تضمّنت التنبّؤات العشرة لديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي، والرجل الثاني في روسيا للعام الميلادي الجديد العديد من المُفاجآت الصّادمة للغرب، أبرزها انهيار الاتحاد الأوروبي بعد عودة بريطانيا إليه، وانفِصال ولايتيّ كاليفورنيا وتكساس عن الولايات المتحدة بعد حربٍ أهليّةٍ طاحنةٍ، وقِيام اتّحاد تكساس والمكسيك، وتأسيس الرّايخ الرّابع في ألمانيا، ودُخوله في حربٍ ضدّ فرنسا، وارتِفاع سِعر برميل النفط إلى 150 دولارًا، ورفض التّعامل باليورو والدولار.
إذا انتقلنا من العناوين الرئيسيّة المذكورة آنفًا إلى التّفاصيل والشّروحات، فإنّ توقّعاته بانهِيار صندوق النقد والبنك الدولي، والانتِقال إلى استِخدام العُملات الرقميّة، وخاصَّةً اليوان الصيني والروبل الروسي، وإحلالهما محلّ الدولار واليورو، تُعتبر (أيّ التوقّعات الماليّة هذه) هُما الأخطر لأنّها تعني التّسريع بإقامةِ نظامٍ ماليٍّ عالميٍّ جديد على أنقاض العملات الغربيّة والدولار تحديدًا، وإسقاطها من عرشها كعملات احتياط دوليّة.
ميدفيديف من خِلال عرضه لهذه التوقّعات لا يضرب بالرّمل، أو يقرأ الفنجان، وإنّما يتحدّث من موقع العارف ببواطن الأُمور بحُكم موقعه كمسؤولٍ في قمّة السّلطة الروسيّة، ولا نُبالغ إذا قُلنا إن هذه التنبّؤات العشرة هي العمود الفقري للبرنامج الروسي الصيني في العام الجديد وما يليه.
ما يدفعنا إلى هذه النّتيجة، البند الوارد في هذه التنبّؤات الذي يتحدّث عن ربط الروبل الروسي واليوان الصيني بمِعيار الذهب، وطرحهما للتّداول عالميًّا، داخل البُلدان وخارجهما، واعتِمادهما كعُملة أساسيّة لمنظومة “البريكس” التي تضم دُوَلًا أُخرى مِثل جنوب إفريقيا والبرازيل، ومن المُتوقّع أن تنضم إليها إيران والسعوديّة والجزائر التي تقدّمت بطلباتِ الانضِمام فعليًّا.
الطُّموح الأكبر لميدفيديف الذي انعكس بشَكلٍ واضح في تنبّؤاته، نقل جميع الأسواق الماليّة الرئيسيّة من الولايات المتحدة وأوروبا إلى آسيا وهذا يعني توجيه ضربات استباقيّة قاتلة للنظام المالي الغربي، وإضعافه تمهيدًا لتدميره، وإنهاء سيطرته المُحكَمة على مُقدّرات العالم.
ربّما لن تتحقّق نُبوءات ميدفيديف بشأن انفِصال ولايتيّ كاليفورنيا وتكساس، واندلاع حرب أهليّة تقود إلى تفتيت الولايات المتحدة في العام الجديد، ولكنّ توقّعاته بنهاية النظام المالي الغربي الحالي، وإقامة نظام جديد يعتمد الروبل واليوان على أنقاضه، ووصول سِعر برميل النفط إلى 150 دولارًا ربّما يتحقّق كُلّيًّا أو جُزئيًّا، فروسيا هي ثاني أكبر مُصدّر للنفط، وأوّل مُصدّر للغاز في العالم، أيّ أنّها تتحكّم بشَكلٍ شِبه كامِل في قِطاع الطّاقة العمود الفقري في الاقتِصاد العالمي حاليًّا.
ما يُعزّز هذه النظريّة حِرص الرئيس الصيني تشي جين بينغ على مُطالبة قادة دول الخليج الذين اجتمع بهم في قمّة الرياض أوائل هذا الشّهر باستِخدام اليوان الصيني الذّهبي كعملة أساسيّة لتسعير النفط، وكُل المُعاملات التجاريّة المُتعلّقة به وتوقيع أكثر من مئة اتفاقيّة تجاريّة واستثماريّة على هامِش هذه القمّة.
ميدفيديف، ومن خِلال هذه التوقّعات العشرة يطرح برنامج عمل رُوسيًّا صِينيًّا جرى إعداده، والاتّفاق على بُنوده في اتّفاق الشّراكة الاستراتيجيّة الصيني الروسي الذي وقّعه الرئيسان تشي وبوتين أثناء القمّة التي جمعتهما مطلع هذا العام، وقبل اجتِياح القوّات الروسيّة لأوكرانيا.
إنها ليست توقّعات على غِرار تِلك التي تصدر كُل نهاية عام وبداية آخَر، مثلما يفعل السّحرة والمُنجّمون و”البصّارات” خاصَّةً في الفضائيات العربيّة، وإنّما هي رسالة تعكس استراتيجيّة حرب شاملة لإطاحة الولايات المتحدة وأوروبا من فوق كُرسي عرش الهيمنة على العالم بأسْره مُنذ نهاية الحرب العالميّة الثانية حتى اليوم.
نحن نتحدّث هُنا عن نظامٍ عالميٍّ ماليٍّ وعسكريٍّ يَلفُظ أنفاسه الأخيرة، ونظام جديد بديل قويّ يتبلور تكون له الكلمة الأولى والأخيرة في مُعظم المجالات.
باختصارٍ شديد نقول إن الدولار الأمريكي سيُواجه ضربات قويّة مدروسة، إن لم يكن في العام الجديد ففي الأعوام التي تليه.. واللُه أعلم.
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم