يحيى دبوق
تثير إقالة وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، الكثير من الأسئلة، وخصوصاً لجهة أهدافها المباشرة، وتلك المخفيّة، فضلاً طبعاً عن توقيتها وشكلها، والأهم ما يرتبط منها بالحربَين الدائرتَين في قطاع غزة ولبنان، والمواجهة المتصاعدة بين إسرائيل وإيران. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى الآتي:
– يمكن الربط بين تهديدات الأحزاب الحريدية بفرط عقد الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو، بعدما وعدها هذا الأخير بإعفاء جمهورها من التجنيد في الجيش؛ وبين رفض غالانت الاستجابة لهذا المطلب، كونه يراه من موقعه، وبصفته مسؤولاً عن المؤسسة العسكرية، سياسيّاً، ومضرّاً بالجيش وبمعنويات جنوده وضباطه، وسبباً رئيسيّاً وراء مواصلة استنزافهم إلى الحدّ الذي فاق التوقعات، وخصوصاً لجهة مدّة تجنيدهم، واستخدامهم في حرب طالت ولا يوجد أيّ مؤشر إلى احتمال انتهائها قريباً. وإذ ربط كثيرون، ومن بينهم غالانت نفسه، بين الإقالة وملف التجنيد، فإن الأسباب لا تقتصر فحسب على هذا المطلب. على أن هذه ليست المرة الأولى التي يُقال فيها وزير الأمن؛ إذ طُرد من قبل، وعلى خلفية مغايرة، إبّان ما اصطلح على تسميته «الانقلاب القضائي». يومها، عارض غالانت القانون، إلى الحدّ الذي دفع نتنياهو إلى إقالته، ضمن أهداف تتّصل بالتخلّص من معارضيه داخل الحكومة، و»إظهار العين الحمراء» لبقية أعضاء «الليكود» ممَّن كانوا يلمّحون إلى معارضتهم تغيير النظام في إسرائيل. لكن رئيس الحكومة عاد ليتراجع في حينه عن مسألة الإقالة، بعد موجة احتجاجات واسعة النطاق اجتاحت شوارع إسرائيل، وأدّت تالياً إلى تجميد «إصلاحات» الائتلاف الحكومي.
ومن جهة ثانية، برزت لدى نتنياهو، في المرحلة الراهنة، مشكلة قضائية جديدة، تتعلّق بتسريب لمعلومات استخبارية، يبدو أنه جاء بقرار منه، للتأثير في مجريات الحرب ومنع إنهائها أو إبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة «حماس» في غزة. ومع توسّع القضية، وبدء التحقيقات مع مسؤولين في مكتب رئيس الحكومة ومقرّبين منه، تعزّزت رغبة نتنياهو في طرد وزير أمنه، وفي توقيت هو الأمثل بالنسبة إلى القضية، وخاصة أن إعلان الإقالة جاء قبل دقائق من ذروة مشاهدة الإسرائيليين للنشرات الإخبارية المسائية، والتي غيّرت من تركيزها الأساسي، أي التحقيقات، إلى موضوع الإقالة.
• الواضح أن توقيت إقالة وزير الأمن جاء ليتوافق مع انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية، إذ إن الإدارة المنتهية ولايتها كانت تَعتبر غالانت أحد أهمّ «رجالاتها» في الحكومة الإسرائيلية، وصلة الوصل بينها وبين تل أبيب الرسمية، وهي التي ضغطت في الأشهر الأخيرة لمنع إقالته. من جهته، سيكون نتنياهو أكثر اطمئناناً إلى نتيجة الانتخابات، إذ يراهن على أن الإدارة المقبلة ستُطلق يده، ليس فحسب في ما يتعلّق بإقالة غالانت، بل أيضاً في ما يتّصل بالحرب نفسها في ساحاتها المتعدّدة، إنْ لجهة مسارها واستكمالها، وكذلك توسعة أهدافها ونتائجها، بما يتوافق مع أولويات الحكم الفاشي في إسرائيل وأهدافه. على أن هذا الرهان يبقى معلّقاً، في ما يبدو، على شرط، وهو تمرير الفترة المتبقية من حكم الإدارة الحالية، لغاية الـ20 من كانون الثاني المقبل، اليوم الذي يتسلّم فيه ترامب منصبه رسميّاً، علماً أن التقديرات تشير إلى احتمال أن تتحرّك إدارة بايدن، وبلا ضغوط أو خشية من التبعات، لفرض إرادتها، في ما يشكّل أيضاً مصدر قلق بالنسبة إلى تل أبيب.
لا يزال من المبكر الحكم على نتائج الاحتجاجات وما الذي ستؤدي إليه
• كيفما اتّفق، فقد أصبحت الإقالة أمراً واقعاً، لتبدأ مفاعيلها وتبعاتها المباشرة: حركة احتجاجية خرجت سريعاً إلى الشارع، في مقابل تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للأمن، علماً أنه من الشخصيات التي تفتقر إلى الخبرة العسكرية، لكنه منقاد تماماً لإرادة نتنياهو ومصالحه. وبالنسبة إلى الاحتجاجات، لا يزال من المبكر الحكم على نتائجها، وما إذا كانت ستؤدي فعلاً إلى دفع نتنياهو إلى التراجع عن قراره كما حصل إبّان الإقالة الأولى. وإنْ كان ثمة مَن يرى أنه لا رجعة عن القرار مهما كانت الضغوط، إلا أن هناك مَن يعتقد، في المقابل، أن حركة الاحتجاج ستتعاظم، ليس بسبب إقالة غالانت فحسب، بل للدفع إلى إسقاط الحكومة نفسها. أما تعيين كاتس وزيراً للأمن، فهو يكفل لنتنياهو تابعية شبه مطلقة، ويفيده في أكثر من اتجاه: موافقة مضمونة على قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، الوقوف صفاً واحداً أمام أيّ «رأي مغاير» في المؤسسة العسكرية، وربما أيضاً مواصلة سلسلة الإقالات لتطاول مسؤولي تلك المؤسسة كما الأجهزة الأمنية، من دون الاصطدام بمعارضة معتدّ بها تحول دونها.
• في ما يرتبط بالحربَين الدائرتَين في غزة ولبنان، يبدو أن الإقالة لن تؤثّر كثيراً في مسارهما، وخاصة أن أهم ما فيها، وهو قرار بدئها، تم بسلاسة بعدما رضخ غالانت في حينه لكل ما عرضه عليه نتنياهو، وتحديداً سحب الحرب إلى الساحة اللبنانية، والذي كان قد عارضه ابتداءً. أمّا لجهة موعد نهايتها، فكان وما زال لدى نتنياهو، الذي ينتظر كما يبدو الرئيس الأميركي الجديد «ليبيعه» القرار، وفقاً لإرادته. على أنه يبقى ثمة سؤال يشكل محطّ اهتمام عدد من المحلّلين والخبراء في الإعلام العبري، وهو كيف يصدر قرار إقالة وزير الأمن في زمن الحرب، وفي وقت تهدّد فيه إيران بشنّ هجمات غير مسبوقة على إسرائيل، تستلزم سواء للاستيعاب أو الرد، وزير أمن ذا خلفية عسكرية كغالانت، وليس ككاتس؟
على أي حال، فإن مركبات الائتلاف من اليمين واليمين الفاشي، معنية بالاحتفال، بعد التخلّص من غالانت: الحريديم، الذين سيعتبرون أن الطريق بات معبّداً أمام إعفاء جمهورهم من التجنيد في الجيش الإسرائيلي؛ وأحزاب الفاشية من اليمين المتطرف، الذين سيعتبرون أن مشروع طرد الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم في غزة والضفة، بات أكثر معقولية ممّا كان عليه في زمن غالانت؛ فيما نتنياهو، صاحب المصلحة المتعددة في أكثر من اتجاه، سيظل الأكثر استفادة من الإقالة.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار