| أيهم مرعي
الحسكة | على رغم مرور عشرة أيام على إعلان «قسد» انتهاء الاشتباكات مع مقاتلي العشائر في ريف دير الزور الشرقي، واستعادتها المناطق التي خرجت عن سيطرتها، إلا أن هجمات المقاتلين العشائريين لم تتوقّف، في وقت تتواصل فيه حملة اعتقالات واسعة تنفّذها «قسد» في المنطقة، على رغم النصائح الأميركية بضرورة النظر في مظالم أبناء العشائر، والعمل على تحسين واقع الخدمات وتمثيل السكان الأصليين في المجالس المحلية. ولم تهدأ هجمات المقاتلين العشائريين المتفرقة على مواقع وحواجز لـ«قسد» في أرياف دير الزور الشرقية والغربية، وآخرها هجمات في بلدات الصبحة وذيبان والحوايج. والظاهر أن العشائر ترى أنها خسرت جولة مع «قسد»، نظراً إلى عدم توازن القوى عسكرياً بينهما، إلا أنها تستعدّ لجولات أخرى، من خلال التحوّل إلى ما يعرف بـ«حرب العصابات». ولعلّ هذا السيناريو سيكون، في حال تحقّقه، الأصعب على «قسد»، أخذاً في الاعتبار صعوبة مواجهته، وخاصة أن العشائر بدأت تتحدّث، من خلال المواقع والمنصّات التي تتبنّى حراكها، عن تنظيم نفسها عسكرياً وإعلامياً، استعداداً لمعركة طويلة الأمد في المنطقة.
وكانت مجلّة «فورين بوليسي» الأميركية قد حذّرت من أن الاشتباكات بين «قسد» والعشائر «تهدّد استراتيجية واشنطن في سوريا»، موضحةً أن «اندلاع العنف العربي – الكردي يهدّد بالإخلال بالتوازن الدقيق الذي أبقى تنظيم داعش وغيره من خصوم الولايات المتحدة في مأزق». واعتبرت أن «الانتفاضة العربية، رغم أنها هُزمت على ما يبدو، إلا أن تأثيرها سيكون كبيراً»، مرجّحةً أن «تدفع التجربة المشتركة في القتال ضدّ عدو مشترك، العشائر في دير الزور، والتي لديها تاريخ سابق من النزاعات، إلى وضع خلافاتها جانباً للتركيز على الهدف المشترك المتمثّل في الانتقام، ما يوفّر وقوداً كافياً لتمرّد طويل الأمد». ورأت «المجلة» أن «على الولايات المتحدة، رغم التحدّيات العديدة التي تواجهها في أماكن أخرى، أن تكرّس تركيزاً كافياً لسوريا والمنطقة، لضمان عدم ظهور انقسامات مماثلة بين قسد والفصائل العربية الأخرى المتحالفة معها»، محذّرةً من أن «الفشل في ذلك سيخلق مساحة للخصوم لتقويض مكاسب واشنطن التي حقّقتها بشقّ الأنفس».
يأتي ذلك في وقت تواجه فيه «قسد» اتهامات بمخالفتها للتعهّدات الأميركية، بتسليم قرى الريف الشرقي وبلداته إلى أهلها، مع إعادة الأسلحة والآليات المصادَرة منهم، وضمان عدم المساس بممتلكاتهم، أو اعتقال أيّ شخص منهم. وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر عشائرية، لـ«الأخبار»، «شنّ قسد حملة اعتقالات واسعة في ريف دير الزور الشرقي الممتدّ من ذيبان، وصولاً إلى الباغوز، طالت العشرات من أبنائها، وتخلّلها الاستيلاء على أكثر من عشرة منازل وتحويلها إلى مقارّ عسكرية، مع منع الأهالي الذين نزحوا في اتّجاه مناطق سيطرة الحكومة السورية من العودة». في المقابل، تُدافع مصادر مقربة من «قسد» بأن «الحملة تهدف إلى تمشيط كامل المنطقة التي شهدت توتراً أخيراً، وضمان عدم وجود أسلحة وأشخاص يهدّدون أمنها من جديد»، نافيةً «وجود أيّ قرار بمنع الأهالي من العودة إلى قراهم وبلداتهم التي غادروها نتيجة الاشتباكات في الأيام الماضية».
المعارضة تروّج لتشكيل جسم سياسي ومدني في ريف دير الزور، بإشراف أميركي، بما يضمن إدارة أبناء العشائر لمنطقتهم بعيداً عن «قسد»
في هذا الوقت، يبدو واضحاً أن مقاتلي العشائر لا يزالون يعدّون شيخ مشايخ قبيلة العكيدات، إبراهيم الهفل، مرجعية عسكرية لهم، يستندون إليها في مواصلة التصعيد ضد «قسد». وتجلّى هذا في تزايد هجماتهم بشكل لافت، بعد صدور بيان صوتي جديد للهفل، أكد فيه «استمرار القتال ضدّ عصابات قسد في ريف دير الزور»، داعياً إلى «الوقوف وقفة رجل واحد، وبيد من حديد ضدّ الظلم». وأشار الهفل إلى أن «الاتجاه السياسي للعشائر يتّجه نحو الطريق الصحيح من أجل تحقيق المطالب في إدارة مناطقنا على المستويَين العسكري والمدني». وأكدت تصريحات الهفل وجود نشاط سياسي داخلي وخارجي للعشائر، لإقناع الولايات المتحدة بضرورة تغيير نهجها في التعاطي مع «الانتفاضة العشائرية» في دير الزور، والاستماع إلى صوتها الحقيقي، بعيداً عن الشخصيات التي تقدّمها «قسد» على أنها ممثّلة للعشائر. وفي هذا السياق، يُجري شيخ شمل العكيدات، مصعب الهفل، لقاءات متواصلة مع مسؤولين أميركيين في السفارة الأميركية في الدوحة، في محاولة لتفنيد روايات «قسد» حول العشائر، والضغط في اتجاه الاستماع إلى مطالب هذه الأخيرة. وعلى المستوى الداخلي، عُقدت عدّة اجتماعات في حقل العمر بين الأميركيين والشيخ هفل جدعان الهفل، العمّ الأكبر للشيخ إبراهيم، والذي عيّنه بعض الشيوخ والوجهاء شيخاً مؤقتاً للقبيلة، إلى حين عودة الشيخ إبراهيم إلى بيت مشيخة القبيلة في بلدة ذيبان.
يأتي هذا في وقت روّج فيه العديد من الصفحات المحسوبة على المعارضة، لتشكيل جسم سياسي ومدني في ريف دير الزور، بإشراف أميركي، بما يضمن إدارة أبناء العشائر لمنطقتهم بعيداً عن «قسد». وجرى تداول اسم الرئيس السابق لـ«هيئة التفاوض العليا»، رياض حجاب، ليكون رئيساً لهذه الهيئة، وذلك بدعم من قطر، التي تدفع نحو الحصول على دعم أميركي للتوجّه المذكور، مع إمكانية توسيع الإدارة العتيدة لتشمل بقية المناطق العربية في الرقة ومنبج. لكن مصادر عشائرية تنفي، في حديث إلى «الأخبار»، «تبنّي العشائر لأيّ شخص ليكون رئيساً لأيّ جسم عسكري أو مدني جديد لإدارة مناطق دير الزور الخاضعة لنفوذ قسد والأميركيين»، مؤكدةً أن «الحراك العشائري الأخير غير مرتبط بالمعارضة ولا بالحكومة». وتضيف المصادر إن «الضغط العشائري مستمرّ في الداخل والخارج على التحالف الدولي، لدفعه إلى تغيير نهجه، وإبعاد قسد من المنطقة»، مشيدةً بـ«الدور الذي يقوم به شيخ شمل العكيدات، مصعب الهفل، في الخارج، لإيصال الواقع الحقيقي، ومعاناة سكان المنطقة، وإبراز عدم وجود أي تغيّر في نهج قسد المتّبَع في إدارتها».
سيرياهم نيوز3 – الأخبار