عبد اللطيف شعبان
الإحصاء علم جدير بالاهتمام، فلقد وردت كلمة الإحصاء ومشتقاتها في إحدى عشرة آية، ضمن عشر سور من القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى : ” وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها “/ فقد وردت مرتين (في الآية 34 من سورة ابراهيم – والآية 18 من سورة النحل ) ومنها قوله تعالى ” وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدا “( الآية 28 من سورة الجن ) وأختها المماثلة ” لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها “( الآية 49 من سورة الكهف).
ويبدو أن السلطات الحالية تولي اهتماما كبيرا للإحصاء بدليل ما تعده من إحصاءات تخص القوى العاملة في جميع الإدارات، تحت عنوان إعادة هيكلة تترافق مع وعود تنبئ عن إجراءات قادمة مبشرة تتوافق مع نتائج هذه العملية الإحصائية، وما قد يعقبها من إحصاءات أخرى أوسع وأشمل منظورة في أعين السلطات وفي طليعتها الإحصاء السكاني المرتقب.
من الملاحظ أن إحصاء القوى العاملة الجاري في العديد من الإدارات العامة يسفر عن اختصار ملحوظ لعدد كبير من العاملين وصرفهم من الخدمة تحت عنوان وآخر، علما أنه قد تم الانتباه لضرورة العودة عن بعض هذه الاختصارات وإعادة بعض العاملين في أكثر من إدارة، ومنها إدارات وزارة الكهرباء التي واقعها المتردي يحتاج لعاملين يعالجونه وخاصة ممن عايشوا هذا الواقع المأزوم وخبروه.
من الملفت للانتباه أن اختصار العاملين شمل بنسبة ليست قليلة من عاملي المكتب المركزي للإحصاء ومديرياته في المحافظات، بما في ذلك بعض من عندهم قدم وظيفي، علما أن إدارة المكتب المركزي للإحصاء سبق أن شكت قبل أشهر من انخفاض عدد العاملين بنسبة كبيرة، نتيجة استقالات لأكثر من سبب وضعف إمكانات تعيين جديد، وقد تسبب الاختصار الحالي في ازدياد النقص المشكو منه من قبل.
واقع الحال وسابقه يستوجب القول طالما أن السلطات الحالية تولي اهتماما للإحصاء، فهذا يعني ضرورة الحفاظ على الكوادر الإحصائية القائمة الخبيرة بمهامها، وتدعيمها بكوادر جديدة تغطي النقص الذي تسببت به السلطات الفاسدة في النظام السابق علما أنه قد شهدت العقود الماضية إحداث مركزي تدريب إحصائي ومعهدي إحصاء، وإحداث تخصصات في الاحصاء في أكثر من كلية جامعية لغاية تدعيم العمل الاحصائي، وحبذا ألا يخفى على السلطات الحالية أنه من المعهود أن عدد العاملين العاديين الدائمين في مديريات الإحصاء لا يكفي لتنفيذ العديد من المسوح الإحصائية المتنوعة التي ينفذها المكتب المركزي للإحصاء، وفي كثير من هذه المسوح كانت إدارة المكتب المركزي للإحصاء تستعين بعاملين آخرين من إدارات أخرى، تستدعيهم رسميا ( بالتنسيق مع إداراتهم ) وتدربهم لعدة أيام، وتشركهم في عدد من المسوح الاحصائية التي تنفذها كل عام حتى على مستوى العينة الاحصائية، وقد جرى ذلك مع مديريات الزراعة فيما يخص المسوح الاحصائية الزراعية ومع مديريات الصحة فيما يخص المسوح الاحصائية الصحية وغير ذلك، وفي التعداد العام يتم الاستعانة بأعداد كبيرة من المعلمين والمدرسين.
من المعهود رسميا اعتماد الأرقام التي يصدرها المكتب المركزي للإحصاء، والرقم الإحصائي حاجة وطنية وإعداده يوجب الحاجة للعاملين به والحفاظ عليهم، والمقولة الاقتصادية الشهيرة تقول لا تخطيط بلا إحصاء، ومن المؤكد أنه لا بد من وجود التخطيط بصيغة أو بأخرى حتى في نظام اقتصاد السوق الحر، وربما قد يخطر على بال البعض أن الاحصاء يقتصر على معرفة عدد السكان ولكن حقيقة الأمر أن الإحصاء أوسع من ذلك بكثير ويكاد يشمل كل شيء ( كما جاء في الذكر الحكيم )، فاستمارة الاحصاء السكاني تتضمن عشرات الأسئلة عن كل فرد، واستمارة الاحصاء الزراعي تتضمن عشرات الأسئلة عن الحيازة الزراعية وصاحبها وهكذا إحصاء المنشآت الصناعية والحرفية والخدمية.
نعم إعادة الهيكلة العمالية في جميع الإدارات لها ما يبررها لأكثر من سبب، ولكن حجم بعض الاختصارات التي تجري في أكثر من إدارة محط أكثر من تساؤل، وربما قد تكون له بعض الآثار السلبية في أكثر من إدارة، حبذا ألا يغيب ذلك عن نظر أولي الأمر الساهرين على الوطن ومواطنيه.
*الكاتب:عضو جمعية العلوم الاقتصادية – عضو مشارك في اتحاد الصحفيين
(موقع-اخبار سوريا الوطن-١)