ريم هاني
قوبل إعلان دونالد ترامب عن «ولادة فجر الشرق الأوسط الجديد»، عقب التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، بردود فعل «ساخرة» في أوساط المحللين الغربيين؛ ففي حال كان البعض مقتنعاً بأنّ إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، تبحثان عن «سلام» مستدام في المنطقة، أو أنّ الأولى ستلتزم، فعلياً، باتفاقٍ لوقف إطلاق نار، وتُلغي، بين ليلة وضحاها، تبعات عامين من الإبادة، فإن عدداً متزايداً من المراقبين في الغرب يتبنون وجهة نظهر مغايرة، معتبرين أنّ حديث ترامب عن شرق أوسط «جديد» هو تجاهل صارخ للتاريخ والحاضر، والذي قد يخلق ردود فعل انتقامية عكسية، بدلاً من جلب «السلام» المنشود.
ويرد في تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» أنّه بعد عامين من الإبادة، أصبحت دول الشرق الأوسط ترى بشكلٍ متزايد أن إسرائيل هي التهديد الرئيسي المُشترك لها، نظراً إلى أنّ الأخيرة، ومن خلال حربها على غزة وسياساتها العسكرية التوسعية، تحاول إعادة صناعة شرق أوسط جديد «على مقاس طموحاتها الاستراتيجية» وبطرق لم يكن يتوقعها كثيرون.
عليه، أصبحت الدول التي كانت تنظر سابقاً إلى إسرائيل كشريك محتمل، بما في ذلك الممالك الخليجية، تعتبر أنّ تل أبيب تحولت إلى «طرف خطير، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته». وفيما أعلن ترامب وبنيامين نتنياهو عن «خطة سلامهما» الجديدة، واحتفلا بها كاختراق كبير وطريق لإعادة الاستقرار إلى المنطقة، فإنّ آفاق نجاحها تبدو ضعيفة، طبقاً للمصدر نفسه، ما دامت إسرائيل تواصل سلوكها العدواني وتتجاهل المطالب «والمخاوف المشروعة للفلسطينيين».
إلى ذلك، ورغم ترحيب عدد من قادة المنطقة بالإعلان، فإنّ الخطة تبدو غير قادرة على «إصلاح الضرر» الذي أنتجه عامان من الحرب؛ إذ إنّه قبل هجمات أكتوبر 2023، كانت إسرائيل، بدعم أميركي قوي، تأمل في إعادة تشكيل المنطقة لصالحها، مقدّمة نفسها كشريك للحكومات العربية ومتجاهلة خصومها، وخصوصاً إيران. أمّا اليوم، فقد عزلت نفسها، وجعلت الدول العربية تتردّد في تحمّل الكلفة السياسية والضرر الذي سيلحق بسمعتها في حال تعاونت معها.
على أنّ ما يحصل لا يعدّ «خبراً سيئاً» بالنسبة إلى إسرائيل فقط، بل أيضاً إلى الولايات المتحدة، عقب تقويض الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل مكانة واشنطن في المنطقة؛ فبعدما كان التهديد الإيراني يدفع دول المنطقة إلى التقرّب من الخط الأميركي، باتت صورة إسرائيل العدوانية تدفع بتلك الدول اليوم إلى الابتعاد عن الولايات المتحدة، فيما يتعين على واشنطن أن تدرك جيداً التغيّرات الجارية في الشرق الأوسط، والتي لن يكون الاتفاق كافياً وحده لتعديلها.
وفي حال رفضت كبح جماح إسرائيل ولم تسعَ إلى إيجاد حلّ سياسي عادل للقضية الفلسطينية، فإنها تخاطر بإضعاف علاقاتها مع شركاء إقليميين أساسيين وفقدان نفوذها في النظام الإقليمي الناشئ. كما إن تجاهل المسألة الفلسطينية والسماح لإسرائيل بالتصرف بعدوانية من دون محاسبة سيؤجّجان «موجة جديدة من التطرّف»، تهدّد المصالح الأميركية واستقرار المنطقة والأمن العالمي.
وطبقاً لأصحاب الرأي المتقدم، أثارت الممارسات الإسرائيلية غضباً عارماً في جميع أنحاء العالم العربي لدرجة أن أي شكلٍ من أشكال الانحياز الواضح لإسرائيل أصبح تهديداً مباشراً لشرعية الأنظمة وأمنها. ووفقاً لتحليل استطلاعات رأي، أجرتها مجموعة «الباروميتر العربي» البحثية أخيراً، فإن الدعم الشعبي للتطبيع مع إسرائيل ما يزال منخفضاً جداً في جميع أنحاء المنطقة (في المغرب انخفض التأييد من 31% عام 2022 إلى 13% عام 2023).
كذلك، تُسرّع سياسة الغطرسة الإسرائيلية وتيرة العسكرة وتنويع الاستراتيجيات الدفاعية في جميع أنحاء المنطقة. فقد وسّعت السعودية، مثلاً، بالفعل تعاونها مع الصين في مجال الصواريخ والطائرات المسيّرة، وتسعى إلى زيادة توطين الإنتاج الدفاعي. كما وقّعت اتفاقية تعاون دفاعي مع باكستان، وأعربت عن رغبتها في شراكات أمنية بديلة، وبناء علاقات مع «قوى إسلامية شقيقة»، خارج إطار الهيكل الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة.
ستؤجج عدوانية إسرائيل موجة جديدة من «التطرّف» التي تهدّد المصالح الأميركية
من جانبها، كشفت تركيا، في آب الماضي، عن نظام الدفاع الجوي المتكامل الذي يعرف باسم «القبة الفولاذية»، ما يشير إلى تحول عقائدي، في وقت يشعر صناع القرار الأتراك الآن بأنهم ملزمون بقياس قدراتهم مقابل قدرات إسرائيل، ناهيك بالأضرار التي لحقت باتفاقيات «أبراهام»، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وقمة النقب، وتحالف «I2U2». وبعدما افترض المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون أن التطبيع مع إسرائيل مسألة حتمية، فإنّ هذه الرؤية بدأت تنهار، بعدما جعلت السياسات الإسرائيلية ملف التطبيع «قضية حساسة»، بل حتى «تهديداً داخلياً واستراتيجياً للقادة العرب وحكوماتهم».
على الضفة نفسها، سيطرت النظرة «التشاؤمية» على التحليلات المحيطة بخطة ترامب، ومدى قدرتها على إحداث تغيير فعلي، في وقت لم تخفِ كل من إسرائيل والولايات المتحدة نيتهما احتلال الأراضي الفلسطينية، وإن كانت واشنطن، تحاول، في الوقت الراهن، الإيحاء بأنّ ضمّ الأراضي الفلسطينية ليس ضمن «أجندتها».
في الإطار، أفادت مجلة «فورين بوليسي»، في تقرير، بأنّ خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة تفتقر إلى خارطة طريق واقعية لتحقيق أي تقدّم فعلي، ولا سيما أنّ نتنياهو بدأ بوضع قيود على إدخال المساعدات حتى قبل أن تبدأ بالتدفق. يضاف إلى ذلك، أنّ الاتفاق نفسه غامض ويعتمد على افتراضات «بطولية» غير واقعية مرتبطة بعدة أطراف إقليمية. على أنّ ما تقدم لا يعني، طبقاً للتقرير، أنّ الحرب ستعود على نطاقها الأوسع، في وقت يبدو أنّ «الحد الأدنى» من الاتفاق سيطبق، بعدما «أصبحت جميع الأطراف مقتنعة بأنها حققت أقصى ما يمكن تحقيقه من الحرب».
إلى ذلك، يزيد الهدف الإسرائيلي المتمثل في القضاء على «حماس» واستبعادها من إدارة غزة بعد الحرب الوضع تعقيداً، في وقت لا تبدي الحركة أي نية في نزع سلاحها وتعيد فرض سيطرتها على القطاع، «مستهدفة الفصائل المدعومة من إسرائيل» التي تحاول ملء الفراغ. ولا توجد خطة واضحة لمن سينفذ نزع سلاح «حماس» أو يحل محلها في حفظ الأمن، فيما تشير تجربة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى أن إسرائيل سترفض أي قوة شرطة فلسطينية مسلحة، ومن غير المرجح أن تكون قوات حفظ السلام الدولية أو العربية فعّالة من دون تعاون من جانب «حماس»، كما إن إسرائيل لن تثق بها لتلبية متطلباتها الأمنية.
ويتابع التقرير أنّه في المستقبل، من المرجح أن يصبح استهداف «حماس» ذريعةً لا سبباً، في وقت لا يخفي المستوطنون اليمينيون الذين يهيمنون على الحكومة الإسرائيلية الحالية طموحاتهم المستمرة حول ضم غزة والضفة الغربية، ومن المتوقع أن يستغلوا بالتالي كل فرصة لضمان فشل وقف إطلاق النار.
وبحسب المصدر نفسه، ليست وحدها الإخفاقات الإسرائيلية – الفلسطينية السابقة هي التي تخيم على وقف إطلاق النار الحالي فحسب، بل ما يحصل في غزة يشبه بشكل مثير للقلق أخطاء الاحتلال الأميركي للعراق؛ إذ إنّ غياب الأمن والنظام سيجعل تأسيس حكم فعّال أو بناء شرعية سياسية مستحيلَين. كما إنّ أي محاولة لنزع سلاح «حماس» بالقوة قد تأتي بنتائج عكسية، فيما سيضع استمرار سيطرة الحركة أي إدارة جديدة «تحت رحمتها». وفي حال تم إنشاء وصاية دولية على غزة، فإنها، كما حدث مع إدارة الاحتلال الأميركي في العراق، لن تمتلك السلطة الحقيقية ولا الشرعية لدى الفلسطينيين الذين يطمحون إلى إقامة دولتهم، وليس إلى «وصاية دولية». وبدلاً من أن تتحول غزة إلى «مدينة حديثة ومزدهرة» كما يُروَّج، فإن السيناريو الأقرب هو استمرار العنف المنخفض الوتيرة وانهيار اقتصادي وفشل في الحكم و«تصاعد التمرد».
وفيما تأمل إسرائيل في أن يؤدي وقف إطلاق النار إلى إنهاء عزلتها الدولية والتخفيف من الغضب العالمي تجاه الدمار الذي ألحقته في غزة، إلا أنّ هذه الآمال لا تزال «مبكرة وغير واقعية»، نظراً إلى أنّ صورتها لن تتغير من دون تحوّل حقيقي نحو «التعايش السلمي مع الفلسطينيين»، وهو ما لا يحدث حالياً، طبقاً لأصحاب الرأي المتقدم، مشيرين إلى أنّ «ما يجري في غزة أحدث تحولاً عميقاً في نظرة العالم إلى إسرائيل، وهو تحول يشبه تأثير غزو العراق على صورة الولايات المتحدة، ولن تُبطله هدنة مؤقتة».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
