آخر الأخبار
الرئيسية » قضايا و تحقيقات » قراءة أولية في قرار «العدل الدولية»: حُكم الحدّ الأدنى

قراءة أولية في قرار «العدل الدولية»: حُكم الحدّ الأدنى

عمر نشابة، لونا فرحات

 

 

يشكّل القرار الذي صدر أمس عن محكمة العدل الدولية ضدّ إسرائيل، بداية مسار قضائي طويل قد يستمر لسنوات. وعلى إسرائيل وضع تقرير في غضون شهر ستحيله المحكمة لاحقاً الى مندوبي جنوب إفريقيا وتستمع إلى ملاحظاتهم بشأن مدى الالتزام بتنفيذ «الإجراءات المؤقتة». لكن قرار المحكمة لا يشير إلى الخطوات العملية التي يأمر إسرائيل بأن تتّخذها. فالقرار يطلب من إسرائيل منع قتل، ومنع التسبّب بضرر جسدي أو نفسي خطير للفلسطينيين كشعب، من دون أن يطلب وقف العمليات العسكرية في قطاع غزة المحاصر، حيث يُحشر أكثر من مليونَي شخص في 360 كيلومتراً مربعاً. ويأمر القرار إسرائيل بتدابير «فورية وفعّالة» لإدخال المساعدات الإنسانية الى غزة، بينما كانت منظمة الصحة العالمية والهيئات الإنسانية الدولية قد أشارت في تقاريرها إلى صعوبة، بل استحالة، نقل المساعدات والمؤن الغذائية والأدوية والمحروقات إلى جميع أرجاء قطاع غزّة تحت القصف.المحكمة ردّت طلب اسرائيل رفض الدعوى المقامة ضدّها، وهذه خطوة قانونية متقدّمة للشعب الفلسطيني، وإن كان مسار الدعوى سيأخذ وقتاً طويلاً. لكن ما تحقّق يوم 26 كانون الثاني هو إحالة إسرائيل «كدولة» للمساءلة القضائية ووضعها في قفص الاتهام. وهذا أمر كاد أن يكون من المستحيلات، لكنه تبيّن أنه ممكن، وليس ضرباً من الخيال.

تنصّ المادة 41 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على الآتي: «1- للمحكمة أن تقرّر التدابير المؤقتة التي يجب اتخاذها لحفظ حقّ كل من الأطراف، وذلك متى رأت أن الظروف تقتضي بذلك. 2- إلى أن يصدر الحكم النهائي، يُبلّغ فوراً أطراف الدعوى ومجلس الأمن نبأ التدابير التي يرى اتخاذها».

وتُعدّ التدابير المؤقتة إجراءات غير نهائية تُرتّب آثارها في الفترة السابقة لصدور الحكم النهائي في الدعوى. لذلك يمكن للمحكمة أن تقوم بإلغائها أو تعديلها في أي وقت، إذا تغيرت الظروف التي برّرت وجودها. وتشير المحكمة إلى أن أوامرها المتعلّقة بالتدابير المؤقتة بموجب المادة 41 من النظام الأساسي، لها أثر ملزم وتُنشئ بالتالي التزامات قانونية دولية على أي طرف تُوجّه إليه التدابير المؤقتة. لكن المحكمة ليس لديها القوة التنفيذية لأحكامها الملزمة. وبناءً على نصّ المادة 41، تقوم المحكمة بإبلاغ مجلس الأمن بقرار أمر التدابير المؤقتة، ولمجلس الأمن السلطة التقديرية في اختيار الإجراءات المناسبة لتنفيذ التدابير المؤقتة. على أنه قد يلجأ صاحب المصلحة في تنفيذها إلى مجلس الأمن للمطالبة بإصدار قرار يضمن تنفيذها، ما يعني أنه في حال امتناع إسرائيل عن تنفيذ القرار – وهو المتوقع منها – فلجنوب إفريقيا الحق في مطالبة مجلس الأمن بإصدار قرار لتنفيذ التدابير المؤقتة. وهنا من المتوقّع أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض، ولكن أيضاً قد تمتنع عن التصويت لأن مشروع القرار يكون مبنياً على حكم قضائي، لا على اعتبارات سياسية. عندها يمكن أن يصدر القرار عن مجلس الأمن بإلزام إسرائيل بتنفيذه مع وجود احتمال أيضاً بعدم التزامها بالقرار (أسوة بقرارات سابقة عن مجلس الأمن لم تلتزم بها). وفي حال استخدام الولايات المتحدة حق النقض أو في حال امتناع إسرائيل عن التنفيذ، يمكن لجنوب إفريقيا، ومعها المجموعتان العربية والإسلامية والدول الداعمة لوقف إطلاق النار، اللجوء إلى الجمعية العامة بموجب قرار «الاتحاد من أجل السلام»، كما فعلت سابقاً بخصوص القرارين السابقين لوقف إطلاق النار. وعلى الأرجح أن هذه المرّة سيحصل القرار بوقف إطلاق النار على أغلبية ساحقة من قبل الدول الأعضاء، وقد لا يقتصر مضمون قرار الجمعية العامة هذه المرّة على مجرّد وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، بل قد يُلزم إسرائيل بتنفيذ ما ورد في التدابير المؤقتة مع تصعيد إجرائي «عقابي» يتمثّل بمنع توريد الأسلحة، وقطع العلاقات الاقتصادية والديبلوماسية، وقد يصل الأمر إلى حد تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة أو التهديد بذلك، وخصوصاً أن محكمة العدل الدولية أكدت أن منع الإبادة والمعاقبة عليها، هي مسؤولية كل الدول، وعليها تحمّل مسؤوليتها إزاء ما يجري من أعمال قتل وتشريد وتجويع كلّها تدخل في نطاق الاتفاقية الدولية لمنع الإبادة والمعاقبة عليها. وسيُترجم تراخي الدول في اتخاذ إجراءات فعلية لمنع الأفعال التي قد ترقى إلى جريمة إبادة، إلى ما يصل إلى اشتراك أو تحريض ستُساءل عليه في المستقبل القريب، لذا على الدول أن تتّخذ مواقف متقدّمة تتناسب مع موقف محكمة العدل الدولية، كانضمام الدول المؤيدة لحماية الفلسطينيين إلى الدعوى بصفة «متدخّل»، كما حدث في قضيتَي غامبيا ضد ميانمار وأوكرانيا ضد روسيا.

 

لماذا لم تفرض المحكمة وقفاً لإطلاق النار؟

لم تلتزم المحكمة تماماً بما طلبته جنوب إفريقيا من تدابير مؤقتة، وخصوصاً في ما يتعلق بالوقف الفوري للعمليات العسكرية. وجاء قرار التدابير المؤقتة مطابقاً للقرار الذي صدر في دعوى غامبيا ضد ميانمار. وتبيّن أن الحجّة القانونية التي اتخذها القضاة لعدم فرض وقف العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في غزة، هي أن العمليات العسكرية في غزة ليست بين دولتين، كما هي الحال بين أوكرانيا وروسيا، حيث كانت المحكمة قد أمرت عام 2022 بتدابير مؤقتة في دعوى أوكرانيا ضد روسيا، بوقف العمليات العسكرية من الجانب الروسي، وأيضاً طلبت من الطرفين الامتناع عن القيام بأي عمل قد يؤدي إلى تفاقم النزاع أو تمديده أو يجعل حلّه أكثر صعوبة. أما في دعوى غامبيا ضد ميانمار، فقد صدر أمر التدابير المؤقتة في 2020، ليطلب من ميانمار منع ارتكاب جرائم الإبادة المنصوص عليها في المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة، ولم يطلب منها وقف العمليات العسكرية. فحكومة ميانمار استخدمت القوة العسكرية في نزاع داخلي ضد مجموعات مسلحة من أقلية الروهينغا، وهنا ليس للمحكمة الحق في دعوة أطراف نزاع داخلي إلى وقف العمليات العسكرية، ولكن بإمكانها أن تطلب من الدولة أن تراعي أحكام القانون الدولي الإنساني والتزاماتها الدولية المتعلّقة بمنع الإبادة الجماعية. فالمحكمة لا تستطيع أن تخاطب مجموعات مسلحة لأن ذلك يخرج عن نطاق صلاحياتها، فهي تخاطب فقط الدول. لذلك فهي لا تستطيع، من وجهة نظر قانونية، أن تأمر دولة بأن توقف العمليات العسكرية من جانب واحد، بينما الجانب الآخر يستمر في القتال.

 

ما هي «التدابير المؤقّتة» المطلوبة من العدو؟

قدّمت جنوب أفريقيا طلباً لإقامة دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في 29 كانون الأول 2023 بشأن انتهاكات مزعومة من جانب إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وتضمّن الطلب أيضاً اتخاذ تدابير مؤقّتة. صدر أمس عن المحكمة، بعد مرور أسبوعين من الاستماع لأطراف الدعوى في 11 و12 من الشهر الجاري، قرار بفرض «تدابير مؤقّتة» وهي:

أولاً: تتّخذ دولة إسرائيل، وفقاً لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، في ما يتعلق بالفلسطينيين في غزة، جميع التدابير التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأعمال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من هذه الاتفاقية، ولا سيما: قتل أعضاء المجموعة، التسبب في ضرر جسدي أو نفسي خطير لأعضاء المجموعة، تعمّد إخضاع المجموعة لظروف معيشية يُقصد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة.

ثانياً: تضمن دولة إسرائيل، بأثر فوري، عدم ارتكاب جيشها أي أعمال موصوفة في النقطة 1 أعلاه.

ثالثاً: تتّخذ دولة إسرائيل جميع التدابير التي في وسعها لمنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية في ما يتعلق بأعضاء المجموعة الفلسطينية في غزة.

رابعاً: تتّخذ دولة إسرائيل تدابير فورية وفعّالة للتمكين من توفير الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية التي تمسّ الحاجة إليها لمعالجة ظروف الحياة الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة.

خامساً: تتّخذ دولة إسرائيل تدابير فعّالة لمنع التدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بادّعاءات ارتكاب أعمال تدخل في نطاق المادة الثانية والمادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ضد أفراد المجموعة الفلسطينية في قطاع غزة.

سادساً: تقدّم دولة إسرائيل تقريراً إلى المحكمة عن جميع التدابير المتّخذة لتنفيذ هذا الأمر في غضون شهر واحد من تاريخ هذا الأمر.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قلق إسرائيلي من قرار “الجنائية الدولية”: تفاصيل الاتهامات سرية وتُعرّض المسؤولين لخطر الاعتقال

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية تشير إلى أنّ المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بالقلق بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، ولاسيما أنّ تفاصل ...