يُصادف الرابع عشر من شباط (فبراير) المُقبل الذّكرى الـ15 لاغتِيال الشّهيد عماد مغنية في مِرآبِ سيّارته في دِمشق بقُنبلةٍ زرعتها خليّة تابعة لجهاز الموساد وبهذه المُناسبة نشر الخبير العسكري والأمني الإسرائيلي يوسي مليمان فصلًا من كتابٍ جديد يُوثّق عمليّة الاغتِيال هذه في صحيفة “هآرتس” اليوميّة.
قبل التّعليق على هذا الحدث المُزلزِل، وتداعياته الإقليميّة والدوليّة، نِجَدُ لِزامًا علينا أن نتوقّف عند خمس نقاط رئيسيّة مُفاجئة وردت في الفصل المذكور، بعضها جديد، والبعض الآخَر شِبْهُ معروف:
-
أوّلًا: قال المُؤلّف إن مغنية كان يحتلّ المكانة الأولى على قائمة الاغتيال الإسرائيليّة لأنّه كانَ شخصيّةً في قمّة الدّهاء، ويقف خلف جميع العمليّات الفدائيّة التي استهدفت دولة الاحتِلال سواءً داخِل فِلسطين المُحتلّة أو انطِلاقًا من جنوب لبنان، وهي العمليّات التي أحرجت دولة الاحتِلال وأذلّتها.
-
ثانيًا: قرار الاغتيال صدر عن إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينها، ومئير داغان رئيس الموساد الأداة المُنفّذة، وبعد الحُصول على “مُباركة” الرئيس الأمريكي في حينها جورج بوش الابن.
-
ثالثًا: كشف المُؤلّف سِرًّا خطيرًا جدًّا، يجب أخذُه بجديّة وهو أن القنبلة التي صنعها الموساد وجرى استِخدامها في الاغتيال تمّ نقلها عبر السّفارة الأمريكيّة في الأردن وربّما عبر الحقيبة الدبلوماسيّة إلى نَظيرتها في دِمشق وجرى تسليمها لخليّة التّنفيذ المُوساديّة في العاصمة السوريّة.
-
رابعًا: أنّ عددًا من الدول العربيّة “المُعتدلة” لعبت دورًا مُباشِرًا في تنفيذ هذه العمليّة من خِلال مُشاركة أجهزة استِخباراتها في عمليّة جمْع المعلومات عن الرّجل وتحرّكاته.
-
خامسًا: القائد مغنية نجا من ثلاثة عمليّات اغتيال إحداها بصاروخِ طائرة مُسيّرة، ولا تُوجد له إلا صُورة واحدة أُخذت عندما كان عُمره 22 عامًا، وكانَ لا يظهر في العلن، وأُجريت له عدّة عمليّات لتغيير ملامح وجهه.
ما نُريد أن نقوله من خِلال عرض النّقاط السّابقة أن السّفارة الأمريكيّة ليست قِلاعًا دبلوماسيّةً بريئةً مثلما تُوحي السرديّات الأمريكيّة، وإنّما “قواعد” لارتكاب الجرائم والاغتِيالات، وهذه الحقيقة المُوثّقة في كتاب المُؤلّف الإسرائيلي قد تُستَخدم من قِبَل بعض الجهات إلى مُبَرّرٍ لاقتِحامها في الماضي وربّما في المُستقبل، مثلما حدث في طِهران، ولا نستبعد أن يَكشِف الكِتاب عن معلوماتٍ سِريّةٍ عن دَورِ بعض الحُكومات العربيّة في عمليّة الاغتِيال هذه من خِلالِ تسهيلاتٍ لوجستيّة، والمُشاركة في جمْع المعلومات عن الشّهيد وتحرّكاته عبر أجهزتها الأمنيّة.
القائد مغنية يُعتَبر المُؤسّس الفِعلي لجيش “حزب الله” وتطويره بحيث أصبح أحد أبرز القِوى الضّاربة في “الشّرق الأوسط” وتوريط دولة الاحتِلال في أضخم هزيمة مُنيت بها، ونقصد هُنا حرب تمّوز (يوليو) عام 2006، فقد هيّأ المُفَجّر (خطف جُنديّين إسرائيليّين) وقادَ المعركة بكفاءةٍ عاليةٍ جدًّا.
الرّاحل رمضان عبدالله شلح القائد السّابق لحركة “الجهاد الإسلامي”، وصف لهذه الصّحيفة وبحُضور السيّد زياد النخالة في لقاءٍ معه في شقّته المُتواضعة في دِمشق، الشّهيد مغنية بأنّه من أدهى الرّجال الذين قابلهم في حياته، وأكثرهم شجاعةً ووطنيّةً، وخبرةً في ميدان العمل الفِدائي، وأكّد أنّه تناول العشاء معه وصلّيا الفجر سويًّا، وانطلق بعدها إلى بيروت مُعتَذِرًا بأنّ أمامه عملًا مُهِمًّا يُحتّم مُغادرته فورًا، وكان هذا العمل الذي لم يكشف عنه إعداد المِصيَدة لخطْف الجُنديين الإسرائيليين، والاستِعداد لمُواجهة العُدوان الإسرائيلي المُتوقّع كرَدّ فِعل على عمليّة الخطْف هذه.
الشهيد مغنية ترك “إرثًا جِهاديًّا” ضخمًا وجيشًا قُوّاته على درجةٍ عاليةٍ من التّنظيم والتّسليح والخِبرة، انتصر في جميع المعارك التي شارك فيها، وبات يَمْلُك الآن 150 ألف صاروخ على الأقل نسبة كبيرة منها من النّوعِ الدّقيق علاوةً على آلافِ المُسيّرات الانتحاريّة، استِعدادًا لخَوضِ المعركة القادمة التي يراها كثيرون بأنّها باتت قريبةً.. واللُه أعلم.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم