*د شادي أحمد
مقدمة
رغم انتهاء النظام السوري السابق ورحيله عن المشهد السياسي، صوّت الكونغرس الأمريكي على تمديد قانون قيصر للعقوبات المفروضة على سوريا لسنتين إضافيتين، مع تشديد الإجراءات وربط رفع العقوبات بمطالب جديدة، أبرزها ضمان حماية الأقليات الدينية والعرقية. القرار شكّل صدمة للأوساط السياسية والاقتصادية السورية التي كانت تأمل أن يؤدي التغيير السياسي إلى رفع الحصار وانفتاح اقتصادي تدريجي.
فلماذا استمر القانون؟ ومن يتحمل مسؤولية تمديده؟ وما هي تداعياته على الاقتصاد السوري والشركات الخليجية التي وعدت باستثمارات كبيرة؟ وهل تمتلك الحكومة الجديدة أدوات حقيقية لكسر هذا الطوق أم أن إرادة الخارج ما زالت أقوى من إرادة الداخل؟
أولاً: قانون قيصر… من أداة ضد النظام إلى أداة ضغط على الدولة
حين أُقر قانون قيصر لأول مرة عام 2019، كان يستهدف بشكل مباشر النظام السوري بقيادة بشار الأسد، ويحمّله مسؤولية الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان خلال الحرب. لكن التمديد الأخير جاء رغم سقوط ذلك النظام وتشكيل حكومة جديدة، مما يعني أن العقوبات باتت تستخدم كسلاح سياسي طويل الأمد، لا كأداة لردع نظام بعينه.
ما تغير في النسخة الجديدة من القانون هو أنه أضيف إليها شرط حماية الأقليات وضمان حقوقهم كمدخل لأي تخفيف للعقوبات، ما يعطي القانون صبغة حقوقية مطلقة تتجاوز السياق السياسي الداخلي في سوريا.
ثانيًا: من يتحمّل مسؤولية تمديد القانون؟
هنا لا يمكن الاكتفاء بتحميل المسؤولية لإدارة واشنطن، بل هناك أطراف متعددة تتحمّل نصيبها من المسؤولية:
الكونغرس الأمريكي الذي يتبنّى سياسة استمرارية العقوبات بغض النظر عن التغيير الداخلي، استنادًا إلى مطالب حقوقية وفئوية ضاغطة.
اللوبيات النشطة في واشنطن، لا سيما تلك المرتبطة بإسرائيل أو بحركات الضغط السورية ، التي دفعت لإبقاء القانون وربطه بمصير “الأقليات”.
المعارضة السورية في الخارج، أو بعض أطرافها التي اعتبرت أن العقوبات يجب أن تبقى حتى بعد سقوط النظام، خشية من “إعادة تدوير السلطة” أو “العودة إلى حكم مركزي قوي”.
الحكومة السورية الجديدة، التي رغم الشرعية الثورية أو الانتخابية التي تستند إليها، لم تنجح بعد في بناء ثقة دولية كافية أو إطلاق إصلاحات حقيقية تبرهن عن قطيعة كاملة مع الماضي.
ثالثًا: التمديد وتأثيره المدمر على الاقتصاد السوري
كان الرهان الأكبر بعد سقوط النظام السابق هو استعادة الدورة الاقتصادية وبناء الثقة مع الخارج. لكن التمديد المفاجئ للعقوبات الأمريكية فرض واقعًا صعبًا:
تجميد الاستثمارات الخارجية التي كانت في طور التفاوض أو التخطيط.
تعطيل خطوط التمويل الدولية، فالمصارف العالمية ما زالت ترفض التعامل مع النظام المالي السوري.
ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين والنقل، مما يعيق التجارة وإعادة الإعمار.
استمرار انهيار الليرة السورية نتيجة نقص السيولة الأجنبية.
زيادة معاناة السكان الذين لم يجنوا بعد ثمار التغيير السياسي.
الاقتصاد السوري الذي كان يستعد لمرحلة التعافي وجد نفسه مجددًا مكبلًا بقيود خارجية صارمة لا تعترف بالتغيرات السياسية بقدر ما تشترط تغيرات هيكلية وفكرية عميقة.
رابعًا: هل تستطيع الشركات الخليجية تنفيذ وعودها الاستثمارية؟
خلال الشهور التي تلت سقوط النظام السابق، صدرت تصريحات من عدة شركات خليجية – إماراتية وسعودية وقطرية – عن نيتها الاستثمار بمليارات الدولارات في مشاريع سورية كبرى. وكان الأمل أن تشكل هذه الاستثمارات قاطرة انتعاش اقتصادي سريع.
لكن تمديد قانون قيصر يضع هذه الشركات في موقف قانوني صعب:
لا يمكنها تحويل الأموال أو نقل المعدات دون خرق مباشر للعقوبات.
لا تستطيع شركات التأمين والخدمات اللوجستية التعامل مع السوق السورية.
التهديد بالعقوبات الثانوية يمنع البنوك الخليجية من تمويل أي مشروع في سوريا.
وبالتالي، فإن هذه الوعود تبقى حتى الآن حبرًا على ورق، ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات أمريكية – عربية واضحة تتيح استثناءات رسمية ومنظمة.
خامسًا: هل توجد بدائل حقيقية أم أن القانون أقوى من الإرادة الوطنية؟
رغم كل التحديات، هناك نقاش جاد داخل الأوساط السورية حول كيفية التعامل مع استمرار العقوبات في مرحلة ما بعد الأسد. وتُطرح عدة خيارات:
1. فتح مسار تفاوضي مباشر مع واشنطن لعرض خارطة طريق سياسية – قانونية لرفع العقوبات التدريجي.
2. اللجوء إلى المؤسسات الدولية ومحاولة الطعن في استمرار القانون أمام المحافل الحقوقية الأممية.
3. تفعيل الشراكات الاقتصادية مع الشرق (الصين)، رغم محدودية الأثر في ظل شبكة العقوبات الغربية.
4. تعزيز الاقتصاد المحلي والمبادرات الذاتية، لكن هذا يتطلب وقتًا طويلًا ودعمًا شعبيًا منظمًا.
إلا أن الواقع يُظهر أن قانون قيصر في شكله الحالي أقوى من أدوات المواجهة المتاحة للحكومة السورية الجديدة، خصوصًا إذا بقي القرار الدولي خاضعًا للاعتبارات الجيوسياسية المعقدة.
ختامًا: الطريق إلى المستقبل
إن تمديد قانون قيصر بعد سقوط النظام السابق يطرح سؤالًا أخلاقيًا وسياسيًا كبيرًا: هل الغاية من العقوبات هو تغيير النظام فقط، أم فرض رؤية أمريكية شاملة على مستقبل سوريا بالكامل؟
بينما يكافح السوريون لإعادة بناء وطنهم واستعادة كرامتهم، تواصل العقوبات خنق الاقتصاد والحياة اليومية، وكأن الشعب يُعاقب على جرائم ارتكبت بحقه من قبل الجميع
لذلك، فإن رفع العقوبات يجب أن يصبح أولوية وطنية ودبلوماسية، عبر خطاب سياسي جديد يوازن بين السيادة والحقوق، ويقدم للعالم نموذجًا لحكومة مختلفة، مسؤولة، شفافة، تضع الإنسان السوري في صلب أولوياتها.
(اخبار سوريا الوطن1-منتدى احرار سوريا)
*