| وسام كنعان
يبدو أنّ شركة الإنتاج السورية وضعت نصب عينيها خطّة قائمة على غزارة الإنتاج والاكتفاء الذاتي. مشاريع منوّعة، على رأسها عمل شامي، ومدينة إعلامية ضخمة سينتهي تشييدها قريباً
البناء المترف يدفع الزائر إلى التوقّع أنّ الشركة على أبواب خطة جديدة قائمة على غزارة الإنتاج، بعيداً عن طريقة العمل التي كانت سائدة خلال السنوات الأخيرة. هذا ما يؤكّده «الحجي» (اللقب المتداول للمنتج السوري)، لكن سرعان ما يعود ويذكر أنّ كل ما يحصل من تطوّر في مؤسسته «لن يؤثر على استمرارية «باب الحارة» الذي سيصوّر أيضاً في المدينة الخاصة بنا. لكن يمكن تصنيف «بيت أهلي» على أنّه الأضخم في تاريخ شركتنا، وسنتفق مع مجموعة كبيرة من النجوم على تأدية أدواره الرئيسية، وقد تكون ميزته أنّ كاتبه فؤاد شربجي صاحب مدرسة حقيقية، ولعلّه من أوائل من كتبوا في هذا المجال، وخصوصاً في مسلسل «أبو كامل» الشهير».
صحيح أنّ الخطة الإنتاجية لـ«قبنض» هذا العام تشمل أعمالاً كثيرة، لكن التركيز حالياً على «بيت أهلي»، الذي سـ«يدفع بروح جديدة للعمل الشامي، ويحقق ضربة نوعية على مستوى الدراما العربية». ويتوقّع المنتج أن تدور الكاميرا بمجرّد استكمال التعاقدات مع النجوم خلال 25 يوماً كحدّ أقصى. ويشير قبنض إلى أنّ الشركة فتحت صفحة جديدة مع كل من تعاملوا معها سابقاً.
من ناحيته، يتطرّق المدير التنفيذي للشركة، أيهم قبنض، إلى حضور الأعمال الشامية سنوياً، قائلاً: «الأمر لا يتعلّق بالتسويق فقط، بل تماشياً أيضاً مع مزاج الجمهور العربي الذي يحبّذها».
اختيار نصّ فؤاد شربجي الذي يعد هنا بتقديم دفقات معرفية وحالة توثيقية من دون التخلي عن لغة المتعة وعنصر الجذب، يشي بأنّ الشركة السورية قرّرت في جزء من شغلها مجافاة منطق الفرجة الشعبية واللغة الدرامية الساذجة التي يقدمها «باب الحارة» بنسخته «القبنضية»! حول هذا الموضوع، يفيد المدير التنفيذي بأنّ «الهدف من هذا المشروع هو الرغبة الحقيقية لدى الشركة بالتنويع! ولأكونَ صريحاً معكم، حتى هذه اللحظة «باب الحارة» يحقق متابعة جماهيرية عالية، على الرغم من الانتقادات…».
أما عن فكرة الاكتفاء الذاتي والرغبة في أن تكون كل مستلزمات التصوير ملكاً للشركة، فيقول قبنض الابن إنّه «حين عملت في مصر رأيت نظام شغل مختلفاً، ورغبت في نقل هذه التجربة إلى سوريا… هكذا، كان القرار ببناء مدينة إنتاجية للأعمال التاريخية والشامية والمعاصرة والبرامج التلفزيونية».
أما المنتج المنفّذ ورأس الحربة في الخطة الجديدة، فراس الجاجة، فيشير إلى أنّه جرّب أن يقدّم «مقترحاً يحقق فيه القاعدة التسويقية بشكل مناسب لتحقيق دورة رأس المال، ولكي تتمكّن الشركة من تحقيق الربح. لكن هذه المرة بالاعتماد على شيخ كار هذا النوع، وهو فؤاد شربجي الذي كتب أهمّ الأعمال الشامية تاريخياً»، مؤكداً أنّ «الأهم في كل ما يحصل اليوم في «قبنض» هو ملف المصالحات مع الجميع واتّباع سياسة صفر مشاكل لمواجهة الضغوط الاقتصادية التي نعانيها في البلاد».
وبالعودة إلى «بيت أهلي»، يشدّد مخرجه عبد الباري أبو الخير على أنّ العمل يقدّم مجموعة منوّعة من الأنماط الاجتماعية، وليس فقط ما اعتادته الدراما الشامية. هكذا، «نواكب هذه الشخوص من خلال سياق الحكاية، لتطلعنا الأحداث على كيفية احتكاك الشخصيات بعضها ببعض. على سبيل المثال، نتابع طبيبة وحياتها الدراسية وعالمها وطريقة اختلاطها بأهل الحارة وصيغة تعاملها مع النساء فيها، كما نلاحق مصائر شخصيات ذكورية بأطيافها السياسية المختلفة وانتماءاتها الحزبية المتباينة. وكلّه ضمن إطار الحكاية التي تفتح على شاب يعود من الغربة في رحلة بحث عن صديقه المغيّب في السجون، وغير ذلك من أحداث لاهبة، وخصوصاً رغبة سكان حيّ شامي بالحفاظ على تراثهم، ولو بذلوا الغالي والنفيس من أجل ذلك». ويضيف أبو الخير: «الحكاية تتطوّر بسلاسة، وحتى الصراعات فيها مبررة بعيداً عن منطق الافتعال والاستعراض المجاني، والجوهر الأساسي ربما يكون وجودياً له علاقة بحيّ دمشقي عريق».
لكن التجارب أثبتت أنّه كي يتمكّن العمل الشامي من تحقيق جماهيرية، يجب أن يذهب باتجاه الفرجة الساذجة والأسلوب المعتاد الذي سبق أن كرّسه الراحل بسّام الملا، لذا ربما تحمل هذه النوعية من الأعمال التوثيقية خطراً في موضوع الجماهيرية. يردّ أبو الخير: «القاعدة الشعبية الجماهيرية محيّرة وفيها قوانين غير ثابتة للتلقّي، إلا أنّني أؤمن بأنّ تحقيق شرط المتعة، سواء كانت بيئة شامية أو حكاية شعبية أو عملاً تاريخياً، مرتبط بكيفية تبني سياق درامي فيه حالة متعة. وفي اعتقادي، يحمل هذا العمل شخصيات منوّعة ضمن البناء الدرامي، كما فيه الشرط الذي يرضي ذائقة المتلقّي».
العمل دراما اجتماعية شامية، تجري أحداثها في حارة في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين
يضرب مخرج «الإمام» (كتابة محمد اليساري) مثالاً من شخصيات مسلسله، فيقول: «سيشاهد الجمهور شخصية «برو اللتات» وهو رجل مصاب بحمى نقل الكلام والأخبار بطريقة كوميدية، ولكن في لحظة مفصلية وذروة درامية نكتشف أن خلفه شيئاً عميقاً يمكن قراءته بمنطق فلسفي… ما أقصده أنّ هذه الدهشة تخلق عندما نكتشف الشخصية ونتعرف إلى تفاصيلها، على مدار أكثر من حلقة، وفق تصاعدها الحكائي…»
رغم الغياب الطويل الناجم عن انشغاله بمشاريع إعلامية والحرب وتردّي الحالة الإنتاجية، يبدو فؤاد شربجي متحمساً للعمل. «عندما قررت كتابة «بيت أهلي» كنت متأثراً بحال الدراما التلفزيونية الموصوفة بالبيئة الشامية. ولأنّني كنت في مقدمة من كتبوا في هذا المجال وحزنت على ما أصابه من عيوب، أحببت أن أبادر للمساهمة في إعادة الاعتبار إلى الدراما الاجتماعية للحارة الشامية، وخصوصاً أنّني أعتبر الشام نموذجاً مجتمعياً يمثل معظم مدن المنطقة». ويتابع: «عمدت في «بيت أهلي» لأكون أميناً على الغنى الاجتماعي والإنساني لهذه البيئة وما تقدمه من عمق درامي يخلق صراعات مؤثرة ويشعل عواطف متأججة، تعبّر عن وجدان هذه البيئة في سعي الإنسان إلى الحب والزواج وتأسيس العائلة، وإلى الحرية والاستقلال والارتقاء الاجتماعي والعلمي».
أما عمّا يميّز هذا العمل، فيقول كاتب «الخشاش» (إخراج بسّام الملّا) إنّه «قصة حب تولد من معاني البلد وحضارته. دراما عميقة تتفاعل فيها المشاعر لتبني حياتها وحياة أهلها، وهي سيرة أهل تختزن شحنات الخير والحنان والبناء والكرامة… إنّها حكاية حب يبني ويعمل في مواجهة طمع يغدر ويسلب ويقتل ويدمّر… حكاية حب نشر شرّاً في بيئته الحضارية، ليدافع عن كرامتها وحريتها وحياتها وبلدها… حب ورث كل جميل من حضارة الحب في بلاد الشام…».
وحول الجوهر الحكائي للمسلسل، يشدّد على أنّه «دراما اجتماعية شامية، تجري أحداثها في حارة شامية في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين. كما أنّه يعكس استجابة هذا المجتمع للظروف المحيطة به، وللأخطار التي يواجهها، عبر دراما اجتماعية تطأ اللحظة التاريخية، عبر صراع درامي يقظ ينطلق من الشخصي إلى العام».
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار