الدكتور محمد بكر
تمهد دمشق للانتخابات الرئاسية خلال الفترة القادمة بموازة حراكٍ سياسي روسي، لقولبة المشهد السياسي والميداني في سورية ضمن قالب التوافقات السورية-السورية، والاقليمية- الدولية، أولى ملامح الحراك أرخت الستار عن بناء الحل السياسي المرتقب في سورية، وعلى مسرح الطروحات ومايؤديه الروس من عرض سياسي، تبدو طروحات المعارضة لجهة تشكيل ماأسموه مجلس عسكري من الجيش السوري وضباط انشقوا خلال الحرب لتسلم زمام الأمور، وتسليم السلطة لجهة مدنية منتخبة، تبدو في إطار التأثير في العرض الروسي، ولفت النظر نحو حل يبدو صعب التبني والدعم من قبل موسكو، التي يبدو أنها تتحرك وفق مسارات مختلفة، كان لافتاً وليس مستغرباً توقيت ماقيل عن محادثات بناءة بين وفد من الإدارة الذاتية شرق الفرات بوساطة روسية، وبين دمشق لنقاش قسم من العرض السياسي الروسي، لجهة توسيع قانون الإدارة الذاتية، ومستقبل قسد، وإمكانية التعاون بين الجانبين، ورفع العلم السوري مستقبلاً فوق مؤسسات الإدارة الذاتية، التحرك الكردي جاء بعد صمت روسي، وعدم اتخاذ الجيش السوري لأية إجراءات على الأرض، تجاه ممارسات الكرد شرق الفرات ولاسيما محافظة الحسكة،وتَمظهُرِ الكرد بصفة المفصل والمدير والحاكم في المنطقة، بموازة صمت روسي- سوري مقابل، في جبهتي ادلب وشمال حلب، وإجراءات بالجملة يكاثرها التركي في المنطقة أيضاً بمنطق الحاكم والمفصل والمدير وسياسة ” التتريك” للمنطقة بدأت معالمها واضحة على مؤسسات تعليمية وصحية وخدماتية وتعامل بالليرة التركية، هذا الصمت الروسي كان بطبيعة الحال مدروساً وممهداً لإنجاح مايحاول الروس إنفاذه في المرحلة القادمة، ووسط اختلاف ” المقامات ” بين الدولة السورية والكرد والأتراك، ثمة سؤال أكثر إلحاحاً هذه الأيام، هو على أي وترٍ يعزف الروس وماهو شكل العرض السياسي الذي في متناول موسكو ؟
بالمنطق السياسي يبدو تحرك الروس نحو ” احتواء ” الكرد، وإنفاذ اتفاقات مع الجانب السوري الرسمي، هو تحدياً لأردوغان، لكن مايجري ربما يكون مختلفاً في الحسابات الروسية لناحية الموازنة بين الأهداف الكردية في الشمال، والأهداف التركية التي هي متناقضة في الأساس، فالمنطق الانفصالي للكرد ، بدا صعبا إنفاذه في ظل عدم الانتصار الأميركي الكامل والحاسم للكرد في مواجهة الأتراك والفصائل السورية المنضوية، بموازة عدم قدرة الأتراك أيضاً على حسم كامل لمايقلق أمنهم في الشمال السوري، إذ لم يُحسم المشهد بشكل جذري برغم جملة من العمليات العسكرية التركية من درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، فما تزال ” شوكة الكرد ” باقية لم تُكسر ولم تُقتلع ، هنا يبدو التحرك الروسي مفهوماً أكثر لزيادة الحضور السياسي أكثر، واستغلال أولويات الإدارة الأميركية الجديدة، التي قالت أنها لم تعد معنية في حماية النفط السوري في الشمال، وأن وجودها فقط لمكافحة داعش، يبدو في إطار المولد لصيغ سياسية تستولد توافقات بين الأفرقاء نحو تهيئة المناخ السياسي لسيطرة أكبر للدولة سواء بالمفهوم السياسي أو الميداني، يضفي شرعية من وجهة نظر روسية على الانتخابات القادمة وذلك من خلال ثلاث نقاط رئيسة هامة :
– أن أي توافقات ترعاها موسكو بين الإدارة الذاتية والأسد يجب أن تكون ممهداً لإيقاف كل أشكال الاشتباك الميداني والتصعيد ووقف كل الاجراءات، مقابل إدارة ذاتية( غير انفصالية) تتبع للحكومة المركزية في دمشق ، إذ قالها يوماً الراحل وليد المعلم أن ذلك ممكناً إذا مابادر الكرد لاظهار حسن النية وتخلوا عن تبعيتهم للأميركي .
– مراعاة وإنهاء القلق التركي مما يهدد أمنه من جانب الكرد، لجهة ضمان أي تحركات كردية ” شاذة ” على الأرض، وعلى قاعدة نشر قوات روسية على الحدود تتابع سير التنفيذ مقابل ايفاء أنقرة بالتزامها وتأكيدها الدائم على وحدة الأراضي السورية، بالانسحاب من المنطقة وفكفكة المجموعات المسلحة وتسليم أسلحتها للجيش السوري.
– صياغة كل التسهيلات لمن يرغب من شخصيات من المعارضة السورية، لأن تلعب دورا على المسرح السياسي السوري، وتشارك في الحكومة السورية المقبلة، وتالياً أن تكون جزءاً من إدارة الداخل السوري، ومن يشذ فهو خارج الحسابات الروسية بالكامل .
الأشهر القادمة في سورية هي غاية في الأهمية لناحية شكل الحراك الروسي، وأبعاد معروضه السياسي، فالعزف على وتر التوافقات، في ظل مقامات صاخبة ومتناقضة، يبدو مهمة صعبة لكن حان وقتها .
إعلامي ومحلل فلسطيني
روستوك- ألمانيا
(سيرياهوم نيوز-رأي اليوم14-2-2021)