائل من قدموا منجزاً روائياً عربياً.

 

و«زمن الرواية» هو الكتاب الذي رأى فيه تراجع الشعر عن دوره كديوان للعرب، وأن الرواية أصبحت هي الوعاء الأكثر رحابة.

 

رئيس لـ «قسم طه حسين»

إلى جانب إسهامه النقدي، تدرج جابر عصفور بالسلك الأكاديمي حتى أصبح رئيساً لقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة من عام 1990 إلى العام 1993، كما عمل أستاذاً زائراً للنقد العربي بجامعة ستكهولم بالسويد، وبجامعة هارفارد . كما شغل عدداً من المناصب، منها وزيراً للثقافة المصرية، وأميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة من العام 1993 إلى العام 2007.

 

في العام 2019 حصل جابر عصفور على جائزة النيل في الأداب، والتي تعد أرفع الجوائز الأدبية مصرية، وذلك بعد أن تأخر حصوله على أي جائزة مصرية لسنوات طوال، سوى حصوله على بعض الجوائز عن كتبه، وذلك لعضويته في عدد من لجان الجوائز، ورئاسته للمجلس الأعلى الأعلى للثقافة.

 

في الوقت الذي حصل فيه قبل ذلك على أرفع الجوائز والأوسمة العربية تقديراً لإسهاماته ودوره الثقافي، ومنها: الوسام الثقافي التونسي. وجائزة سلطان بن علي العويس في حقل الدراسات الأدبية والنقد. كما كان أول مصري يفوز بجائزة اليونسكو للثقافة العربية عام 2008.

ورث جابر عصفور عن طه حسين الدور المجتمعي للمثقف. لم ينفصل عن القضايا المثارة، كما لم يخف رفضه للوصاية الدينية. الأمر الذي جعله ينال بعض ما نال عميد الأدب العربي من سهام التشدد. فإن كان الأخير دفع ثمن دعوته إلى النظر في التراث عبر كتابه «في الشعر الجاهلي»، بأن فُصل من وظيفته واتهم بالردة والإساءة للإسلام، واجه عصفور هجوماً كبيراً لمواقفه وآراءه، ومنها قوله بإن الأزهر في شكله الحالي، لا يستطيع إحداث تغيير جذري في قضية تجديد الخطاب الديني. كما طاله هجوم كبير إثر موقفه من الطلاق الشفهي؛ بأن “لا بد من توثيق كل حالات الطلاق”، ورأيه بأن المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن «الدين الإسلامي، هو دين الدولة الرسمي»، تصنع نوعاً من التمييز العنصري.

 

توفي جابر عصفور في صباح الجمعة 31 كانون الأول/ديسمبر عام 2021، بعد تعرضه لوعكة صحية دخل على إثرها الرعاية المركزية، في مستشفى القصر العيني. لكن الجدل حول آراءه ظل ممتداً حتى بعد وفاته، بين من اعتبروه كارهاً للإسلام، وبين من وجدوا فيه أحد دعاة التنوير، لكن أحداً لم يختلف على أن الثقافة المصرية فقدت بموته أحد أعمدتها الراسخة.

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...