ميس بركات
في وقت انشغلت الجهات المعنية بتسويق محصول الزيتون وضرب الأرقام وطرحها وصولاً إلى نسبة فائض في المحصول لتصدير زيته، كان همّ الفلاح أن يحصل على “رشفة عسل” من هذا الوفر الذي تغنّت به الوزارات وشغل بال المحللين والخبراء التنمويين في إيجابية وسلبية تصديره على السوق المحلية والمواطن والخزينة العامة و.. لنصل أخيراً إلى موسم الجني واصطدام الفلاح للمرة الألف بالكثير من العقبات والمطبات التي تغيب عن ذهن “المعنيين بالواقع الزراعي” في كل عام بشكل مقصود أو غير مقصود وحصر حساباتهم بفائض المادة لا بخسارة وربح الفلاح!
سرقة واضحة!
وقبيل البدء بقطف المحصول بأشهر صدرت التصريحات من مكتب الزيتون في وزارة الزراعة متوقعة وصول إنتاج محصول الزيتون لموسم 2022 إلى نحو 820 ألف طن مقارنة بالموسم الماضي الذي لم يتجاوز 560317 طناً، وسط تركز أكثر من 40% من الإنتاج الإجمالي لهذا العام في اللاذقية وطرطوس، الأمر الذي فتح أبواب النصب والاحتيال والجشع على مصراعيه أمام عمال القطف وأجرة السيارات التي تنقل المحصول وصولاً إلى المعاصر التي ضاعفت نسبة سرقتها من هذا المحصول على أعين الكثير من الفلاحين الذين اشتكوا مراراً وتكراراً من عدم توافق نسبة حجم محصولهم مع نسبة الزيت التي حصلوا عليها، إذ يجمع فلاحي الريف الغربي من منطقة مصياف على عدم رضاهم عن كمية الزيت التي حصلوا عليها وتأكيد شكوكهم بقيامهم بتوزيع المحصول على معصرتين ووجود فارق كبير بنسبة وكمية الزيت التي حصلوا عليها بين المعصرتين علماً أن محصول الزيتون هو من ذات الأرض، الأمر الذي يؤكد تعرض الفلاح لعملية نصب واحتيال من المعاصر التي اعتادت على “لطش” القليل من محصول كل فلاح إلّا أن وفرة الإنتاج هذا العام شرعنت لهم السرقة بوفرة.
موسم للموظف
ومن يراقب حال الموظفين في الدولة خلال الشهر الفائت سيلحظ حصولهم على إجازات طويلة للعمل في موسم القطاف الذي يعتبره الكثير منهم موسم “لترقيع” مخلفات أشهر المونة والمدارس، إذ تجاوزت يومية عامل قطاف الزيتون في بعض المناطق الـ “40” ألف، بالتالي حصول الموظف الحكومي على أكثر من ضعف راتبه خلال أسبوع من العمل في الأرض، في المقابل وجد الفلاحون بهذه الأرقام الكثير من الغبن والاستغلال بحقهم والذي يمتد إلى أجور نقل المحصول إلى المعصرة وعصره وما يرافقها من غلاء أجور النقل وغلاء المحروقات التي ترفع أجور العصر في ظل انقطاع الكهرباء، واضطرار أصحاب المعاصر كباقي القطاعات لشراء المحروقات من السوق السوداء، ناهيك عن حصول المعاصر على 10% من إنتاج الزيت من يريد عصر محصوله أو ما يقابلها من مال “كاش”، ليحصل الفلاح على هامش ربح ضئيل في حال صدقت الشائعات التي تصدرت منذ أيام صفحات التواصل الاجتماعي مصدرها -رئيس جمعية المعاصر- والتي يؤكد فيها أن سعر صفيحة سينخفض إلى 200 ألف ليرة سورية.
تعاون الجهات
وبين ترقّب الفلاح لاستقرار سعر الزيت أو حتى ارتفاعه لدفع أجور العمال والمعصرة وبين تصريحات الجهات المعنية التي تُفاءل المواطن بوفرة الإنتاج بالتالي انخفاض سعره وعودته إلى موائدهم، لا زالت المادة برسم انتظار تسعيرتها ولا زال “الحكي مجرد قيل عن قال”، ولا زال تواجد المادة على الموائد خجول، برأي الدكتور سليم الداوود “كلية الزراعة” الأمر الذي يفرض التعاون على جميع الجبهات بدءاً من الفلاح وصولاً للتجار لإيصال هذه المادة بسعر مقبول لأكبر قدر ممكن من المستهلكين دون التلاعب الحاصل بشدّة اليوم في سعره مع تحقيق هامش ربح مرضي للفلاح الذي يدفع ضريبة الخسارة في كل موسم من جيبه في حين تنعم باقي الجهات عدا المواطن بالعسل، وانتقد الداوود التصريحات الأخيرة التي تشير إلى انخفاض سعر الزيت في حين لا زال يباع بسعر العام الفائت ناهيك عن بيع الزيت المخزّن مع الزيت الجديد بذات السعر دون أي انخفاض يذكر أو رقابة من دوريات التموين “السريّة والعلنية”، فالحديث عن انخفاض السعر أو ارتفاعه لا يمكن حصره بوفرة إنتاج الزيتون لهذا العام بعيداً عن الضريبة الكبيرة التي دفعها الفلاح ليصل الموسم إلى المعاصر بدءاً من سعر لتر البنزين الذي يدفعه الفلاح بالسعر “الحر” 9000ليرة و7000 ليرة للتر المازوت وانتهاء بالمبيدات وأجور اليد العاملة والمعاصر، التي ازدادت أيضاً، ونوّه الدكتور الزراعي إلى عدم تجاهل ضعف القدرة الشرائية للمواطن وعدم قدرته حتى لو انخفض سعرها على شراء حاجته على مدى عام كامل كما كان يفعل قبل الحرب، بالتالي من المفروض التفكير برفع الأجور والرواتب وخفض أسعار جميع السلع الأساسية وتوفير المحروقات والأسمدة بسعر مقبول ومن ثم خفض سعر الزيت والتفكير بتصديره، وعن خسارة الكثير من الفلاحين خلال هذا الموسم نتيجة تعرضهم للسرقة في المعاصر أكد الداوود على وجود هذه الظاهرة منذ زمن لكن بنسب قليلة لم يكن يأخذها الفلاح بالحسبان، إلّا أن ضعف الرقابة اليوم وغياب ثقافة الشكوى عند غالبية الفلاحين مع عدم ثقتهم بأخذ حقهم في حال الشكوى أدى لتفاقم هذه الظاهرة ووقع الفلاحين في خسائر متتالية، الأمر الذي يُحتّم تكثيف جولات اللجان المختصة بمراقبة المعاصر وإيجاد طرق تتيح للفلاح التأكد من صحة عملية عصر الموسم وإلّا سيصل موسم الزيتون في المستقبل القريب إلى ما وصلنا إليه في حقول الحمضيات والتفاح.
عقوبات مالية
مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة عبير جوهر نفت وجود ما يسمى جمعية معاصر في سورية، مشيرة إلى توجه وزارة الزراعة لإيجاد هذه الجمعية العام المقبل، بالتالي التصريحات التي تحدثت عن انخفاض سعر الزيت غير صحيحة ومجهولة المصدر، وعن تعرض الفلاحين للسرقات في المعاصر لفتت جوهر إلى وجود لجان فنية في المحافظات مهمتها الرقابة على عمل المعاصر ومدى التزام المعاصر بجودة الإنتاج وشروط النظافة الصحية بهدف إعطاء منتج صحي، مشيرة إلى العقوبات التي تتم بحق المخالفين حيث تم التوجيه شفهياً بفرض عقوبات مالية للمعاصر المخالفة بسبب ضغط الإنتاج هذا العام والحاجة لعمل جميع المعاصر، أما عقوبة الإغلاق ستكون للمعاصر التي يتم تقديم شكوى من قبل الفلاح وكان الضرر الذي لحق به من تجاوز المعصرة كبير حيث تم توجيه كتب رسمية لهذه اللجان للتدقيق في عملها، وحول تساؤل الفلاحين عن عدم رؤيتهم لهذه اللجان وتعرضهم للسرقات في المعاصر هذا العام أكثر من كل عام لم تخف مديرة مكتب الزيتون حصول تجاوزات من قبل هذه اللجان وورود شكاوى إلى التموين من الفلاحين بعدم حصولهم على حقهم ويتم متابعة الموضوع من قبل الجهات المعنية ومعاقبة المخالفين، وحول التلاعب بأجور العصر لفتت جوهر إلى أن أجور العصر تختلف من محافظة لأخرى بحيث يتم مراعاة ظروف الإنتاج من حيث المحروقات أو المخلفات الثانوية الناتجة عن عملية العصر والتي يستفيد منها صاحب المعصرة لاسيّما وأن أسعارها ارتفعت بشكل كبير، لافتة إلى وجود صعوبات كثيرة تواجه عمل المعاصر أدت لإغلاق الكثير منها أبرزها عدم توفر المحروقات الكافية لعملها.
سيرياهوم نيوز 6 – البعث