عبد اللطيف شعبان
صادفت أجواء الترشيح والانتخابات الحزبية في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي هذه الأيام الذكرى السابعة والسبعين لانعقاد مؤتمره التأسيس في السابع من نيسان عام / 1947 /، هذا الحزب الذي قرأ مؤسسوه الواقع العربي ماضيا وحاضرا، ومستقبلا قراءة دقيقة متأنية وصائبة عن وحدة الأمة العربية وحريتها وشخصيتها ورسالتها، وأقروا في ذاك المؤتمر مبادئ أساسية ومبادئ عامة ومنهاجا للحزب ضمن دستور تم اعتماده.
وجاء في المبادئ الأساسية أن العرب أمة واحدة تختص بمزايا متجلية في نهضاتها المتعاقبة، وذات رسالة خالدة ترمي إلى حفظ التقدم البشري وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم، وجاء في المبادئ العامة أن حزب البعث العربي الاشتراكي قوميا يؤمن بأن القومية حقيقة خالدة، وأن الاشتراكية ضرورة منبعثة من صميم القومية العربية، وأن السيادة هي ملك الشعب الذي وحده مصدر كل سلطة وقيادة ويؤمن باعتماد النضال بكافة أشكاله لتحقيق أهدافه، لأن التطور البطيء والاكتفاء بالإصلاح الجزئي يهددان أهدافه بالفشل والضياع
وتضمَّن الدستورمنهاجا لسياسة الحزب الداخلية والخارجية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية، في / 48 / مادة ومادة منفردة، ومنها المواد التالية:
المادة / 23 /: يناضل العرب بكل قواهم لتقويض دعائم الاستعمار والاحتلال وكل نفوذ سياسي واقتصادي أجنبي في بلادهم .
المادة / 29 /: المؤسسات ذات النفع العام وموارد الطبيعة الكبرى ووسائل الإنتاج الكبيرة ووسائل النقل ملك للأمة تديرها الدولة مباشرة، وتلفى الشركات والامتيازات الأجنبية.
المادة / 38 /: الأسرة خلية الأمة الأساسية وعلى الدولة حمايتها وتنميتها وإسعادها.
المادة / 39 / تنشئ الدولة على نفقتها مؤسسات الطب الوقائي والمصحات والمستشفيات التي تفي بحاجات المواطنين كلهم على الوجه الأكمل، وتضمن أهم المعالجة المجانية.
المادة /40 / العمل إلزامي على كل من يستطيعه، وعلى الدولة أن تضمن عملا فكريا أو يدويا لكل مواطن، ويجب أن يكفل مورد العمل لعامله على الأقل مستوى لائقا من الحياة، وتضمن الدولة معيشة العاجزين عن العمل.
المادة /41 / العمل الفكري من أقدس أنواع العمل، وعلى الدولة أن تحمي المفكرين والعلماء وتشجعهم.
المادة /45 / التعليم وظيفة من وظائف الدولة وحدها، ولذا تلغى كل مؤسسات التعليم الأجنبية والأهلية،
المادة / 46 / التعليم بكافة مراحله مجاني للمواطنين جميعا وإلزامي في مراحله الابتدائية والثانوية.
إن الجهاز الحزبي قيادات وقواعد، معني بأن يقارن بين مضمون المواد والواقع الحالي ( بعد مضي / 77 / عام على تأسيس الحزب و / 61 / عام على استلامه الحكم في سورية ) ويتبصر أن بعض التقدم الكبير الذي حصل خلال عقود مضت في تنفيذ المواد المذكورة أعلاه، يشهد انحسارا تتتابعيا منذ سنوات خلت، وخاصة في مؤسسات القطاع العام الانتاجية وقطاعي التعليم والصحة، والخطر المتفاقم الذي يهدد بنية الأسرة السورية بسبب صعوبة تأمين متطلبات الزواج والسكن والانجاب، وبدلا من انطلاقة جدية حازمة لتكريس العمل باتجاه متابعة تنفيذ مواد الدستور وتحقيق الإصلاح المنشود، تنطلق بين حين وآخر دعوات التجديد الفكري في الحزب، وكأن المشكلة في ضعف الأفكار الحزبية لا في ضعف المعنيين في تطبيقها، وغاب عن ذهن الدُّعاة أن المادة المنفردة الأخيرة في الدستور، تمنع تعديل المبادئ الأساسية والعامة، وإن كانت تجيز تعديل بقية المواد، فليس من حق العاملين على التجديد استغلال جواز التعديل بما يتناقض مع روحية المبادئ الأساسية والعامة، فالخطأ والضعف ليس في فكر الحزب، بل بمن أخطأوا أو أساءوا في بعض التشريع أوالتنفيذ، وبعض أوجه ذلك صرح بها الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد مؤخرا يوم لقائه مع دكاترة الاقتصاد البعثيين قائلا: الخطأ بأن الحزب أخذ دور الحكومة في الأمور التنفيذية والحكومة أخذت دور الحزب في السياسات العامة، وتم قلب الدور، والمفروض أن يكون العكس، و تطرَّق إلى دور حزب البعث بوصفه حزباً حاكماً في مقابل دور الحكومة بين وضع السياسات وتنفيذها، وأثناء لقائه مع الضباط المتقاعدين قال: ” إن التحدي الأكبر في عملية بناء مؤسسات الدولة يكمن بشكل أساسي في القدرة على تغيير منظومات العمل القديمة واستبدالها بمنظومات عمل جديدة ومتطورة تلائم المرحلة الحالية وظروفها، وتفعيل المؤسسات وتحديد دورها بوضوح، بما يحقق تحويلها جميعاً إلى مؤسسات فاعلة وأكثر قوة.”
وكلام سيادته يوحي أنه توجد رؤية جديدة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية في سورية، ما يتطلب أن ينبري من يسأل الحكومة في الاجتماع الحزبي الموسع القادم، أين هي من التباين المتتابع في ما نصت عليه مواد الدستورالمذكوره أعلاه وواقع الحال؟ أين هي من شعارها في تنفيذ زراعة كل شبر أرض في ظل سياستها التي أسفرت عن الشلل القائم في مقومات الانتاج الزراعي (ارتفاع سعر المستلزمات وندرة وجود هاوسوء نوعيتها ) وأين هي من التردي المزمن في حالة التيار الكهربائي، وقصورها في تحقيق برنامج التنمية الإدارية الذي كان متوقع أن تكون لمساته الأخيرة قبل أعوام، وكيف يحق للحكومة بأن تصدر تشريعا يمنع المواطن الريفي الشاب من بناء منزله بيديه ( تحضيرا لتكوين الأسرة المنصوص عليها في المادة / 38 / ) وتلزمُه بالتعاقد مع مقاول، ولماذا أسفرتشريعها وتنفيذها عن الارتفاع المتتالي في أسعار مواد البناء ماأضعف من قدرة المواطن على بناء مسكن، وشل آلاف العاملين في مهن أعمال البناء. فالحكومة حكومة البعث مقدار التزامها بدستوره
لما كانت جميع المهام الحزبية في حزب البعث تحمل لقب أمين، فهذا يعني أن جميع أعضائه – وخاصة القياديين منهم – مؤتمنين على دستوره وهو أمانة في أعناقهم، فالمزيد من الوفاء بالأمانة مطلوب من كل شخص تبوأ مهمة أمين، وبالتالي فإن التجديد المطلوب في الحزب يجب أن يتجلى في أفضل أداء لتطبيق ما جاء في دستوره، بجهود جميع الرفاق النزيهين الأكفياء، فالحزب بحاجة ماسة لأخياره، والوطن بحاجة أمسْ لخير أحزابه، حزب البعث العربي الاشتراكي، بالتعاون مع الأخيار من جميع الأحزاب الوطنية، فأي تردّي في دور الأحزاب الوطنية يدعم التعدّي على الوطن،
ويبقى الأمل قائم بجدية العمل على التجديد في تفعيل الرؤى الوطنية النيّرة، من خلال استثمار الناجحين في الانتخابات الحزبية لأجواء المؤتمر الحزبي القادم الموسع، او اي مؤتمرات او حوارات بعده ،والحد من جنوح الحكومة في بعض تشريعها وتنفيذها، وطرح ومناقشة التباينات التي تتفاقم بين بعض ماجاء في الدستور وما هو عليه الحال، ، بما يسفر عن تحقيق التصويب المرتجى والمأمول في ضوء الملاحظات المعبرة والدقيقة التي ذكرها الأمين العام واعتماد الحوار الذي أشار عليه بشكل ممنهج وشامل ومستمر على مستوى المجتمع والمؤسسات والإعلام، وبين مختلف الشرائح والقطاعات، وبعقل علمي وعملي وأكاديمي” لكي يخلق الرؤية والسياسات الصحيحة، المنتجة على مستوى القضايا الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولن يتحقق ذلك باعتماد الجكومة للأساليب السابقة التي انتهجت تكرار وترداد أقوال ومنطلقات الأمين العام الحالي والخالد السابق دون تنفيذ.
فإلى مزيد من الحوار البناء بين الأخيار والشرفاء، المقترن بالحرص على ترافقه مع التنفيذ الميداني وبالاشراف المتتابع من الأمناء، وإن غدا لناظره قريب .
*الكاتب:عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
(موقع سيرياهوم نيوز)