آخر الأخبار
الرئيسية » قضايا و تحقيقات » في مدى دستورية قانون التمديد لقادة الاجهزة الأمنيّة؟ مغالطات تُوجب الطعن والإبطال

في مدى دستورية قانون التمديد لقادة الاجهزة الأمنيّة؟ مغالطات تُوجب الطعن والإبطال

جهاد إسماعيل

 

بعدما أقرّ مجلس النواب قانوناً يرمي إلى تمديد سن تقاعد قادة الأجهزة الأمنية، تتجه الأنظار مجدداً إلى المجلس الدستوريّ، في حال جرى التقّدم بالطعن أمامه، للبت في مدى دستوريّة القانون الذي نصّ في مادته الوحيدة على ما يلي: «بصورة استثنائية، وخلافا لأيّ نصٍ آخر، يمدّد سن تقاعد قادة الاجهزة الامنية، العسكريين منهم، والذين يمارسون مهامهم بالأصالة أو بالوكالة أو بالانابة، ويحملون رتبة عماد أو لواء».في قراءة متأنيّة للنصّ، نستنتج مجموعة من المغالطات أو الاسباب الّتي يرتكز عليها المجلس الدستوري للطعن به وفق المسار الطبيعي للأمور:

أولاً، جاء في مندرجات القانون المزمع إصداره ونشره في الجريدة الرسميّة عبارة «بصورة استثنائية… لا يزالون في وظائفهم» التي تقودنا إلى مسألتين:

الأولى: إقرار القانون لمرة واحدة، وسريانه، بصورة تبعيّة، على فئة من الضباط المشمولين في المادة ٥٦ من قانون الدفاع الوطني دون آخرين من الضباط، يعني أن تشريعاً قد ميّز بين فئة وأخرى، وحظّر، في آنٍ، من تطبيق مفاعيله، مستقبلاً، على أيّ فئة مماثلة للأشخاص الّذين يستفيدون منه، بما يخالف مبدأ المساواة، كمبدأ ذي قيمة دستورية، باعتراف الدستور، في مقدمته والمادة ٧، وفي قرارات المجلس الدستوري الّتي حرّمت جواز مخالفته الا في حالتين:

1 – عندما يسري القانون المطعون فيه على فئات من أوضاع قانونية مختلفة، في حين سائر الفئات في المادة 56 من قانون الدفاع، المستثناة في القانون المشكو منه، هم من عداد الضباط، أيّ في أوضاع قانونية مماثلة وإن تفاوتت درجاتهم لا فئاتهم.

2 – عندما يتعلق الامر بالمصلحة العامة، أيّ في كلّ مرّة تأتي المخالفة لتسيير مصلحة عامة، بينما أُقر القانون لشخصين او اكثر، باعتبار أن قياس الفائدة أو المصلحة، في هذا المضمار، يستقيم في الأثر المباشر تجاه المخاطبين بالقانون.

الثانية: سريان القانون المشكو منه على شخصين او ثلاثة دون سواهم، وتعميم أحكامه على زمانٍ وغرضٍ معيّنين، وبالتالي مخاطبة أشخاص بعينهم، يخالف صفة التجريد والعمومية الواجب اقترانها بنشأة القاعدة القانونية التي تصدر بشأن أفعال أو أوصاف تمثّل علاقات نمطية ذات طابع موحد، وتتكرر إلى أجل غير معلوم، وتطبيقها على أشخاص عند توافر الشروط حاضراً ومستقبلاً طالما القاعدة القانونية قائمة ونافذة، في حين أن نفاذ القانون المشكو منه مرتبط بمدة ولاية المخاطبين بالقانون، أيّ بأجل معيّن، وفي مفعولٍ مؤقت، وهذا ما لا يتوافق مع قرار المجلس الدستوري الرقم 2/2012 بنصّه «يجب أن يكون القانون واحداً لكل المواطنين، أو واحداً لجميع المنتمين منهم الى اوضاع قانونية متشابهة، ولا يجوز اعتماد قانون مفصّل على اشخاص محددين»، ما يعطي صفة التجرد والعمومية مضموناً دستورياً بحتاً لا تجوز مخالفته عند إقرار القواعد القانونية.

 

ثانياً، يحق للمجلس النيابي التشريع في جميع المواضيع وفي أيّ حين، بحدود ما هو منصوص عنه في الدستور وما يقع في منزلته، وفي الاعتبارات التي يراها مناسبة للمصلحة العامة وحقوق الأفراد، وبالتالي ليس في مقدور المجلس الدستوري إعمال رقابته على هذه الاعتبارات، لأن القضاء الدستوري، وفق النظرية العامة للعدالة الدستورية، لا ينظر في ملاءمة التشريع بل في دستوريته ليس الا. وبما أن المشرّع، في القانون المشكو منه، قد منح التمديد صفة استثنائية كما ظهر جليً في متنه وأسبابه الموجبة ولو بصورة غير مباشرة، مما يعني أن نظرية «الظروف الاستثنائية» هي مسوّغٌ للتمديد كما أراد المشرّع أن يُفصح لنا، وهذا المسوّغ هو حق للمجلس النيابي في تقدير الظروف الاستثنائية التي تستدعي إقرار قوانين لا تنسجم مع الدستور وفق ما جاء في القرار الرقم 2012/2 الصادر عن المجلس الدستوري، لكن عندما يمارس المجلس النيابي هذه السلطة التقديرية تنهض، حينئذٍ، صلاحية المجلس الدستوري في إعمال رقابته على هذا التشريع فور الطعن به، وتسقط، استطراداً، نظرية الملاءمة الحاجبة لرقابة المجلس الدستوري.

علاوةً على ذلك، فإن تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية يتطلب أسباباً أو شروطاً استقر الاجتهاد الاداري والدستوري على وجوب توافرها، وهي:

1 – أن نكون في صدد أحداث غير متوقعة وغير طبيعية، في حين ان ولاية قادة الاجهزة الأمنية غير طارئة على الانتظام الدستوري، لكونها متوقعة، وإذا ما أُريد ربطها بالحرب ومجريات البلاد كما يطلق على تسميتها ظاهراً ، فيُدحض ذلك في ما استقر عليه اجتهاد المجلس الدستوري في أن الظروف الاستثنائية تتحدّد في المكان والزمان، لا على كلّ أنحاء البلاد، أو في فترة زمنية قد تقل أو تزيد عن الظرف الطارئ في بقعة جغرافية معيّنة.

كما أن وقوع الحرب، من الناحية الحقوقية، والسبب المُولج في انتفاء او تخفيف المسؤوليات عن الكيانات القانونية، في لحاظ المشروعية الاستثنائية، يتحتّم في مرسوم إعلانها الواجب صدوره عن مجلس الوزراء سنداً للمادة ٦٥ من الدستور، لا في الخطابات السياسية هنا أو هناك.

2 – أن تعجز السلطة عن انتهاج الوسائل العادية، أي في استحالة التطرف بطريقة أخرى غير تلك التي سلكتها ، بينما كان ممكنا التطرف بالوسائل العادية لا الاستثنائية، لكون هذا العجز هو بإرادة السلطة نفسها لا بقوة الدستور أو القانون.

 

3 – أن يكون الهدف من هذا التدبير تحقيق المصلحة العامة التي افترضها المشرّع أصلاً، في القانون والدستور، عندما أجاز الحلول أصالةً، والبدائل وكالةً، وأقرّ القضاء الاداري اللبناني، تطبيقا لذلك، امكانية انعكاس مدة ولاية تصريف الاعمال على مفهومها وصلاحياتها، وامكانية اتخاذ تدابير ادارية يجب إجراؤها ضمن مهلة قانونية معيّنة، خلافا للحلول الترقيعية الراهنة.

ثالثاً، يعود للمشترع، بموجب صلاحياته الدستوريّة، أن يلغي قانوناً نافذاً أو ان يعدّل أحكاماً قانونية، من دون أن يشكّل ذلك مخالفة لأحكام الدستور أو يقع تحت رقابة المجلس الدستوريّ طالما أن هذا الإلغاء أو التعديل لم يمس قاعدة دستورية أو حقاً من الحقوق الدستوريّة أو مبدأ من المبادئ ذات القيمة الدستوريّة.

إلا أن صيغة القانون لم تأتٍ لتعدّل أو تلغي قانوناً، انما جاءت لتعلّق، مؤقتاً، نصاً من النصوص القانونية، وبهذه الصيغة يكون المجلس النيابي قدّ خالف القواعد الدستورية التالية:

– الفقرة الثانية من المادة 65 من الدستور التي تؤكد صلاحية مجلس الوزراء في السلطة التنظيمية المطلوب ممارستها بمراسيم لا بقوانين، انطلاقا من ان الدستور قد عدّد، على سبيل المثال لا الحصر، المواد التي هي من اختصاص القانون، كتعديل حدود المناطق الادارية (المادة 3)، الجنسية اللبنانية (المادة 6)، تحديد جرم او تعيين عقوبة (المادة 8)، تحديد حدود حرية الرأي والتعبير (المادة 13)، حرمة المنزل (المادة 14)، نطاق نزع الملكية للمنفعة العامة (المادة ١٥)، منح العفو العام (المادة 51)، تعديل الضرائب (المادة 52)، فتح اعتماد استثنائي (المادة 85)، عقد قرض عمومي (المادة 88)، منح امتياز (المادة 89)، وكلّ المسائل المتبقيّة، من الناحية المبدئية، من اختصاص السلطة التنظيمية ما لم تعدّل أحكاماً نافذة بصورة مستمرة لا بصورة آنية ومؤقتة هي، في المبدأ، من خارج أساسيات القاعدة القانونية.

– الفقرة «هـ» من مقدمة الدستور التي تنص على ان «النظام قائم على مبدأ فصل السلطات وتعاونها وتوازنها»، حيث يستفاد من هذا النص انه يحتم على كلّ سلطة ان تمارس صلاحياتها في الميدان الذي اوكله اليها الدستور، وان لا تتجاوز سلطة صلاحيات سلطة اخرى، وان تلتزم كل سلطة حدود اختصاصاتها حفاظا على قاعدة التعاون أو التوازن.

ملء الفراغ من مسؤولية الحكومة والوزير المختص وإغفاله يستلزم مساءلة الحكومة وليس تشجيعها على تعمّد تجاوز الاستحقاقات

 

وعلى ذلك، إنّ تدخل النواب، كما اتى في القرار رقم 99/2 الصادر عن المجلس الدستوري، في اعمال السلطة التنفيذية يشكل خرقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، ذلك أن تعيين موظفي الدولة، بموجب المادة 65 من الدستور، من اختصاص السلطة التنفيذية، وبالتالي إنّ تعليق مفعول نص المادة 56 من قانون الدفاع الوطني بصورة مؤقتة ومحددة، هو، برأينا، تعطيل لصلاحية التعيين المولجة بالحكومة.

– المادة ١٢ من الدستور الّتي تؤكد عدم التمييز بين لبناني وآخر في تولي الوظائف العامة الا من حيث الجدارة والاستحقاق حسب الشروط التي ينصّ عليها القانون، على اعتبار أن هذه المادة تكرّس المساواة أمام الوظيفة العامة، وتدعو القانون إلى تنظيم شروط الاستحقاق والجدارة، فيما قانون الدفاع الوطني على سبيل المثال، في المادة 42، كان قد أشار إلى حق ترقية الضباط عند الاستحقاق، وبالتالي إن التمديد لصاحب الرتبة الأعلى هو حرمان صاحب الرتبة الأدنى من الترقية ومترتباتها على الانتظام الوظيفي داخل المؤسسة الأمنية أو العسكرية.

وما يعزّز هذا المنحى ما جاء في قرار المجلس الدستوري، الرقم 2000/1، بأن خرق مبدأ المساواة في المعاملة في الوظيفة العامة يكون متوافراً عندما يقيم القانون تمييزاً لا يمكن تبريره بسبب معقول.

وبالعودة إلى الأسباب الموجبة لإقتراح القانون المشكو منه، نجد أن الاستقرار في المؤسسة العسكرية او الأمنية، وتاليا الخوف من الولوج في الفراغ، هو أحد العوامل الرئيسية للقانون، في حين أن ما أُقر هو اقرارٌ، ولو عن غير قصد، من السلطة التشريعية بأن سائر الضباط في السلك الامني أو العسكري غير مؤهلين لهذه المهمة، مما يرتدّ سلبا على العلاقات بين العسكريين او الأمنيين من شأنه أن يقوّض الاستقرار نفسه، إضافةٍ إلى أن ملء الفراغ هو من مسؤولية الحكومة والوزير المختص بمقتضى المادتين ٦٥ و ٦٦ من الدستور، حيث يستلزم إغفاله مساءلة الحكومة من الناحية المبدئية، لا تشجيعها أكثر فأكثر على تعمّد تجاوز الاستحقاقات كما حصل في الانتخابات البلدية والاختيارية.

لذلك، هذه المغالطات، وغيرها، تُوجب الطعن بالقانون وإبطاله أمام المجلس الدستوري، شريطةً أن لا تتدخل «السياسة» في نصاب المجلس وقراراته، وتصبح البلاد، والحال هذه، مؤاتية للتطبيع مع التمديد والأزمات المفتعلة عند كلّ استحقاق!

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تنظيم 24 ضبطاً لمخالفات تموينية في السويداء

نظم عناصر مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في السويداء 24 ضبطاً تموينياً لمخالفات مرتكبة في مختلف مناطق المحافظة.‏ وذكر مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالسويداء علاء ...