- محمود عبد اللطيف
- السبت 25 أيلول 2021
يبدو تنظيما «قسد» و«النصرة» متخاصمَين في كلّ شيء إلّا في التجارة البينية التي تشهد ازدهاراً مرعيّاً مباشرة من قِبَل الجانب التركي، بما يضمن للأوّل تدفّقاً مالياً مستمرّاً على خزائنه، ويؤمّن للأخير ما يلزمه من محروقات لتحريك آلياته بشكل دائم، وبأسعار «تشجيعية»دمشق | لا تمنع حالة العداء بين «قوات سورية الديمقراطية»، والفصائل المسلّحة الموالية لتركيا، ازدهار عملية تبادل تجاري بينهما، تشمل النفط الخام والمشتقّات المكرّرة وحتى البشر، الذين يُهرَّب الواحد منهم بـ200 دولار أميركي. عبر معبرَي العون وأم جلود تمرّ القوافل الخارجة من حقول الشرق السوري نحو مناطق تسيطر عليها الفصائل، ابتداءً ممّا يسمّى «أسواق المازوت» القائمة في قرى جنوب مدينة جرابلس، حيث تُنقل المواد النفطية إلى مدينة عفرين، ومنها إلى أسواق محافظة إدلب، التي تسيطر عليها «جبهة النصرة»، المتحكّمة بالعمليات التجارية كاملة في مناطق سيطرتها. ولم تتوقّف تلك الحركة عبر المعبرَين المذكورَين إلّا في ثلاث مناسبات: الأولى في شهر شباط من عام 2018 بسبب الهجوم التركي على مدينة عفرين، في عملية أُطلق عليها مسمّى «غصن الزيتون»، والثانية خلال العملية التركية الثانية ضدّ «قسد» والتي حملت اسم «نبع السلام» في تشرين الأول من عام 2019، والمرّة الثالثة كانت جزئية بسبب انتشار جائحة «كورونا» في المناطق الخاضعة لسيطرة كلّ من الطرفين (قسد – تركيا).
وتمثّل المشتقات النفطية والمواد الزراعية (قمح – شعير) أكثر المواد عبوراً من الشرق السوري نحو جرابلس، في حين تُنقل الأجهزة الإلكترونية والمواد الغذائية المعلّبة من التصنيع التركي إلى مناطق محافظة الرقة. وليست ثمّة إحصائية دقيقة لحجم التبادل التجاري من خلال المعبرَين اللذين يُعدّان من أهمّ شرايين التمويل بالنسبة إلى «قسد»، بينما تُعتبر «النصرة» أحد أبرز زبائن النفط ومشتقّاته المنقولة من الشرق السوري، إذ يعتمد تنظيم أبو محمد الجولاني على شركة «وتد» المرخّصة في الأراضي التركية على أنها شركة سورية تعمل على استيراد النفط الأوكراني إلى شمال غرب سوريا، فيما غالبية البضائع التي تحصل عليها هذه الشركة هي من المحروقات المكرَّرة بشكل بدائي أو غير آمن من خلال حراقات كهربائية تنتشر بالقرب من مدينة سرمدا، التي تحوّلت إلى «عاصمة» للنشاط التجاري لـ«النصرة».
وبينما تشهد مناطق سيطرة «قسد» أزمة في تأمين المحروقات، في ما يَعدّه السكّان المحلّيون متعمّداً لإجبارهم على قبول رفع الأسعار الذي كانت قد تراجعت عنه «الإدارة الذاتية» بفعل التظاهرات التي خرجت في مناطق متفرقة من محافظة الحسكة قبل شهرين من الآن، تُتابع القوافل النفطية اجتياز المعابر نحو «أسواق المازوت» بسعر لا يزيد عن 400 ليرة سورية لليتر الواحد من المازوت، ونحو 600 ليرة للبنزين. وتُباع هذه المواد في أسواق محافظة إدلب بالليرة التركية التي يصل سعر صرفها إلى 394 ليرة سورية. وبحسب نشرة الأسعار التي نشرتها «وتد» في الـ20 من الشهر الحالي، فقد كان سعر المازوت 4.4 ليرات تركية، أي ما يعادل 1733 ليرة سورية لليتر الواحد، فيما يصل سعر ليتر البنزين إلى 6.85 ليرات تركية لليتر الواحد (2690 ليرة سورية)، وهذا ما يحقّق ربحاً للشركة يصل إلى أربعة أضعاف رأس المال.
ويُعدّ تعامل كلّ من الحكومة التركية و«قوات سورية الديمقراطية» مع شركة «وتد» العاملة لصالح «جبهة النصرة» في ريف إدلب، خرقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2219 الصادر في شباط من عام 2015 والخاص بـ«تجفيف منابع الإرهاب». وإن كانت «قسد» لا تعدّ جهة يمكن محاسبتها وفقاً للقوانين الدولية، فالحكومة التركية ملزَمة بتطبيق قرارات مجلس الأمن كونها دولة عضواً في الأمم المتحدة أولاً، ومنخرطة ـــ ظاهرياً ـــ في عملية محاربة الإرهاب في سوريا، على رغم أن الواقع يثبت العكس. ولا تعترف «قسد» بأن ما تنقله من بضائع إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية يصل إلى أسواق «النصرة»، فيما يقوم الخطاب الإعلامي المتبادل بين الطرفين على الكراهية المعلَنة، من دون أيّ تلميح من قِبَلهما إلى وجود تعاون تجاري عميق، يحافظ على بقاء «النصرة» قادرة على تأمين ما يلزمها من محروقات لتحريك آلياتها، ويضمن تدفّقاً مالياً مستمرّاً لخزائن «قسد».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)