عبير محمود
يمر عيد الأم هذا العام على الأمهات السوريات في وقت لم تعد فيه الأمومة رمزاً فقط لإنجاب وتربية الأطفال، وإنما تحولت في هذه الظروف إلى كفاح وعمل، هذه الأم التي لم تتوان ولو للحظة واحدة عن تقديم أغلى ما لديها لتكون ليس أماً فقط لأسرة بل لأجيال يتعلمون منها الصبر والمصابرة، هذه الأم التي كافحت الحياة في ظروف حرب مرت على سورية كانت قاسية.
«الوطن» رصدت قصصاً لأمهات في محافظة اللاذقية، أمهات تحولن إلى كتب ننهل منهن كل شيء عن الكفاح.
«أم علاء» والدة شهيد ومريضة سرطان تكافح في الحياة لإعالة أسرتها المكونة من 4 أبناء بعد أن فقدت أكبرهم خلال أدائه واجبه الوطني ضد المجموعات المسلحة عام 2016، وكانت تعمل بصنع الفطائر أمام منزلها في مدينة اللاذقية، إلا أنها وكما قالت لـ«الوطن» فقدت هذا العمل بسبب عدم توافر الغاز بما يكفي لهذه المهنة، إلا عن طريق السوق السوداء التي لا قدرة لها على شرائه منها بأسعار مرتفعة جداً.
وتضيف أم علاء بأنها عملت في المدينة الرياضية لفترة ولكن لم يستمر العمل في أحد المطابخ أيضاً، وتعمل بين الحين والآخر بعقود موسمية في إحدى الجهات لتبقى قادرة على تلبية احتياجات المنزل والوضع الصحي الصعب لزوجها وهو أيضاً مريض سرطان، ما يجعلها غير آبهة بمناسبة عيد الأم وتقول بحرقة، قائلة: «أقضي يومي خلال عطلة هذا العام إلى جانب ضريح ابني في مقبرة الشهداء».
من جهتها، ذكرت السيدة أم خليل في حديثها لـ«الوطن» أن تجربتها القاسية مع الزمن حوّلتها من أم عادية إلى أم مكافحة ضد قساوة الحياة لتتجاوز بصبرها المطبات العائلية من جهة ومن جهة ثانية المطبات المعيشية.
وبيّنت أم خليل (تعمل مقيمة أطفال عند عائلة بمدينة اللاذقية) أن عيد الأم فقد بهجته بظل هذه الظروف وهي تعمل بعيدة عن أولادها «مقهورة» تتحدى الظروف وتعمل بعد انفصالها عن زوجها بفلاحة وتعشيب الأراضي الزراعية وبمواسم الليمون والزيتون إضافة لعملها في صالون تصفيف شعر وفي ورش بناء وبلاط اضطرت معها لنقل البحص والرمل، ما جعلها «أخت رجال» غير معتمدة على طليق أو غيره لمساعدة أولادها في مصروفهم.
واعتبرت أن عيد الأم يعني أن تبقى السيدة قادرة صابرة تواجه الشقاء والمعاناة حتى ترى أبناءها قادرين على إكمال حياتهم ودراستهم من دون الحاجة لأحد غير الله، قائلة إن التجارب القاسية تحول المرأة إلى سيدة فاعلة في المجتمع لا تهاب الظروف وتتحداها لتتجاوزها بقوتها وإرادتها.
ومن السيدات الريفيات، تقول أم علي لـ«الوطن»: إن المرأة السورية والريفية تحديداً ترفع لها القبعة لكونها تعمل من الصباح في الأرض وبعدها في أعمال المنزل وتربية وتعليم الأطفال ليكونوا أشخاصاً ناجحين في المجتمع، مشيرة إلى أنها فقدت ابنها البكر خلال المعارك ضد الإرهاب في عام 2014 ومن حزنها بدأت بمواجهة الحياة الصعبة لتعمل وتعيل زوجها في تربية أولادها الثلاثة أخوة الشهيد علي.
وقالت: إن عيد الأم يلخص شريط حياتها أمامها وهي تزور ضريح ابنها، حينما ولّد الألم عندها الأمل لتتابع حياتها بزراعة نباتات زهرية ومنها إكليل الجبل في مقبرة الشهداء جانب قبر بِكرها، قائلة «كل زهرة لها حكاية عندي» وحولتها من ألمي إلى أملي بالعيش الكريم لأصنع منها صابون الغار في منزلي وأعيل عائلتي حتى نبقى مستوري الحال.
وأضافت: إنها مع مرور الأيام وحتى عام 2019 طورت عملها وأضافت بعض النباتات العطرية لتصنع منها شامبو ومستحضرات طبية وعطرية لتتحول إلى سيدة منتجة متحدية ظروفها الصعبة.
وأشارت أم علي إلى أنها استطاعت عبر الدخول في مشروع دائرة المرأة الريفية من التدرب والتطور في العمل وتوسع مشروعها بدعم الدائرة لتعمل بها ابنتها وزوجها وأطلقت اسماً على المستحضرات «أم علي» ليبقى اسم ابنها يتردد مدى الحياة فيما بينهم كما ذكرت.
وشددت في حديثها لـ«الوطن» على ضرورة أن تكون جميع السيدات السوريات والريفيات تحديداً قادرات على العمل والإنتاج لإعالة أسرهن وتحدي ظروف الحياة المعيشية الصعبة، وبنفس الوقت تربية الأولاد وتعليمهم ليكونوا قادرين فاعلين في مجتمعهم ووطنهم بشكل عام.
سيرياهوم نيوز1-الوطن