آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » قراءة في نصوص مختارة.. أمير سماوي: شعرية الأمل من أرجاء دمشق إلى بحر طرطوس

قراءة في نصوص مختارة.. أمير سماوي: شعرية الأمل من أرجاء دمشق إلى بحر طرطوس

يُقارب حصاده الشعري اليوم؛ عشر مجموعاتٍ شعرية، بدأها مبكراً، متبعاً سنة أسلافه في الشعر العمودي والموزون، لكنه لم يلبث في هذه الجماليات طويلاً حتى انتقل لأشكال التفعيلة ومناخات قصيدة النثر، وهو في كل تلك التنويعات كان وفيّاً للقصيدة العالية..
واليوم يقف الشاعر أمير سماوي كصوتٍ ملحميٍّ حاملٍ همّ الوطن المُثخن بالجراح، وشاهدٍ على زمنٍ تحطّم فيه اليقين وصار السؤال هو اللغة الوحيدة للحياة..
وفي هذا المقال، سنقوم بقراءة لمختارات من النصوص التي تتراوح بين السرد الشعري والتعبير الفلسفي وغيرها من شواغل القصيدة لديه.
“أيها الوطن
لا يطيقونك شابّاً يتماهى بحرَ عشق،
وأضلوا عن مراعاتك شيخاً ورعاً
يسكب في حكمته زيتَ مصابيح الأعالي؛
ورموا ذكرى طفولاتك
كي يمحوَها من شاء شراً بجلالكْ.
(…)”
فمن خلال الكثير من النصوص التي قدمها الشاعر، نلاحظ حضوراً قوياً للرمزية في صياغة مفرداته وتراكيبه اللغوية.
وفي قصيدته “أيها الوطن”، يظهر الوطن ككائن حي يتألم ويعاني من غدر بعض أبنائه. يقول سماوي: “لا يطيقونك شاباً يتماهى بحرَ عشق” وهو يعكس الصراع بين شباب يتطلعون إلى المستقبل والمستقبل، وآخرين يتمسكون بماضيهم وبمفاهيمهم التقليدية. ومن خلال هذه الصور العميقة، يعكس الشاعر قسوة الواقع الاجتماعي الذي يعاني الإنسان، كما تطرح القصيدة تساؤلات كثيرة وحائرة فيقول: “قل لهم: ابقوا على حدّ مجافاتي، ولا تقتربوا من أسسي”، هنا يبرز مفهوم المساواة والمطالبة بالحفاظ على الأصالة والهوية في وجه التيارات المتلاطمة.. هنا القصيدة لا تبقى في دائرة الحنين والبكاء، بل تتحول إلى خطاب مقاومة وتحدّ.. إنها إعلان للاستقلال والصلابة، رافضاً أن يكون الوطن “شقياً في نوايا عبث الحمقى”.

” شآبيب الضحايا
نسختيَ الأصليةُ انتهت صلاحيّتها،
وبعد أن أبرأتُ ذمتي؛
تلقيت قرار ردّ أن أطلب عنها نسخاَ
ممن نشروا عني خفايا أملي،
واتهموا قلبيَ بافتعال حبٍّ شاهق،
واختزلوني شبحاً مخترقاً.”
وفي قصيدة “شآبيب الضحايا”، يكشف عن فساد القيم وتأثيرها السلبي على الفرد والمجتمع. يقول في نصه: “نسختيَ الأصليةُ انتهت صلاحيّتها، وبعد أن أبرأتُ ذمتي؛ تلقيت قرار ردّ أن أطلب عنها نسخاً ممن نشروا عني خفايا أملي”. في هذه الكلمات، هناك إشارات إلى فقدان الأمل وكشف من يزدرون القيم الإنسانية النبيلة.
وفي هذا النص يقدّم سماوي تشريحاً وجودياً لذاتٍ منكسرةٍ في عالمٍ من الرياء والاتهامات الباطلة.
“نسختي الأصلية انتهت صلاحيتها” جملةٌ مفجعةٌ تلخص أزمة الهوية في زمنٍ أصبحت فيه الأصالة جريمة. والشاعر هنا هو الضحية المُتَّهَمَة بـ “افتعال حبٍ شاهق”، والمُختزَلة إلى “شبحٍ مخترق”.
إنه يسرد سيرة الانهيار في مجتمعٍ يرفض الاعتراف بمرضه، حيث “الهوى جرب أنفاس المريدين”. الصورة هنا قاتمة: “ابتلع الشرق المواثيقَ، وباء الغرب مغلولاً بصنارة أمريكا”. لكن داخل هذا اليأس، تبرق إرادة المقاومة: “هنا كونت ما يسعف شعباً قلقاً”.
القصيدة هي رحلة من التشظي الشخصي إلى محاولة إنقاذ جمعي، بعد أن كان الإنقاذ مستحيلاً.
” كان لي موعد أن أصلح عمري
بحضور قد يشي عن أمل الحب،
وكم ضاع سدى؟!
وإذا الغربال أودى ..
هبطت حولي خيالات تداري غصصي،
واستوحشت ذكري
لأرمى في الأحاديث ردى.”
وهذا ما يوضّح به أكثر نص “كان لي موعد أن أصلح عمري”, إذ يعكس أمير سماوي حالة من الخيبة والنكوص أمام التحديات التي يواجهها الشاعر في مسيرته، عندما يجد نفسه عاجزاً عن إتمام حلمه بعد أن ضاع الزمن، وتراخت هممه في صحوة الجلى.
هذه المفارقة بين الحلم والواقع تمثل حالة الارتباك التي يعايشها الفرد في فترة الأزمات.. يظهر هنا صوت الشاعر الداخلي الذي يسائل نفسه عن ماهية وجوده، ويبحث عن معنى الحياة وسط الفوضى. كما يصوّر الصراع الداخلي والتناقضات التي يعاني منها الإنسان العادي في ظل صراع الأيديولوجيات وتغيّر الواقع، حيث تظهر الهمسات الأخيرة “وإذا الغربال أودى .. هبطت حولي خيالات تداري غصصي”؛ كأنما تهاوت الأماني أمام محيط من الشكوك والآلام.

“دمشق والقيامة
(…)
أغفت دمشق على لظى حرِاتي
مذ باركتني، واصطلت كلماتي
خاضت بأحلامي لأرفعَ زاهياً
أضغاثَ فتنتها على رغباتي
خاب الذين توجسوا فيها صدى
لجهار صوتيَ في مهبِّ جهاتي
دعيَ الجمالُ؛ فقلت يا شام اذرفي
دمعَ التأمل في أمان صلاتي
يا أولَ الدنيا وآخرَها انتهت
أنفاسُ من باؤوا إلى حسرات
(…)”
تتميز لغة أمير سماوي بجمالية عالية وبلاغة قوية، حيث يعتمد على الاستعارات والمجازات التي تزيد من قوة تأثير نصوصه.
وفي قصيدته “دمشق”، نراه يصوّرها كمدينة ملهمة ومصدر للضوء والنور، قائلاً: “صَعُبت مشقّةُ صحوتي؛ لكن فجرَ الشام أيقظنا جميعاً”. ثم يتنقل بين المعاني العميقة التي تصوّر العاصمة السورية،
ليس فقط كمكان، بل كرمز للنهوض.. وفي نصوص أخرى، نجده يُعبّر عن أفكاره بلغةٍ متوهجة، متشابكة بين الفلسفة والسياسة، ما يُضفي على النصوص بعداً آخر يعكس قلقه الفكري والأدبي.
وفي هذه قصيدة -“دمشق”-، تتحول المدينة إلى كائن حي، إلى أمٍّ ومعشوقةٍ وشهيدةٍ. حيث الشاعر هنا لا يخاطب مدينةً من حجر، بل يخاطب روحاً متجسدة: “أغفت دمشق على لظى حراتي”. الحب هنا هو فعل مقاومة: “شكراً لحبك زاد من سكراتي”. لكن الحب لا يمنع الغضب والعدالة: “لا لن يكون لظالمي طعمُ الهنا، سيذوق سمَّ غروره بفتاتي”.
دمشق عند سماوي هي “أول الدنيا وآخرها”، وهي الأساس الذي “قامت عليه قمم الأرض”. القصيدة هي محاولة لاستعادة المدينة من أيدي “الذين توجسوا فيها صدى” وتحويلها إلى فضاء للقيامة المتخيلة: “لقيامتي في كل يوم آت”.

“طرطوس ببساطة
أفقٌ أخضر أو قل جنة،
جهزها الله لإنعاش أضاميم العرى.
قيل من طرطوس؟
قلت: الشيخ بدر ودريكيش
وصافيتا وقدموس،
وفي المشتى وبانياس زغاريد
لطرطوس وأعراس القرى.
قيل ما تكتب عن طرطوس ؟
قلت: النخب الأجدر،
والإبداع والبحر اهتداها
كي تجر الشرق للغرب،
وفيها قبب بيضاء،
وفيها شعل العلم أراجيح الذرى .
ولطرطوس بأرواد وعمريت
ويحمور حضارات أضاءت للورى.
(…)”
من خلال ما تقدّم من نصوص للشاعر أمير سماوي؛ نجده يُعيد صياغة الواقع عبر صور شعرية تعكس محن كبيرة بمختلف أبعادها الإنسانية والاجتماعية.. وهو في كل قصيدة، يطرح تساؤلات فلسفية وفكرية تتعلق بالمجتمع، المستقبل، والمثقف..
وأمير سماوي هو شاعر المأساة السورية بامتياز. وشعره سجلٌ للألم، ولكن أيضاً لإرادة الحياة التي ترفض الموت.
إذ تتراوح لغته بين الرمزية العالية، وبين الصرخة الواضحة والتلميح الغامض. فهو لا يكتب ليجمّل العالم، بل ليكشف قبحه ويحفر تحت أنقاضه بحثاً عن بصيص أمل. وقصائده محاولة مستميتة لـ “إصلاح العمر” في زمنٍ صار فيه الإصلاح ضرباً من المستحيل.

 

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“لا موسيقى للإبادة”.. 400 فنان عالمي يقاطعون إسرائيل ثقافيا

أعلن أكثر من 400 فنان عالمي انضمامهم إلى مبادرة ثقافية جديدة، تدعو لإزالة الأعمال الموسيقية من منصات البث الرقمية الإسرائيلية، في خطوة احتجاجية على الإبادة ...