عملت زهرة سنوات إلى جانب القوات الأميركية التي كانت تحارب طالبان في أفغانستان قبل انسحابها، وكانت تفصلها أيام معدودة عن إجلائها إلى الولايات المتحدة قبل أن يصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا بتعليق طلبات اللجوء.
قالت زهرة إنها باعت كل ممتلكاتها في بلدها وكانت تنتظر ركوب الطائرة في باكستان وتحقيق حلمها بالهجرة بعد عملية مضنية استمرت ثلاث سنوات لقبولها في برنامج أميركي لإعادة التوطين، جمّده ترامب مباشرة بعد دخوله البيت الابيض.
وقالت الموظفة السابقة بوزارة الدفاع الأفغانية البالغة 27 عاما لوكالة فرانس برس من إسلام أباد “وقفنا معهم طوال السنوات العشرين الماضية، كل ما أريده هو أن يفوا بالوعد الذي قطعوه”.
أضافت باكية عبر الهاتف ومستخدمة اسما مستعارا لحماية نفسها “الأمنية الوحيدة التي لدينا هي أن نكون آمنين وأن نعيش حيث يمكن أن ننعم بالسلام وبحياة عادية كبشر”.
انسحاب القوات الأميركية من كابول عام 2021 أنهى حربا استمرت عقدين، لكنه تسبب أيضا بنزوح جديد، فقد تهافت الأفغان للخروج من البلاد خوفا من تعرضهم للانتقام بعد عملهم مع واشنطن وهربا من قيود حكومة طالبان.
وبحسب منظمة المجتمع المدني “أفغان إيفاك”، أدى الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب بوقف قبول طلبات اللجوء لمدة 90 يوما على الأقل اعتبارا من 27 كانون الثاني/يناير، إلى منع نحو عشرة آلاف أفغاني من دخول الولايات المتحدة وبدء حياة جديدة بعد حصولهم على الموافقة.
أضافت المنظمة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا أن عشرات الآلاف من الطلبات الأخرى قيد المعالجة تم تجميدها أيضا.
وقال رئيس المنظمة شون فاندايفر لوكالة فرانس برس “الأشخاص الذين دافعوا عن فكرة أميركا على اختلافهم هم الآن في خطر”، مضيفا “نحن مدينون لهم بإخراجهم”.
– آمال تحطمت –
وأورد قرار ترامب أن تعليق برنامج إعادة التوطين جاء لأن “الولايات المتحدة تفتقر إلى القدرة على استيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين، وخصوصا اللاجئين”، مع إشارة إلى امكان استئناف العمل به بعد جعله “يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة”.
ويعتبر ناشطون أن واشنطن مدينة لهؤلاء الأفغان الذين تركتهم خلفها عقب الانسحاب الذي التزم به ترامب في ولايته الأولى ونفذه خلفه جو بايدن.
ورغم أن برنامج منح التأشيرات الخاصة للأفغان الذين عملوا لصالح الولايات المتحدة أو نيابة عنها لا يزال ساريا، إلا أن غالبية الجنود والموظفين الحكوميين الأفغان السابقين وأفراد أسرهم اعتمدوا على برنامج إعادة التوطين للخروج من أفغانستان.
ومع إغلاق السفارة الأميركية في كابول، انتقل العديد منهم إلى باكستان المجاورة للتقدم بطلبات لجوء وإجراء مقابلات والخضوع لتدقيق.
وتسعى نساء أفغانيات كثيرات لمغادرة البلاد بعد أن حظرت عليهن حكومة طالبان الالتحاق بالمدارس الثانوية والجامعات وأمرتهن بارتداء ملابس تغطي الجسم بالكامل.
وقالت ابنة موظف حكومي سابق تسعى إلى إعادة التوطين من باكستان “كان لدي آمال كبيرة في أن تتخرج شقيقاتي من المدرسة ويواصلن تعليمهن”.
أضافت الشابة البالغة 23 عاما “تحطمت كل آمالي. تنتابني كوابيس وعندما أستيقظ في الصباح أشعر كأنني لا أستطيع النوم مرة أخرى. أنا قلقة جدا”.
وقضت محكمة العدل الأوروبية العام الماضي بأن للنساء الأفغانيات الحق بالاعتراف بهن كلاجئات في الاتحاد الأوروبي لأن القيود التي تفرضها حكومة طالبان على النساء “تشكل أعمال اضطهاد”.
وهذا الأسبوع، قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إنه يسعى إلى إصدار أوامر اعتقال بحق قادة حكومة طالبان لأن هناك أسبابا للاشتباه في أنهم “يتحملون المسؤولية الجنائية عن جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الاضطهاد على أساس الجنس”.
وقالت مونيزا كاكار، المحامية التي تعمل مع اللاجئين الأفغان في باكستان، إن بعض النساء أخبرنها أنهن “يفضلن الانتحار على العودة إلى أفغانستان”.
وأعلنت حكومة طالبان عن عفو عام وشجعت الفارين على العودة لإعادة بناء البلاد التي وصفتها بأنها ملاذ للقيم الإسلامية.
لكن تقريرا صادرا عن خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عام 2023 أفاد بأن “العفو عن المسؤولين الحكوميين والعسكريين السابقين يتم انتهاكه”، لافتا الى “تقارير موثوقة عن عمليات إعدام بدون محاكمات عادلة وأفعال تعادل الاختفاء القسري”.
– “فقدت كل شيء” –
في الصيف الماضي، اشتكت وزارة الخارجية الباكستانية من وجود نحو 25 ألف أفغاني في البلاد ينتظرون إعادة توطينهم في الولايات المتحدة.
وكانت إسلام آباد قد أعلنت عام 2023 أيضا عن حملة شاملة لطرد الأفغان الموجودين على أراضيها بشكل غير قانوني وأمرتهم بالمغادرة أو مواجهة الاعتقال على خلفية توتر علاقاتها مع حكومة طالبان.
وغادر ما لا يقل عن 800 ألف أفغاني باكستان منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفقا للمجلس النروجي للاجئين.
لكن الأفغان الذين ينتظرون إعادة توطينهم أفادوا أيضا بتعرضهم لمضايقات واسعة من قبل السلطات في باكستان للمغادرة.
وأبلغ متحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية الصحافيين هذا الأسبوع أن إدارة ترامب لم تبلغ إسلام أباد بعد بأي سياسة جديدة للاجئين.
وقال شفقت علي خان إن إسلام آباد تتبع “الخطة القديمة نفسها” التي التزمت واشنطن بموجبها استقبال اللاجئين هذا العام.
ويشعر الأفغان الذين ينتظرون حياة جديدة في الخارج بأنهم محاصرون بين مستقبل ضائع واحتمال العودة إلى وطنهم.
“ليس لدي خيار العودة إلى أفغانستان، ووضعي هنا مزرٍ”، هكذا قال الصحافي الأفغاني السابق زهير بهاند (52 عاماً).
أضاف “لم يعد لدي حياة ولا سلام ولا مستقبل ولا تأشيرة ولا منزل ولا عمل: فقدت كل شيء”.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم