لقمان عبد الله
رغم الإمكانات العسكرية والتقنية الهائلة التي سخّرتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون وإسرائيل لمواجهة تهديدات حركة «أنصار الله» في البحر الأحمر، تواصل الحركة تحقيق اختراقات ميدانية تربك الحسابات الإستراتيجية لأولئك الحلفاء، وتطرح تساؤلات محرجة عن جدوى الخيار العسكري المتّبَع من جانبهم. فمنذ انطلاق الحملة الغربية لردع الهجمات اليمنية على الملاحة الدولية، لم تنجح أميركا وحلفاؤها في تأمين الممرّات البحرية أو تقليص قدرة «أنصار الله» على التصعيد؛ بل على العكس من ذلك؛ إذ ازداد تعقيد المشهد، وباتت تلك الدول أمام حالة استعصاء إستراتيجي. استعصاء لا يفتأ يشكّل محلّ نقاش موسّع في الأوساط الغربية، التي تكاد تُجمع على أن هذا الواقع يعود إلى جملة أسباب بنيوية وإستراتيجية مركبة، لعلّ أبرزها ما يأتي:
أولاً: التعقيدات الجيوسياسية الإقليمية؛ فالصراع في البحر الأحمر لا يمكن فصله عن التوترات الأوسع في المنطقة، لا سيما الحرب الإسرائيلية على غزة. وبحسب تحليل «مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية»، فإن «أنصار الله» نجحت في ربط هجماتها البحرية بالقضية الفلسطينية، مقدِّمةً إياها كجزء من دعم المقاومة في غزة، وهو ما يضع الولايات المتحدة في موقف حرج: فهي من جهة ملتزمة حماية حرية الملاحة، ومن جهة أخرى لا ترغب في تقويض دعمها لإسرائيل، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع شرعيتها الإقليمية. كما إن التردّد السعودي والإماراتي في الانخراط الفعلي ضمن العمليات العسكرية – والذي أشار إليه المحلل الإسرائيلي، إيال زيسر، في مقالة في صحيفة «يسرائيل هيوم» – أسهم في عزل الموقف الأميركي سياسياً، وأضعف من فاعلية الإستراتيجية الغربية ككل.
ثانياً: تكتيكات الحرب غير المتماثلة التي اعتمدتها «أنصار الله»، وكان لها الدور الحاسم في قلب الموازين. فبواسطة الطائرات المسيّرة، والصواريخ المنخفضة التكلفة، والزوارق المفخّخة، نجحت الحركة في فرض تهديد دائم على حركة السفن، رغم التفوق الجوي الأميركي – البريطاني. وبحسب «ميدل إيست مونيتور»، فإن «أنصار الله»، التي راكمت خبرات كبيرة، استطاعت تطوير هجماتها لتصبح أكثر تعقيداً وتنسيقاً، رغم تعرّضها لأكثر من 1000 غارة أميركية وبريطانية. وفي إشارة إلى فقدان الثقة في قدرة الغرب على مواجهة تلك التحديات، أكد المدير التنفيذي لشركة «ميرسك» الدنماركية، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام غربية، أن الشركة اضطرت إلى تعديل مسارات سفنها بعيداً من البحر الأحمر.
تسود مخاوف من وصول تكنولوجيا متطورة إلى صنعاء تشمل صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة دقيقة
ثالثاً: القيود السياسية والهيكلية داخل الولايات المتحدة والدول الغربية، والتي كبّلت قرارات التصعيد العسكري. فبحسب دراسة لمؤسسة «أولويات الدفاع»، فإن صناع القرار في واشنطن متردّدون في التورّط في حرب برية طويلة الأمد تشبه ما حصل في العراق وأفغانستان. كما إن هناك خشية من استنزاف مخزون الذخائر الدقيقة التي تعتمد عليها القوات الجوية الأميركية – وهو ما أشار إليه تقرير في صحيفة «ذا نيويورك صن» -، وانقساماً داخل الرأي العام الأميركي عن جدوى الاستمرار في الانخراط العسكري في المنطقة.
وفي خضم العجز عن معالجة تلك العوامل، تَبرز المخاوف الإستراتيجية الإسرائيلية من اتساع نطاق الهجمات اليمنية، خصوصاً بعد تنفيذ عمليات بطائرات مسيّرة استهدفت مناطق في تل أبيب. وبحسب زيسر، فإن «هذا التهديد المتزايد قد يدفع إسرائيل نحو مواجهة مباشرة مع الحوثيين، وهو سيناريو محفوف بالمخاطر، خاصة إذا تطور إلى تصعيد إقليمي أوسع». كما إن الدعم الإيراني المتزايد لـ«أنصار الله» يضاعف قلق الأوساط الغربية والإسرائيلية، خصوصاً من احتمال وصول تكنولوجيا متطورة إلى الحركة، تشمل صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة دقيقة، ما يزيد من قدرة صنعاء على تنفيذ عمليات نوعية، ويصعّب على الغرب مهمة الحدّ من قدراتها، وفقاً لما جاء في «ميدل إيست مونيتور». وأمام هذا الواقع المعقّد، تُطرح في الأوساط البحثية والإعلامية الغربية جملة من المقترحات البديلة للتعامل مع الأزمة، من بين أبرزها، طبقاً لـ«مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية»، «العمل على توحيد القوى اليمنية المناوئة للحوثيين تحت لواء قيادة تتولى المسؤولية الميدانية، ما يخفّف من الحاجة إلى تدخل خارجي مباشر». كما دعا المجلس إلى اعتماد إستراتيجية احتواء ذكية، تقوم على تمكين القوات المحلية، بموازاة جهود ديبلوماسية للتوصل إلى تفاهمات إقليمية تراعي حساسية الأطراف المختلفة. وفي الإطار نفسه، اقترحت «أولويات الدفاع» تحييد البُعد الإنساني عن النزاع عبر ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل مستقل، وذلك لـ«تقويض محاولات الحوثيين استثمار المعاناة الإنسانية لكسب دعم شعبي وسياسي أوسع». كما دعت بعض الصحف الغربية إلى استهداف شبكات الدعم الإيرانية بشكل مباشر، عبر عمليات نوعية ومحدودة تعيق خطوط الإمداد العسكري والتقني.
غير أن الرهان على تلك الحلول ليس مضمون النتائج، خاصة في ظل غياب رؤية موحدة لدى الغربيين، وصعوبة تنسيق موقف عربي متماسك، إضافة إلى إمكانية انزلاق المنطقة نحو حرب إقليمية أوسع تشمل إيران وحلفاءها في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وفقاً لما نبّهت إليه «ذا نيويورك صن»، التي اعتبرت أن فشل احتواء الوضع في البحر الأحمر قد يفضي إلى أزمة إستراتيجية تخرج عن السيطرة.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار