| ليلى نقولا
ليس لمحكمة العدل الدولية أيّ جهاز تنفيذي، ولا يمكنها أن تتخذ إجراءات مباشرة لتطبيق قراراتها بحق الدول.
أصدرت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة قرارها بوجوب “أن تعلّق روسيا العمليات العسكرية في أوكرانيا على الفور”، وصوّتت بأغلبية 13 صوتاً مقابل صوتين لمصلحة أوكرانيا في القضية التي رفعتها في 27 شباط/فبراير الماضي، متهمةً “روسيا بالتلاعب بمفهوم الإبادة الجماعية لتبرير عدوانها العسكري”، فما قوة هذا الحكم؟ وما القدرة على التنفيذ؟
أولاً: في تعريف المحكمة واختصاصها
خلفت محكمة العدل الدولية المحكمة التي سبقتها، والتي انبثقت من مؤتمر السلام في لاهاي في العام 1899. بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، وضع مجلس عصبة الأمم، بمساعدة مجموعة من القضاة، الخطط الأولى للمحكمة الدائمة للعدل الدولي. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، تأسست محكمة العدل الدولية في العام 1945، وبدأت أعمالها في العام اللاحق كبديل من المحكمة التي أقرّتها عصبة الأمم.
ينبع أحد أهم أهداف المحكمة من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنصّ على أنّ أعضاء الهيئة “يحلّون منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية، على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر”.
ويشكّل نظام المحكمة الأساسي جزءاً لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة (الفصل الرابع عشر/ المادة 92)، ويعتبر جميع أعضاء “الأمم المتحدة” بحكم عضويتهم أطرافاً في هذا النظام الأساسي (المادة 93).
ومن ناحية الاختصاص، تختص محكمة العدل الدولية باختصاصين ضمن مهامها:
1- الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول طبقاً لأحكام القانون الدولي.
2- تقديم الفتاوى أو ما يسمى الرأي الاستشاري بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
ثانياً: صدور الحكم على الرغم من عدم قبول روسيا باختصاص المحكمة
تعالج محكمة العدل الدولية القضايا التي تتقدم بها الدول فقط، والتي تكون قد قبلت اختصاصها وقبلت الالتزام بها (وهو شرط أساسي)، متى كانت هذه المنازعات القانونية تتعلق بالمسائل الآتية، وفقاً للمادة (36) من النظام الأساسي للمحكمة:
أ – تفسير معاهدة من المعاهدات.
ب – أية مسألة من مسائل القانون الدولي.
ج – التحقيق في واقعة من الوقائع التي تثبت أنها كانت خرقاً لالتزام دولي.
د – نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولي ومداه.
أما من ناحية الصلاحية في النظر في انتهاكات حقوق الإنسان، فطبقاً للمادة التاسعة من اتفاقية “إبادة الجنس”، يمكن لمحكمة العدل الدولية أن تضطلع بالنظر في القضايا التي تعرضها عليها الدول في ما يختص بتفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها أو تنفيذها، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة.
وقد قامت أوكرانيا، ومعها المحكمة، بالنّفاذ من هذه الثغرة الأخيرة بالذات لتخطّي عدم قبول روسيا باختصاص الأخيرة وعدم حضور الجلسات، وذلك على الشكل التالي:
– قدم الأوكرانيون قضيتهم مستندين إلى أن روسيا ادّعت في تبرير العملية العسكرية أن هناك “إبادة جماعية تحصل في أقاليم دونباس”. لذلك، طلبوا من المحكمة النظر في القضية على أساس “اتفاقية إبادة الجنس”، التي تستطيع المحكمة خلالها النظر في قضية ما من دون موافقة الدول المعنية. واستند الأوكران إلى خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اتهم كييف بإبادة القوميات الروسية في أقاليم دونباس.
– تنفي روسيا أن يكون للمحكمة اختصاص في أي قضايا تتعلق باستخدام القوة، لأنها تقع خارج نطاق اتفاقية “الإبادة الجماعية”، ولا يشملها البند التوفيقي في المادة التاسعة منها، وتقول إنَّ استخدام القوة في أوكرانيا يأتي بموجب حق الدفاع المشروع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
– يرفض الروس المبدأ القائل إنَّ الإشارة إلى الإبادة الجماعية في خطاب بوتين يعني أنَّ النزاع مشمول بالاتفاقية، والمقصود في خطاب بوتين هو الوضع الرهيب والفظائع في دونباس، والذي يشكّل بيئة إنسانية عامة. وينطلقون من أن مفهوم الإبادة الجماعية موجود في القانون الدولي العرفي بشكل مستقل عن الاتفاقية، وهو موجود أيضاً في النظم القانونية الوطنية للدول، بما في ذلك الاتحاد الروسي وأوكرانيا.
بالتأكيد، لم تقبل المحكمة بالرد الروسي، واعتبرت أن خطاب بوتين كافٍ لقبول الادعاء الأوكراني بأن الموضوع الروسي الأوكراني متعلق باتفاقية إبادة الجنس، وبالتالي يحقّ لها النظر في القضية بمعزل عن موافقة روسيا وقبولها اختصاص المحكمة، علماً أن الأخيرة، وفي قضية مشابهة، رفضت النظر في الادعاء الصربي (بالذريعة نفسها) ضد دول حلف الناتو التي شنّت عدواناً على صربيا في العام 1999، بحجة “التدخل الإنساني وحماية المدنيين في إقليم كوسوفو من إبادة جماعية تقوم بها صربيا ضدهم”.
ثالثاً: القوة التنفيذية لحكم المحكمة
ليس لمحكمة العدل الدولية أيّ جهاز تنفيذي، ولا يمكنها أن تتخذ إجراءات مباشرة لتطبيق قراراتها بحق الدول. وفي حال تمنّعت إحدى الدول عن الالتزام بقراراتها، فعلى الطرف المتضرّر أن يلجأ إلى مجلس الأمن. ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورة لذلك، أن يقدّم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم (المادة 94).
وهكذا، بعدم قبول روسيا باختصاص المحكمة، وبعدم قدرة الأخيرة على تنفيذ قراراتها لعدم وجود جهاز تنفيذي لديها، وبوجود روسيا في مجلس الأمن، سيبقى قرار المحكمة حبراً على ورق.
في النتيجة، حصلت أوكرانيا على ما تريده من هذا الحكم، وهو التشهير بروسيا والإعلان “الإعلامي” بالانتصار في القضاء ضدها في أعلى محكمة دولية، وهو ما كان متوقعاً في كلِّ الأحوال، إذ إنَّ أغلبية القضاة الذين صوّتوا لمصلحة أوكرانيا هم من الغرب، بينما اعترض على القرار القاضي الروسي والقاضية الصينيّة، ما يعني أنَّ الفرز السياسي انتقل إلى القضاء الدولي.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين