كمال خلف
اللقاء بين وزراء دفاع “سورية وتركية وروسية ” في موسكو يعتبر حدثا وتطورا مهما في مسار التقارب بين دمشق وانقرة واختراقا في جدار العداء. ولكن لا نؤيد من ذهب بعيدا في التحليل هذه الأيام نحو التحدث عن انفتاح وعلاقات طبيعية والعودة الى ما قبل 2011 حيث كانت العلاقات متميزة ان ذاك. نعتقد ان هذا الاندفاع متعجل.
بين الجانبين عشر سنوات خلقت ملفات معقدة على الجغرافية وهي ملفات في غالبيتها ليست ثنائية فقط بل متعددة اللاعبين و تحتاج الى مسار تفاوضي طويل وصعب وترتيبات تفصيلية.
قد لا يكون الرئيس الأسد مقتنعا او واثقا من التزام الرئيس اردوغان بأي اتفاقات خاصة تلك التي يمكن ان تؤجل الى ما بعد الانتخابات. قدم الروس انفسهم باعتبارهم ضامنين للتنفيذ. لكن الاتفاقات السابقة التي عقدها اردوغان مع بوتين في سوتشي في اذار 2020 لم ينفذ منها اردوغان شيء.
يبدو ان روسيا وكذلك ايران حلفاء الرئيس الأسد يفضلان نجاح اردوغان في الانتخابات الرئاسية منتصف العام المقبل. لان اردوغان انتهج سياسات مستقلة عن حلف الناتو، واخذ مسافة من الاستراتيجية الامريكية في أوكرانيا لهزيمة روسيا، كما عقد تفاهمات مع كلا من روسيا وايران في دول اسيا الوسطى وفي ازمة” ناغورني كرباخ” بين ارمينا وأذربيجان، وكذلك مسار” استانه ” حول سورية، ولم يلتزم بشكل كامل بالعقوبات المفروضة على ايران. وقد تكون موسكو وكذلك طهران لديهما هواجس من وصول معارضة موالية للغرب تعيد تركية الى التطابق مع السياسات الامريكية واستراتيجيات الناتو.
ثلاثة نقاط تم الإشارة اليها باعتبارها مثار بحث بين دمشق وانقرة:
النقطة الأولى التنسيق لمواجهة الإرهاب.
بالنسبة لانقرة الإرهاب يعني “قوات سورية الديمقراطية” وبالنسبة لدمشق الجماعات المتطرفة التي تحكم الشمال بمظلة تركية. دمشق لا تنظر الى الفصائل الكردية باعتبارها جماعات إرهاب وقد فتحت حوارات مع قادة ” قسد” على الرغم من قلقها من النزعة الانفصالية للكرد، وتحالف الفصائل الكردية مع قوات الاحتلال الأمريكي والاعتماد على الحماية الامريكية وحرمان الشعب السوري من ثرواته النفطية. ولا تنظر انقرة الى جماعات التطرف في ادلب باعتبارها إرهابا بل حلفاء فتحت لهم انقرة العمق التركي ومررت لهم عبر حدودها الدعم السخي.
لا يمكن التفاهم بين دمشق وانقرة على مستقبل شرق الفرات دون تجاوز عقبة الوجود الأمريكي الذي يجعل منطقة شرق الفرات منطقة نفوذ أمريكية. التمركز الأمريكي هناك وعلى الحدود السورية العراقية في “التنف” مهم لواشنطن لانه، أولا.. يؤمن التوازن مع التواجد الروسي والإيراني، وثانيا يقطع الطريق البري للتواصل بين ايران والعراق وسورية وصولا الى لبنان.
اما فيما يتعلق بالشمال حيث الجماعات المتطرفة الجالسة تحت مظلة الحماية التركية. لا يستطيع اردوغان وضعهم الان في خانة الإرهابيين، والتنسيق مع دمشق للقضاء عليهم. لانه يعرف انه ان فعل ذلك سوف يخسر أصوات شريحة مهمة من قاعدته الانتخابية الإسلامية المتشددة المتعاطفة مع هؤلاء. لذلك لن يقوم ادروغان باحداث أي تغيرات في ألية التعامل مع هذه الجماعات في الوقت الراهن، ربما يختلف الامر بعد الانتخابات.
النقطة الثانية التي تم بحثها هي الانسحاب التركي من الأرض السورية
باعتقادي لن ينفذ الرئيس اردوغان أي عملية انسحاب من أي شبر تحتله قواته على الجغرافية السورية قبل الانتخابات، والبديل عن ذلك هو تقديم وعود وتعهدات للجانب السوري وبضمانة روسية إيرانية مشتركة بان ذلك سيتم في نهاية المطاف ووفق اتفاق وترتيبات مشتركة تضمن مصالح الطرفين وامن الحدود. وبكل الأحوال لو انخرط الطرفان اليوم في التفاوض حول هذه النقطة فأن المسار سيكون طويلا وسيحتاج الى اشهر ربما للوصول الى اتفاقات بشأنه، وهذا الانسحاب سيكون مرتبط ببحث مصير الجماعات المسلحة والحكومة المؤقتة المدعومة من انقرة والتي تدير بعض المناطق شمالا.
النقطة الثالثة هي عودة اللاجئين السوريين
هذه النقطة هي الأهم بالنسبة لتركية، وهي ورقة اردوغان لتعزيز وضعه الانتخابي المقبل. ومع تعثر مشروع اردوغان في إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية يتم ترحيل اللاجئين اليها. اقصر الطرق بالنسبة له هو الاتفاق مع الرئيس الأسد وإعادة اللاجئين الى مدنهم قراهم بدلا من إقامة مساكن لهم على الحدود. اعتقد ان تركية سوف تسرع هذا المسار دونا عن بقية المسارات. وسيكون لذلك متطلبات يجب على انقرة ان تكون جاهزة لها. عودة مليون او اكثر من اللاجئين السوريين الى داخل السوري سوف يزيد ويعمق الازمة الاقتصادية والمعيشية التي تعاني منها سورية بسبب الحصار الأمريكي. لذلك سيكون لزاما على انقرة اتخاذ قرار كسر الحصار المفروض على سورية، وفتح الطرق التجارية من تركية عبر الأراضي السورية نحو الدول العربية وتعزير التعاون التجاري وتبادل السلع.
من مصلحة سورية بناء افضل العلاقات مع الجارة تركية أيا كان من يحكمها، ومن مصلحة سورية انسحاب تركية من ملف الحرب السورية لانه سيعني الاقتراب جدا من اغلاق حقبة الحرب بالكامل وعودة التعافي. ولا اعرف بالضبط ان كانت هذه الانعطافة التركية والتوجه التركي لاقامة علاقات طبيعية مع دمشق يحرج بعض الدول العربية التي ما زالت تطيع الفيتو الأمريكي. يجب ان يكون ذلك محرجا جدا
المسار انطلق ومازال في بدايته وليس في مرحلة الخاتمة السعيدة التي صورها البعض وسوف نشهد المزيد من الاجتماعات على كافة المستويات بين البلدين، لكن المهم هي النتائج
هناك ثلاثة نقاط تم الإشارة اليها سيتم التفاوض حولها.
كاتب واعلامي
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم