من تداعيات سنوات الحرب الطويلة، والتي تمتد في عمرها الزمني، لأكثر من أربعة عشر عاماً، هي اتساع دائرة الفقر بين شريحة واسعة من السوريين، رغم أنها كانت موجودة، خلال العقود الماضية، لكنها لم تكن بهذا الاتساع بسبب الحرب، وحالة الدمار التي خلفتها في كثير من المناطق، سواء على صعيد الإنتاج وموارد الرزق، أم على صعيد البنى التحتية والخدمية والعمرانية، الأمر الذي أدى لخروج آلاف الأسر من منازلها، وفقدانها لمصادر رزقها، ما أوقعها ليس في ميدان الفقر فحسب، بل وصلت إلى العوز الكلي.
واليوم الحكومة تحاول التصدي لمعالجة هذه الظاهرة، وفق الإمكانات المتوافرة، وفق خطط مدروسة أعلن عنها وزير المالية محمد يسر برنية، كاشفاً عن قرب إطلاق برنامج وطني لمكافحة الفقر في سوريا، ضمن استراتيجية شاملة تعمل عليها الوزارة، بالتعاون مع الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، مؤكداً أن محاربة الفقر هي المدخل الحقيقي لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد.
محاربة الفقر هي المدخل الحقيقي لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد
تصريح برنية جاء خلال الجلسة الحوارية والتي تمت في جناح وزارة المالية ضمن فعاليات الدورة الـ 62 لمعرض دمشق الدولي، حيث شدد فيها على أن الاستراتيجية الجديدة تهدف إلى معالجة أسباب الفقر بشكل جذري، ولاسيما أن نسبته في سوريا تتراوح بين 70% و 90%.، وهذه مؤشرات خطيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وفق رأي الخبير الاقتصادي أكرم عفيف، والذي تمنى في بداية تصريحه لصحيفة “الحرية” أن تكون هذه الاستراتيجية مختلفة تماماً، عن كل دول العالم، وذلك من خلال تحويل الفقراء إلى منتجين، وليس عن طريق المعونات والرعاية التي توفرها، بعض المنظمات الاجتماعية والإنسانية وغيرها.
خبير اقتصادي: يرى إمكانية تحويل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد أسري منتج.. وتحقيق تكاملية الريف والمدينة بمشروعات الإنتاج والتصنيع
اقتصاد أسري منتج
وهنا يرى عفيف إمكانية تحويل الاقتصاد السوري بالكامل إلى اقتصاد أسري منتج، نذكر على سبيل المثال: إمكانية إحداث مزرعة أبقار ضخمة، عدد الرؤوس فيها بالآلاف، وعدد المشتغلين فيها أيضاً بأعداد كبيرة، ويمكن تحويلهم إلى مربين في منازلهم بأعداد مختلفة، ليكونوا منتجين فاعلين، علماً أن هذه الرؤية تم الحديث عنها وفق الاستراتيجية التي وضعتها حول مبادرة المشاريع الأسرية، بحيث يكون هناك مشاريع للأسر الفقيرة، وتحويلها إلى أسر منتجة، وليس بالاعتماد على المعونات، وبالتالي تحقيق دخول تتماشى مع تحسين مستوى المعيشة، وذلك ضمن التركيبة الاقتصادية المتوافرة والمتنوعة في الموارد، والتي لايكاد يخلو بيت سوري منها، وخاصة في المناطق الريفية، مع إمكانية تحويل كامل الأسر إلى مشاريع منتجة، تكمل مسيرتها الأسر في المدينة، من خلال الدخول بمشاريع التصنيع كورشات الكونسروة، والمخلالات، والتعبئة، والتجفيف والتوضيب، وغير ذلك من هذه المشروعات، لتحويل الأسر السورية إلى منتجة، وذلك من خلال الاستراتيجية التي أعلن عنها وزير المالية، مع الأمنيات أن تكون هي استراتيجية لها خصوصية سورية” تحمل حلول إنهاء الفقر في سورية، لأن السوريين منتجون أينما كانوا ولا يعيشون على المعونات وغيرها.
تكاملية المشروعات
بدليل “والكلام للخبير عفيف” النباتات الطبية والعطرية لوحدها في سورية تزيد على 3600 نوع، وهذه قابلة للزيادة، وهذه تتوافر فيها الكثير من فرص العمل، من تجهيز الأرض، وزرعتها، وخدمة المحصول، وقطافه، واستخراج المادة الفعالة، وبالتالي هذه الخطوات مشاريع أسرية مولدة لكثير من فرص العمل في الأرياف، وبالانتقال إلى المدينة، تدخل مرحلة التصنيع وتجهيزها كمنتجات للسوق الداخلية والخارجية، عبر مشاريع تصنيعية وتجارية كل حسب اتجاهه ومكونه الاقتصادي، وبالتالي هذ الرقم الهائل للأنواع الطبية والمذكورة سابقاً، لو استثمرت بالصورة الصحيحة، كل نوع يوفر فرص عمالة بالآلاف لكل نوع، وبالتالي نحن أمام فرصة توفير مئات الآلاف من فرص العمل، في بلد عدد أسره خمسة ملايين أسرة، الأمر الذي يدل على أن سورية لديها حجم استثماري كبير، وغير مسبوق على مستوى العالم، وليس على مستوى الجغرافية السورية ودول الجوار.
وبالتالي لدينا الفرصة لتحويل المجتمع السوري إلى قطاع منتج، وفي كل المجالات، ونحن ذكرنا مثالاً فقط “النباتات الطبية والعطرية” فكيف هو الحال على في المجالات الأخرى، والتي لاتقل عن أهمية ما ذكرت.
وأضاف عفيف نتمنى أن تكون هذه الاستراتيجية في مكافحة الفقر، تحول حالة الفقر الى حالة منتجة بامتياز، وليست حالات تعيش على المعونة والمساعدة، ونحسن إدارة الوفرة لا القلة.
فرصة للتنمية
ويعود عفيف للتوضيح ما بين الاستراتيجية الاقتصادية والتنموية، حيث يرى أصحاب النظرية الاقتصادية الفقر كارثة، في حين يراه التنموي فرصة، للتغير نحو الأفضل، وخاصة أن فقر السوريين أبيض، على اعتبار الجغرافية السورية مليئة بأسباب المعيشة، ونأمل من الحكومة الجديدة إدارة الموارد بصورة أفضل، على عكس الفريق القديم الذي دمر الموارد، وأنهك الفقراء والأسر، وحول معظمهم إلى حالات عوز وفقر مدقع، ومستوى معيشة سيئة، دعم المستوردين على حساب المصدرين والمنتجين، وبالتالي العمل بمضمون الاستراتيجية الجديدة يمكن تحويل سورية إلى خلية عمل منتجة في كل الاتجاهات، وتعالج كل أسباب الفقر، والوصول بالأسرة السورية إلى مستويات متقدمة من المعيشة والرفاهية.