| غسان سعود
تتألف العملية الانتخابية من ثلاث مراحل: الأولى تشمل الاستعدادات والتحالفات وتشكيل اللوائح والاستطلاعات والحملات وتجهيز الماكينات وغيرها، والثانية تتركز في اليوم الانتخابي مع ما يسبقه من ساعات قليلة وما يتبعه من فرز وإعلان نتائج. أما الثالثة فتُركز على التدقيق في أرقام الأقلام والمرشحين لفهم سلوك الناخبين وتقييم عمل الماكينات. وإذا كان الصخب العلنيّ سمّة المرحلتين الأولى والثانية، فإن المرحلة الثالثة تتسم بكثير من الهدوء والدقة، ولا تُقدم عليها سوى الماكينات الانتخابية الجدية التي لديها القدرة على الوصول إلى كل الأرقام في الأقلام كافة، مع تفاصيلها المذهبية المملّة، قبل فرزها ومقارنتها بالأرقام الانتخابية السابقة وما لديها من معلومات عن الناخبين، قبل تسجيل الملاحظات المتشعبة وتبويبها لتقييم النجاحات والعثرات وأخذ العبر والاستعداد بجدية علمية أكبر للاستحقاقات المقبلة. قراءة نتائج الانتخابات تظهر بالتفصيل حجم وطبيعة المشاركة لكل طائفة ومنطقة وحزب في الانتخابات الأخيرة، وكيفية تصويت المغتربين، وحجم التغيير في سلوك الناخبين بعد كل ما حصل منذ 17 تشرين الأول 2019. وقراءة الأرقام (بل وحفظها) ضرورية جداً لإظهار الأحجام الحقيقية للقوى السياسية لرسم الاستراتيجيات وتحديد كيفية التعامل معها بعيداً من التضخيم الإعلامي. «الأخبار» ستنشر على حلقات قراءة في نتائج الانتخابات، تنقسم في كل دائرة بين عرض لبعض الأرقام من دون تعليق الكاتب ليتمكن كل قارئ من تحليل الواقعة كما يشاء، وعرض لأرقام الأخرى مربوطة بمعلومة أو معطى قد يفيدان القارئ في تحليله الخاص لنتائج الانتخابات
بعد تحقيق لائحة بيروت مدينتي نتيجة باهرة في انتخابات 2016 البلدية، أتت انتخابات 2018 النيابية لتحقق القوى السياسية الجديدة خرقاً وحيداً في كل لبنان في دائرة بيروت الأولى (عبر النائب بولا يعقوبيان)، قبل أن يتضاعف الصخب في هذه الدائرة بعد 17 تشرين الأول 2019 وتصبح المسرح الرئيسي لعمل الجمعيات عقب انفجار المرفأ. وإذا كانت يعقوبيان قد حرصت منذ بداية حركتها السياسية على الظهور بمظهر ناشطة في المجتمع المدنيّ أكثر من كونها إعلامية سابقة في تلفزيون المستقبل ومدربة سياسية لنواب المستقبل ومستشارة إعلامية للمؤسسات والغرف الحريرية، كان النائب نديم الجميل سبّاقاً في محاولته استيعاب الشباب عبر مبادرة «أشرفية 2020» التي مثلت صلة وصل مهمة بين مكوّنات المنطقة الاقتصادية والاجتماعية من جهة والسياسية من جهة أخرى. وسرعان ما استلحقت القوات اللبنانية نفسها بعد تفجير المرفأ باستحداث كل ما يمكنها من جمعيات ومبادرات مع تمويل هائل. وعلى مدى ثلاث سنوات، شهدت هذه الدائرة ما لم تشهده أي دائرة أخرى لجهة الحركة الميدانية والتعبئة والإنفاق.
على مستوى الإنفاق، يكفي القول إن بيروت الأولى دائرة رجل الأعمال أنطون الصحناوي الذي موّل مرشحين ولوائح مناوئة للتيار الوطني الحر في كل لبنان فكيف الحال في دائرة حاصلها الانتخابيّ هو الأقلّ (6000 صوت)، ويكفي المرشح فيها 3 آلاف صوت ليكون منافساً جدياً، فيما يحتاج المرشح في دوائر أخرى إلى أكثر من 17 ألف صوت ليحلم بالنيابة. وبموازاة الصحناوي، تمتعت لائحة القوات اللبنانية بقدرات مالية استثنائية: فإلى الدعم المالي السعودي للحزب، هناك القدرات المالية للمرشح القواتي غسان حاصباني الذي يملك ثروته الخاصة الكبيرة، وقدرات لم تكن متوقعة للمرشح جهاد كريم بقرادوني، ناهيك عن رجل الأعمال جورج شهوان. ومالياً، أيضاً، نشطت في هذه الدائرة أيضاً، وعلى نحو كبير، النائبة بولا يعقوبيان التي توسعت في توزيع رشاوى انتخابية تحت عنوان المساعدات الإنسانية من مواد غذائية وحليب وأدوية وأثاث وغيرها. مع التنويه هنا إلى أن «مساعدات» يعقوبيان، خلافاً لماكينة القوات، لم ترتبط مباشرة بالسؤال عن مكان الانتخاب وعن التوجهات السياسية للمستفيدين. ومن بين القوى المالية أو الخدماتية في هذه الدائرة، هناك أيضاً حزب الطاشناق الذي يمتلك مؤسسات اجتماعية وتربوية وصحية ورياضية على تماس مباشر مع الناخبين طوال العام، وليس عشية الانتخابات فقط.
مع ذلك، ورغم التعبئة الإعلامية والحركة السياسية الميدانية والمال الانتخابي، لم تزد نسبة الاقتراع أكثر من 2.64 في المئة مقارنة بعام 2018.
في الشكل، كان التنافس في هذه الدائرة التي تضمّ ثمانية مقاعد بين التيار الوطني الحر والطاشناق من جهة وخصومهما من جهة أخرى. أما في المضمون، فقد توزّع خصوم التيار والطاشناق على خمس لوائح. وفيما يعتقد البعض بأن هذه كانت نقطة ضعف القوات والكتائب والمجتمع المدني، إلا أنها في الواقع نقطة قوة. إذ يسمح تعدّد اللوائح بمضاعفة عدد المرشحين الذين يتناتشون الأصوات من الكتلة الناخبة العونية، وبمضاعفة عدد المتمولين الذين يشترون الأصوات، ويؤدي إلى تشتيت تركيز التيار الذي يجد نفسه أمام 40 مرشحاً بدل أن يكون أمام ثمانية فقط. أما الناخب الذي كان يختار التيار والناقم على أداء التيار، فلن يكون حين يقف خلف العازل مضطراً للاختيار بين لائحتي التيار والقوات عصبها، بل سيجد نفسه أمام خيارات أخرى.
في مجموع الأصوات، حلّ تحالف القوات – بقرادوني – شهوان – حزب الهنشاك أولاً بـ 13220 صوتاً، يليه تحالف أنطون الصحناوي – الكتائب ممثلاً بنديم الجميل ثانياً بـ11271 صوتاً، ثم تحالف التيار – الطاشناق ثالثاً بـ 10950 صوتاً، فتحالف «لوطني» الذي ضم يعقوبيان والقيادي العوني زياد عبس والناشط البيئي زياد أبي شاكر بـ 8261 صوتاً، ثم لائحة شربل نحاس بـ1510 أصوات، وأخيراً لائحة بيروت مدينتي بـ1089 صوتاً. ومع بلوغ الحاصل الانتخابي الأول 5837 صوتاً خرجت لائحتا نحاس و«بيروت مدينتي» من المنافسة، لتبقى أربع لوائح، حصل كل منها على مقعدين نيابيين. وإذا كانت النتيجة تبدو عادلة للجميع، فإن التدقيق في مضمونها يشير إلى ثلاث مفارقات رئيسية:
1- تراجع التمثيل النيابي للتيار والطاشناق من أربعة مقاعد عام 2018 مقابل أربعة مقاعد للقوى الأخرى، إلى مقعدين مقابل ستة لخصومهما، بعدما خسر كل منهما مقعداً في هذه الدائرة.
2- في انتخابات 2018، كانت القوات والكتائب ومرشح أنطون الصحناوي (النائب جان طالوزيان) والنائب السابق ميشال فرعون في لائحة واحدة نالت 16772 صوتاً تفضيلياً، فيما حصلت لائحة القوات وحدها (مع دعم غير معلن من فرعون) في انتخابات 2022 على 13220 صوتاً، ولائحة الكتائب والصحناوي على 11271 صوتاً. بالتالي، فإن تحالف القوات والكتائب والصحناوي لو تكرر في الانتخابات الأخيرة، كان سيسمح لهؤلاء بالقفز من 16772 صوتاً تفضيلياً عام 2018 إلى 24491 صوتاً تفضيلياً، أي بزيادة أكثر من 7700 صوت، وهو رقم كبير جداً مقارنة بعدد الناخبين في هذه الدائرة.
3- نال مرشح القوات حاصباني على 7080 صوتاً مقارنة بـ 3936 صوتاً للمرشح القواتي عماد واكيم في 2018. للوهلة الأولى، تبدو القوات وكأنها قد ضاعفت حجمها، لكن عند التدقيق يتبين أن الـ 3000 صوت إضافية هي حجم فرعون الذي نال في انتخابات 2018 على 3214 صوتاً.
– حصدت لائحة القوات 13220 صوتاً وحصلت على مقعدين، فيما نالت لائحة يعقوبيان على 8261 صوتاً فقط وتمثّلت بمقعدين أيضاً. وعند فرز النتائج احتدمت المعركة بين اللائحتين: إذ نالت القوات حاصلين وكسر حصل ثالث يبلغ 0.398، فيما نالت لائحة يعقوبيان حاصلاً واحداً وكسر حاصل ثان يبلغ 0.499، ففازت يعقوبيان بالمقعد باعتبارها تملك الكسر الأعلى. فدفعت القوات بذلك ثمن خطأ تكتيكي تمثل بتركها مقعدين شاغرين على لائحتها حين رشحت ستة فقط بدل ثمانية، إذ كان في إمكانها بسهولة إيجاد مرشحين يرفد كل منهما اللائحة بـ 250 صوتاً على الأقل ما يسمح لها بحصد الكسر الأعلى ونيل المقعد الثالث.
5- دخل النائب في كتلة القوات (رغم جزم المطلعين أنه أقرب إلى قائد الجيش العماد جوزف عون) جهاد بقرادوني المجلس من موقع قوة بحصده أكثر من 2000 صوت تفضيلي بقوته الذاتية إثر تركيبه ماكينة انتخابية بدا عشية الانتخابات أنها تعمل بطريقة جدية جداً وهو ما ترجم في صناديق الاقتراع. قدرات بقرادوني المالية لا تزال مجهولة المصدر، وهو بدأ نشاطه المالي في الدائرة قبل الانتخابات بنحو ستة أشهر، ونجح في الحفاظ على التفاف فقراء الدائرة حوله رغم المبالغ المالية الزهيدة التي كان يوزعها مقارنة بمرشحين آخرين. لكن مشكلة بقرادوني أن دخوله القوي إلى هذه الدائرة الانتخابية ومنها إلى المجلس لم يرتبط بخطاب سياسي أو علاقات اجتماعية أو شخصية كاريزماتية إنما بالمال فقط، وما يأتي بسهولة مع المال يذهب بالسهولة نفسها مع مال آخر أو أكثر.
6- رغم كل المال، ورغم تشكيله لائحة مقبولة، فشل أنطون الصحناوي مع تقدم لائحة القوات على لائحته بنحو ألفيّ صوت، في إثبات أنه الأقوى في الأشرفية.
8- حافظ النائب جان طالوزيان نسبياً على رقمه (4043 صوتاً مقابل 4166 صوتاً في 2018) رغم كل الأذى الذي ألحقه القطاع المصرفي (يمثل أنطون الصحناوي، عراب طالوزيان السياسي، أحد أقطابه) بالمواطنين، في تأكيد إضافي على عدم تأثر المصرفيين عموماً والصحناوي خصوصاً سلباً بعد كل ما ألحقوه باللبنانيين، بسبب سطوتهم في الإعلام وعدم شن خصومهم هجوماً مركزاً عليهم.
9- في الشكل، حافظ مرشح التيار الوطني الحر النائب نقولا الصحناوي على رقمه التفضيليّ نفسه: 4781 مقابل 4788 عام 2018، في نتيجة تبدو شبه مستحيلة بعد الجملات التي تعرّض لها العونيون بعد «17 تشرين» وانفجار المرفأ، ورغم الإنفاق المالي الهائل للجمعيات والأحزاب في هذه الدائرة. هذا في الشكل، أما في المضمون فهناك 539 من هذه الأصوات كانت قد ذهبت عام 2018 لمرشح التيار العميد أنطوان بانو، إضافة إلى بعض أصوات صديق التيار الراحل مسعود الأشقر. هذا، إلى جانب توجيه حزب الله الحاسم لناخبيه، أسهم في تعويض الصحناوي الأصوات التي يمكن أن يكون قد خسرها.
10- تراجع مجموع الأصوات التي نالها مرشّحا الطاشناق من 6544 عام 2018 إلى 4958 صوتاً، أي أكثر من 1500 صوت. فرغم كل الكلام عن أخذ العبر من انتخابات 2018 و«تزييت» الماكينة الانتخابية و«تحديث» وسائل التواصل مع الناخبين، تراجعت أرقام النائب هاكوب تيرزيان من 3451 صوتاً تفضيلياً عام 2018 إلى 2647 صوتاً، فيما تراجع عدد الأصوات التي نالها زميله السابق الذي خسر المقعد النيابي ألكسندر ماطوسيان من 2376 صوتاً عام 2018 إلى 2216. أما مرشح الطاشناق الثالث سيرج ملكونيان فحصل على 95 صوتاً في مقابل 717 صوتاً للمرشح الطاشناقي الثالث سيرج جوخدريان في انتخابات 2018.
12- تراجعت أصوات لائحة التيار – الطاشناق من 18373 صوتاً إلى 10950 صوتاً، أي 7423 صوتاً. وقبل التسرع في الاستنتاج، ينبغي الأخذ في الاعتبار أن الطاشناق وحده تراجع بنحو 1586 صوتاً، وأن أصوات الأشقر (3762) لم تعد موجودة، كما خسر التيار تحالفه السابق مع تيار المستقبل ممثلاً بالمرشحين سبوح فالباكيان (1566 صوتاً) ونقولا شماس (851 صوتاً). وبالتالي فإن مجموع الأصوات التي خسرتها لائحة التيار (7423 صوتاً) أقل من عدد الأصوات التي حصل عليها الأشقر وشماس وفالباكيان الذين كانوا مرشحين على لائحته في 2018 (7765 صوتاً)، وهو ما يسمح بالقول إن مشكلة التيار الرئيسية في انتخابات 2022 في دائرة بيروت الأولى كانت في افتقاده الحلفاء أو المرشحين الأقوياء وتبعثر رصيد حليفه السابق الأشقر في أكثر من اتجاه.
13- تبنّى التيار على لائحته مع الطاشناق ترشيح جورج جوفلكيان باعتباره طبيباً في مستشفى الروم يتمتع بحضور إعلامي فحصل على 286 صوتاً.
14- تحمّل التيار وزر ترشيح شمعون شمعون عن مقعد الأقليات رغم ارتباط اسمه بإدارة المولدات الخاصة في منطقة الأشرفية، مع كل ما يمثله أصحاب المولدات من استفزاز للرأي العام عموماً والعونيين خصوصاً. وبرر التيار موقفه بقدرة شمعون على رفد اللائحة بمئات الأصوات، إلا أنه لم ينل أكثر من 230 صوتاً، فيما خسرت اللائحة أكثر من ذلك بكثير بسبب العلاقة المتوترة بين الناخبين وأصحاب المولدات، ما يؤكد مرة أخرى عدم أخذ التيار العبر لجهة ترشيح أسماء استفزازية تتعارض مع ما يرفعه من شعارات. واللافت أكثر أن شمعون، المرشح عن مقعد الأقليات، حصل على 4 أصوات فقط من السريان الأرثوذكس!
15- زادت أصوات يعقوبيان بنحو ألف فقط (3524 صوتاً مقابل 2500 عام 2018)، رغم كثافة الأضواء والاهتمام والمزايدة والتمويل.
16- رغم خسارته، حقق المرشح عن المقعد الماروني (الذي فاز به نديم الجميل) رجل الأعمال (ذات الطابعين الييئي والصناعي) زياد أبي شاكر في مشاركته الانتخابية الأولى نتيجة مهمة بنيله أكثر من 3142 صوتاً. وهو رقم يفترض أن يدفعه إلى التركيز أكثر على هذه الدائرة ومواصلة العمل السياسي والانتخابي. وقد أظهرت يعقوبيان ذكاءً في اختيارها أبي شاكر الذي مثّل رافعة للائحتها من 6842 صوتاً عام 2018 إلى 8261 صوتاً عام 2022، كما أظهرت يعقوبيان لاحقاً ترفّعاً عن الأنانية التي يتّسم بها المرشحون عادة في ظل هذا القانون الانتخابيّ، حين شجعت ماكينتها على تقسيم الأصوات بينها وبين أبي شاكر. ويؤكد مطلعون أن يعقوبيان كانت تأمل من دون شك أن يكون الفائز أبي شاكر وليس سينتيا زرازير إلى جانبها، وقد أجرت كل حساباتها وركّبت لائحتها على هذا الأساس.
17- مارونياً أيضاً، دخل شهوان بقوة إلى نادي المرشحين في دائرة بيروت الأولى بحصوله على 1684 صوتاً تفضيلياً، رغم حسمه قرار ترشحه قبل إقفال باب الترشح بأيام قليلة وعدم تحضيره مسبقاً للانتخابات. وهو حل عاشراً في ترتيب المرشحين، في دائرة تتزاحم فيها الأحزاب والجمعيات ورجال الأعمال. وكان بإمكان القوات اللبنانية، لو شاء سمير جعجع، أن تسقط نديم بشير الجميل لتفوز بالمقعد الماروني بدل مقعد بقرادوني الأرمني، عبر تجيير بعض أصواتها التفضيلية لشهوان. إلا أنها امتنعت عن الأمر، رغم إيحائها لشهوان بأنها قد تفعل ذلك لتشجيعه على الترشح على لائحتها.
ضاعف حزب القوات حجمه بـ 3000 صوت هي عملياً أصوات النائب السابق ميشال فرعون
18- تراجع عدد مؤيدي زياد عبس من 1525 صوتاً حصدها عام 2018 إلى 1000 صوت تفضيليّ فقط، حصل هو على 514 منها (135 في الاغتراب) ونالت المرشحة المدعومة منه عن مقعد الأقليات سينتيا زرازير على 486 صوتاً (95 صوتاً اغترابياً).
19- عشية الانتخابات، كان يسود اعتقاد بأن المرشح عن مقعد الأقليات على لائحة الصحناوي – الجميل، أنطوان سرياني، سيكون الثالث في ترتيب المرشحين على اللائحة نظراً إلى حضوره الكبير في الدائرة كعضو في بلدية بيروت. إلا أن إحدى مفاجآت يوم الانتخابات كانت عدد الأصوات التفضيلية غير المتوقع الذي حققته المرشحة عن المقعد الأرثوذكسي على اللائحة نفسها آسما أندراوس، وهو 917 صوتاً، في مقابل 558 صوتاً فقط لسرياني و391 لنجيب ليان الذي أثارت مواقفه الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي قبل الانتخابات.
20- لائحة «بيروت مدينتي» حصدت مجتمعة 1089 صوتاً. ووفق موقع وزارة الداخلية، نالت الناشطة ندى صحناوي 362 صوتاً، وجاك جندو 226 صوتاً، وطارق عمار 158 صوتاً، وليفوز تلفزيان 125 صوتاً. وبالتالي فإن أضعف مرشح على لائحة الصحناوي (نجيب ليان) حصد أصواتاً تفضيلية أكثر من أقوى مرشح على لائحة «بيروت مدينتي» (ندى صحناوي). أما لائحة شربل نحاس فحصلت على 1510 أصوات، بينها 1265 صوتاً لنحاس نفسه (وهذا ليس رقماً سهلاً في مثل هذه الدائرة) و245 صوتاً لبقية المرشحين.
• نيل القوات العدد الأكبر من أصوات النائب السابق ميشال فرعون.
• اجتذابها ثلاثة مرشحين جديين غير حزبيين، هم: جهاد كريم بقرادوني وجورج شهوان ومرشح الهنشاك آرام مليان.
انتقلت القوات اللبنانية في دائرة بيروت الأولى من حزب بمرشح رئيسي واحد عام 2018 حصل على 3936 صوتاً إلى حزب بلائحة متكاملة عام 2022 نالت 13220 صوتاً.
في المقابل، انتقل التيار الوطني الحر في هذه الدائرة من حزب بلائحة متكاملة عام 2018 نالت 18373 صوتاً إلى حزب بمرشح رئيسيّ واحد عام 2022 حصل على 4781 صوتاً.
عام 2018، كان التيار الوطني الحر يمثّل السلطة والقوة في نظر كثيرين، فتدافع المرشحون إلى حجز المقاعد على لوائحه، وفي 2022، مثّلت القوات المال والقوة في نظر كثيرين فتدافع المرشحون لحجز المقاعد على لوائحها.
النواة الناخبة الصلبة لكل من التيار والقوات حافظت على تماسكها – نسبياً – من دون تآكل أو تضخم يذكر. أما غير الحزبيين أو الجو العام فانتقل بالكامل في هذه الدائرة من ملعب التيار إلى ملعب القوات أولاً، والصحناوي – الكتائب ثانياً، ويعقوبيان ثالثاً. ويعزو ذلك أساساً إلى خمسة أسباب: تعبئة سياسية ضد حزب الله وكل من يتحالف معه، إعلام وتواصل شيطنا كل من أُريد شيطنته، تنظيم وماكينة، مال وخدمات، مرشحون. امتلك خصوم التيار الوطني الحر هذه الأدوات الخمس، فيما أدار التيار والطاشناق لها ظهرهما وخاضا الانتخابات من دونها، عن سابق تصور وتصميم. وفي النتيجة ظفر الجميع بتعادل 2 – 2 – 2 – 2 لا يسمح لأحد بأن يدّعي الربح. لكن، عملياً، هناك خاسر ورابح هنا: تراجع التيار والطاشناق من أربعة نواب عام 2018 إلى نائبين عام 2022، فيما تقدم خصومهما من 4 نواب عام 2018 إلى 6 نواب عام 2022.
في أقلام المغتربين، حلّ مرشح القوات غسان حاصباني أولاً بـ 1229 صوتاً، يليه المرشح على لائحة المجتمع المدني زياد أبي شاكر بـ 1020 صوتاً، فزميلته على اللائحة نفسها بولا يعقوبيان بـ 825 صوتاً، ثم النائب نديم الجميل بـ 587 صوتاً، فالنائب العوني نقولا الصحناوي بـ 444 صوتاً. المفارقة أن مرشّحَي حزب الطاشناق حصلا مجتمعيْن على 173 صوتاً رغم كثافة الاغتراب الأرمني. فيما نال المرشح المستقل على لائحة القوات جورج شهوان 186 صوتاً.
سنة وشيعة وأقليات
• في الأقلام الشيعية: حلّ مرشح التيار نقولا الصحناوي أولاً بـ 585 صوتاً بعدما حصل على نحو 300 صوت شيعي فقط في انتخابات 2018، يليه المرشح على لائحة القوات جهاد كريم بقرادوني بـ 87 صوتاً، ثم بولا يعقوبيان بـ 52 صوتاً، فمرشح أنطون الصحناوي (النائب جان طالوزيان) بـ 51 صوتاً، ثم نديم الجميل بـ 26 صوتاً.
• في الأقلام السنية: حلّت لائحة أنطون الصحناوي أولى بـ 2241 صوتاً، ثم لائحة القوات اللبنانية (1258)، فلائحة المجتمع المدني – يعقوبيان (842). وعلى مستوى المرشحين، حلّ طالوزيان أولاً بـ 1160 صوتاً تفضيلياً سنياً، تليه يعقوبيان (611)، فبقرادوني (535)، ثم شهوان (395). في المقابل، نال نقولا صحناوي 216 صوتاً تفضيلياً في الأقلام السنية. وبالتالي، تسوّق القوات اللبنانية بأن فوز العونيين أتى بفضل الصوت الشيعي، فيما نال مرشحوها في الأقلام السنية ضعفي الأصوات التي نالها التيار في الأقلام الشيعية.
• في أقلام الأقليات (ست طوائف لا تشمل الإنجيليين، وهي: السريان الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، اللاتين، الكلدان، الأشوريون والأقباط) تشتتت الأصوات بشكل كامل، في ظل ضعف كل المرشحين عن مقعد الأقليات. وفيما حصلت المرشحة الفائزة بالمقعد سينتيا زرازير على 68 صوتاً تفضيلياً في أقلام الأقليات، حلّ حاصباني أولاً بـ 437 صوتاً، يليه نقولا صحناوي بـ 356 صوتاً، ثم الجميل بـ 280 صوتاً، فيعقوبيان بـ 163 صوتاً. ورغم ضآلة الأصوات فإن رقم صحناوي مهم هنا إذا ما قورن بالحضور التاريخي الكبير للقوات في أقلام الأقليات.
الطاشناق الأول أرمنياً
• في أقلام الأرمن الأرثوذكس، حلّ مرشحا الطاشناق في الموقعين الأول (هاكوب ترزيان – 2002 صوت) والثاني (النائب السابق ألكسندر ماطوسيان – 1775 صوتاً)، يليهما مرشح الهنشاك على لائحة القوات آرام سركيس ماليان (720)، فيعقوبيان (662)، يليها طالوزيان (618)، ثم حاصباني (442) فنقولا الصحناوي (293) وبقرادوني (169). وعليه فإن الطاشناق (3777 صوتاً) رغم تراجعه الكبير وقدرات يعقوبيان الاستثنائية، لا يزال يمثل لدى الأرمن الأرثوذكس نحو ستة أضعاف ما تمثله يعقوبيان. كما أن حزب الهنشاك، في ظل الانكفاء الحريريّ، يتقدم أيضاً على يعقوبيان في التمثيل الأرمني. أما المفارقة فهي في مزاحمة طالوزيان ليعقوبيان رغم الجهد الكبير الذي تبذله الأخيره لاختراق البيئة الأرمنية، بعكس الأول.
بدت القوى السياسية وكأنها متفقة مسبقاً على توزيع المقاعد في هذه الدائرة، فلم يزاحم أحد مرشح القوات عن المقعد الأرثوذكسي غسان حاصباني الذي نال 7080 صوتاً، فيما حصلت المرشحة عن المقعد نفسه على لائحة التيار كارلا بطرس على 137 صوتاً، والمرشح على لائحة المجتمع المدني زياد عبس على 514 صوتاً، وأسما أندراوس (مرشحة أنطون الصحناوي) على 917 صوتاً. ومع ذلك، لم تجيّر القوات صوتاً تفضيلياً واحداً لبقرادوني أو شهوان.
وإذا كانت القوى سلّمت بأن المقعد الأرثوذكسي من حصة حاصباني، فإنها تعاملت بالطريقة نفسها مع مرشح التيار عن المقعد الكاثوليكي نقولا الصحناوي الذي حصل على 4781 صوتاً، في مقابل 200 صوت للمرشح عن المقعد نفسه على لائحة القوات فادي نحاس، و64 صوتاً للمرشح على لائحة المجتمع المدني شارل فاخوري، و391 صوتاً للمرشح على لائحة أنطون الصحناوي (نجيب ليان).
المرشح عن المقعد الماروني نديم الجميل حصد 4425 صوتاً، وواجه منافسة شكلية بحكم حصول المرشح عن المقعد نفسه على لائحة المجتمع المدني زياد أبي شاكر على 3142 صوتاً، والمرشح على لائحة القوات جورج شهوان على 1684 صوتاً، فيما حصل المرشح عن المقعد الماروني على لائحة التيار إيلي أسود على 303 أصوات. وإذا كانت النتائج قد أظهرت مرشحاً قوياً عن كل مقعد فإن كلّ المرشحين عن مقعد الأقليات أظهروا ضعفاً موصوفاً، إذ حلّ المرشح عن مقعد الأقليات على لائحة القوات إيلي شربشي أولاً بـ727 صوتاً، يليه المرشح على لائحة الصحناوي (أنطوان سرياني) بـ 558 صوتاً، ثم المرشحة على لائحة المجتمع المدني سينتيا زرازير بـ486 صوتاً، فالمرشح على لائحة العونيين شمعون شمعون بـ230 صوتاً.