في عيد الحب نكتب عن هذه المناسبة، التي أصبحت اليوم من بين مناسبات السوريين التي لا يجوز التغاضي عنها، مثلها مثل الأعياد الدينية وعيد الأم والمعلم… إلخ. ولكن لهذا العيد نكهة مختلفة، فاللون الأحمر ينتشر في المحال التجارية- لكونه اللون الأصدق في التعبير عن دفق العاطفة- إضافة إلى تنوع الهدايا التي يتنافس أصحاب المحال بعرضها بطريقة جدّ جاذبة، فما بين الشوكولا والورود الحمراء، للعطور والثياب وأجهزة الموبايلات والساعات… إلخ من الهدايا اللائقة، تبدأ المفاضلة. ولكن في آخر فترة يعيشها السوريون، هل لهذا العيد الكماليّ والترفيهيّ مكان؟ بمعنى هل للسوريين الجَلد والطاقة للاحتفال به؟ وإن تمكنوا من توفير الضروريات كيف سينظرون للكماليات في الـ14 من شباط عيد الحب؟
أسئلة كثيرة تُطرح بقوة في هذه الفترة العصيبة على السوريين، وخصوصاً إن كان للحب مكان في قلوبهم النابضة.
الحب للعشاق
هل حقاً الحب مقتصر على العشاق والأحباب، هل العواطف والمشاعر لازمة فقط لعلاقات بين الرجال والنساء؟ صحيح أن هذا الحب ابتدع لتقديس العاطفة بين أهل الهوى، ولكن عند النظر للمجتمعات وخصوصاً مجتمعنا السوري، لمست في العديد من أطيافه أشخاصاً يحتفلون بهذه المناسبة، وهم في طبيعة علاقتهم ليسوا بعشاق. الأمر غريب!! أنا لم أجده غريباً أبداً ومن التقيتهم كذلك.
ففي المول التجاري أخبرتني الشابة صفاء (م) بأنها لا تشارك رجلاً أي عاطفة في الوقت الحالي، بمعنى أنها لا تعيش قصة حب، ولكن هذا الأمر لا يحبطها على الإطلاق لكون طبيعة العلاقة بين الرجال والنساء في مجتمعنا تغيرت، ولم يعد طموحها الارتباط والاستقرار، لهذا هي تتجول بين محلات المول التجاري لتشتري لنفسها الهدايا كي تعزز من حبها لنفسها أولاً « يجب أن نحب ذاتنا أولاً، ونقدرها ثانياً، أنا لا أنتظر حباً من أحد».
في جانب آخر وأمام محل لبيع الهدايا، وقفت وتأملت حركة الزوار للمحل، كانت ضئيلة وإن اشتدت اقتصرت على الفرجة فقط، فمن سيشتري دباً بنصف مليون ليرة؟ بهذا السؤال بدأت هبة طويل حديثها معنا، «عيد الحب في هذه الفترة شكلي جداً، وأنا أرى بأنه من السخرية أن نحتفل به. يجب أن نحب بعضنا حقاً ونتكاتف، وللأسف المعادلة تغيرت نحو الأسوأ، وكلامي هذا لا يعني بأنني لم أحب، أنا أحببت وتزوجت وأنجبت، عماد ولونا وأصبحا شابين، ومن نظرتي إلى العلاقات الدارجة اليوم بين الشباب أصبحت أستخف بعيد الحب، نعم الحب تغير عن أيامنا للشكل السيء، ولابد أن العصرنة هي السبب».
بينما يقول جبران وهو شاب بعمر الثلاثين إن الحب للجميع وليس فقط للعشاق «أنا لست مع حصر الحب بيوم عيد، وأتمنى أن ألتقي شابة تفكر مثلي، ويجمعنا الحب حقاً، فالزيف والكذب شوّها العلاقات العاطفية، والسعي للظهور والعيش وفق المظاهر البالية أصبحا الهاجس والضرورة اللازمة لقبول الشخص أو رفضه في العلاقة العاطفية، وكيف لي أن أحب فتاة ترغب بي لأن عملي جيد ويمكنني أن أؤمن لها عيشاً رغيداً، بعيداً عن طباعي وطريقة تفكيري، لهذا يجب أن نعمم الحب ونشاركه حقا بين الجميع، لنتعلم أسلوبه وفضائله بين الأهل والعائلات، لننطلق نحو (الكوبلات) الشباب والشابات».
عيد الحب لأهل التضحيات
الوحدة تجتاح قلوباً فارقها ساكنوها، فلم يبق في المحيط من يرسم بسمة، أو يمسح دمعة، ومن بعد ما اتفقنا بأن يكون عيد الحب للجميع وليس فقط لرجل وامرأة، قررنا أن نهدي الحب لأهل التضحيات، فهم أجدر بأن يشعروا بالحب في هذا اليوم، وهذا ما قاله سمير (ع) في جولته ضمن المول مع رفيقته الوحيدة في هذا العالم (والدته) ليقول: «ليس لأمي سند سواي، نعم هناك عيد للأم ولكن لأجلها يجب أن يكون كل يوم عيداً. توفي أبي وهي شابة ورفضت الارتباط واكتفت بتربيتي ولم تتخل عني، وكبّرتني ودرّستني وحرمت نفسها الحب مع شريك لها كُرمى عيني، واليوم لما اشتد عودي سأتركها!! كي أتزوج وأنجب طفلاً، حاولت التعرف إلى فتيات لأجل ذلك ولكنني لم أجد واحدة تقدر ما تعنيه أمي لي، ففي عيد الحب أمي هي كل الحب».
بينما في الزاوية المخصصة لبيع الزهور، حدثنا زيد بأن الحركة لشراء الزهور جداً محدودة لارتفاع سعرها، لهذا الكمية المتوافرة عنده محدودة، حتى لا تذبل ويرميها، وقرر في عيد الحب لهذا العام أن يلبي الطلبات التي تمت توصيته عليها سابقاً. ولكن لم يستوقفني زيد بائع الزهور، بل القصة التي حدثني عنها، فهناك فتاة تأتي إليه كل أسبوع لتشتري خمس وردات حمراء، ولا تزال على عادتها هذه منذ ست سنوات، وبحكم العادة لشراء الزهور منه، علم مرة بأن هذه الصبية تشتري الزهور لعريسها الذي استشهد، فكل أسبوع تذهب لزيارته وتحدثه عن أحوالها، بعد أن استشهد وهي لم تمض معه إلا شهرين، وفارقها وهما بعمر ثلاثة وعشرين عاما، وتقول الصبية _ بحسب زيد_ إن ما تعيشه اليوم من استقرار وأمان هو بفضل زوجها الشهيد، فلقد أتمت دراستها الجامعية وعملها جيد، وأخيراً هي رافضة لأي ارتباط، والحب بالنسبة لها هو مع شريكها الذي في السماء.
سوسن صيداوي
سيرياهوم نيوز 6 – الوطن