كتب : مصطفى المقداد
التساؤل الذي يفرض ذاته دوماً ما إذا كان الرئيس الشرع يعمل على إقامة دولة قابلة للحياة والاستمرار، أم أنه يعتقد بما قام به خلال الشهور الخمسة الماضية يستطيع أن يفرض، أو يقدم المنتج الحكومي الراهن على أساس إمكانية استمرار هذا الوضع باعتباره دولة متكاملة الأركان ومكتملة الشروط؟ وهل ثمة رؤية أو فكرة للبحث عن قارب خلاص يمكن أن يصعد فيه أو يقوده بحيث يستطيع تحقيق مشروعه في الدولة المنتظرة خلال السنوات الخمس التي حددها كمرحلة انتقالية يتفرد فيها بالسلطات كلها، ويحظى بالدعم والتأييد محلياً ودولياً، وهو ما يصعب تحقيقه ، فما هي عوامل تحقيق هدف الدولة المنشودة؟
– يمكن أن نسجل بداية أن الرئيس الشرع وإدارته، يحظى بدعم دولي، وأوروبي بشكل خاص بما لا يترك مجالاً للشك لدى أي عاقل، ويقف خلف ذلك دعم خليجي سعودي وإماراتي وقطري تحت نظر الإدارة الأمريكية وموافقتها، الأمر الذي يمنح إدارة الشرع قوة دافعة لتوقيع عقود واتفاقيات يمكن أن تخرج سورية من مرحلة الدولة الفاشلة التي لا تستطيع القيام بمهماتها الإدارية والوظيفية المختلفة.
– سجلت زيارة فرنسا، والاستقبال الذي حظي به، والمؤتمر الصحفي، والاستعداد للإجابة على أكثر الأسئلة إحراجاً، واتساع دائرة التأييد الشعبي، مقابل مظاهرة احتجاج محدودة العدد، سجلت رسائل ينبغي الوقوف عندها مطولاً، أولها أن دعوات الحماية الدولية لا تجد أي أذن في أوروبا، باعتبار أن فرنسا بوابة الدخول الأوروبي، وإن اختلاف التقييمات لن يغير من الموقف السياسي المشترك للاتحاد الأوروبي، وما التوصيفات الشعبوية التي حاولت أن تقلل من أهمية الاستقبال والحديث خارج الوقائع المعروفة ونظام بروتوكول الاستقبال في فرنسا، يضع تلك التحليلات في ميدان الترهات ومحاولات الإساءة التي لا تستند إلى وقائع صادقة، وإنما تصوغ خيالات تحولها إلى إكاذيب لا تساعد المعارضة في عملها، لكنها تضعف موقفها وتقلل من أهميتها وبالتالي دورها الذي يضعف ويتعرض للرفض من قبل الشارع السوري بعامة.
– النقطة المركزية الأساس تبقى في الموقف الوطني العام الذي بدأ مؤيداً للشرع منذ اللحظة الأولى لإسقاط حقبة الأسد وتخليص سورية من الاستبداد والقهر والخوف، وقد استبشر المواطنون الكثير من الخير اعتقاداً منهم بأنهم سيصلون إلى دولة العدالة والقانون والمواطنة المتماثلة على قدم المساواة، واقتصار المحاسبة على المجرمين الحقيقيين ممن تفننوا في قتل الشعب وتعذيبه والتنكيل به، لكن الإجراءات اللاحقة، سواء تشكيل الحكومة الأولى أو الحكومة الانتقالية وما رافق أيامهما من تجاوزات أمنية وتهديدات بنيوية جادة، تسببت بتراجع حالة الرضا والدعم والتأييد الشعبي، بسبب حالة الإقصاء للمجموع الأكبر، والاستئثار بالسلطة وتركيزها في يد مجموعة ضيقة، هي مجموعة أهل الثقة، في تجاهل كامل لعوامل إدارة الدولة ومؤسساتها التي تحتاج تراكم خبرات إدارية وقانونية وفنية لا يمكن بناؤها بين عشية وضحاها.
– بالعودة إلى المواقف الدولية، فإن حالة الرضا الخارجي متمثلة في تجاوز المجتمع الدولي لقرارات مجلس الأمن الدولي وخاصة القرار٢٢٥٤، وحتى القرار ٢٢٥٣ ، والحديث عن مرحلة انتقالية بإدارة سورية يشارك بها كل السوريين بإشراف دولي، وبدأت الوفود العربية والدولية تتوافد إلى قصر الشعب تبارك تلك الخطوات وتطلب أو تتمنى تنفيذ إجراءات تدعم مساعيهم للمطالبة برفع العقوبات الأمريكية والأوروبية،
وفي جانب ٱخر فإن مجرد تنظيم زيارة لفرنسا الأمر الذي يعطي الرد الرافض للمطالبة بالحماية الدولية، لنطرح هنا السؤال الصعب الذي يتناوله جميع السوريين بكثير من التخوف والقلق من مستقبل الدولة في الوقت القريب، مع تزايد الشروط الدولية وبدء تنامي بناء مجموعات معارضة سياسية أو عسكرية داخل سورية وخارحها، فهل هناك من إمكانية لمواجهة التحديات المتزايدة، والحفاظ على المقدمات التاريخية الناتجة عن إسقاط حكم الاستبداد والديكتاتورية والقمع، والحفاظ على دولة العدالة والمساواة، وتحنيب البلاد مواجهات دموية قد تدعمها قوى جارجية أو داخلية، فهل من قارب نجاة يمكن للشرع استخدامه؟ وهل ثمة إمكانيات لبناء الدولة المنشودة والاستفادة من السنوات الخمس الانتقالية دون منغصات أو مواجهات صعبة؟
لا أدعي أنني أقدم نصائح، أو أمتلك برنامجاً إصلاحياً متكاملاً لدولة منشودة، لكنها رؤى وتصورات خبرتها من عقود من العمل السياسي في ظروف بالغة الصعوبة، أعطت الرؤية الوطنية جل اهتمامها ووقتها.
إن استبعاد الجمهور الأكبر من المشاركة السياسية والاقتصادية والإدارية يمثل الخطأ الأول للعهد القادم، وهو التحدي الأكبر لإدارة مؤسسات الدولة بعد عقود الفساد والترهل، فالجسم البيروقراطي للحكومة كفيل بمتابعة تنظيم عمل المؤسسات بعيداً عن الخلفية العقائدية والسياسية، وهم الجمهور الأكبر من موظفي القطاع العام الذين يستخدمون علمهم وخبرتهم كمصدر رزق وخدمة تقدم لرب العمل دون النظر إلى خلفيته، وهنا يجدر الإشارة إلى أن التصريحات التي تتحدث عن إعادة الموظفين وفق برامج وسياسات مؤقتة، إجراءات لا تقنع أحداً بجدواها، فكيف يكون التعاون الحقيقي والمنتج في ٱن؟
إن العمل السياسي الجامع هو مفتاح الحل داخلياً ودولياً في ذات الوقت، فإن القوى الوطنية لم تغب يوماً عن دائرة الفعل، وإن تم قهرها وقتلها واستبعادها فيما سبق، فإن طليعتها ما زالت موجودة على كامل امتداد الجغرافية السورية، وهذه الطليعة هي الكفيلة بالرد على دعاة الاستقواء بالخارج والمطالبين بالحماية الدولية، وكل ما تحتاجه تلك الطليعة هو تأطير عملها والنسيق الٱمن فيما بينها لعقد مؤتمر حوار وطني حقيقي، يمتد شهوراً يصوغ الركائز المتينة بمشاركة فاعلة من إدارة الشرع، فتطرح المخاوف الوطنية في كل منطقة، وتصاغ ٱليات تجاوزها ضمن عقد اجتماعي، يراه السوريون سهلاً، فمن عاش مئات السنوات في ظل تنوع متعاون لا يصعب عليه تقديم الضمانات للمتخوفين من المستقبل، وهم يعرفون من يقف خلف زرع تلك المخاوف، وليس أقدر من الدولة من تقديم الضمانات للمواطنين كافة وبناء دولة العدالة والقانون والمساواة التي يتطلع إليها الجميع، وهم يسعون للوصول إليها، فنجدهم يختلفون على الطريق والٱليات والأسلوب الواحب.
إن عقد مؤتمر وطني جامع، تتم مناقشاته في العلن، وليس ضمن جدران مغلقة، يعطي القوى الوطنية حقها ومكانتها ودورها، يستفيد من أخطاء وجرائم الماضي، ويضعها في سياقها التاريخي الصحيح، ويضع أسس البناء المستقبلي لوطن عزيز وكريم يمكن أن يمثل الحل الموضعي لتجاوز العقبات الكثيرة، ويضع سورية في موقعها الإقليمي والدولي، وينهي حالات التنافر والاختلاف، ويصوغ حلولاً للمشكلات التي أفرزتها سنوات الثورة، وبذلك فإن طوق نجاة البلد بأكملها محصور بيد الرئيس أحمد الشرع وإدارته، للنظر بواقعية وفهم ومعرفة للتهديدات القائمة، فهل يضع ذلك القارب في مجراه الصحيح، ويختار طريق النجاة لبلد كان حاضراً وفاعلاً في كل مراحل التاريخ..
(أخبار سوريا الوطن ١-صفحة الكاتب)