- حسين الأمين
- الجمعة 1 تشرين الأول 2021
في ظلّ تكاثر المؤشّرات إلى انسحاب أميركي مقبل من المنطقة الشرقية في سوريا، بدأت «قوات سوريا الديموقراطية» سلسلة تحرّكات واتصالات، تستهدف تحصين وجودها في تلك المنطقة بعيداً من مظلّة واشنطن، والتوطئة للانخراط في «تسوية» مع الحكومة السورية حول مستقبل الأوضاع هناك. وإذ يبدو أن «قسد» باتت، تحت وطأة الخوف من أن تُترك لمصيرها، تَقبل بحوار مع دمشق لطالما استنكفت عنه سابقاً، فإن الخلاف بين الجانبَين لا يزال يظهر كبيراً حول طبيعة «التسوية» المنتظَرة، خصوصاً لناحية ماهية اللامركزية التي يُفترض تطبيقهامنذ قُضي الأمر في أفغانستان بانسحاب الولايات المتحدة من هذا البلد، بدأت قوى وجماعات وحتى أنظمة موالية لواشنطن التحسّب ليوم تُترك فيه لمصيرها، في حال كرّت سبحة الانسحاب الأميركي لتشمل أجزاءً أخرى من منطقة غرب آسيا. ولعلّ واحدة من أبرز هذه القوى القلِقة على مستقبلها، «قوات سوريا الديموقراطية» المسيطِرة على مساحات واسعة في شمال شرق سوريا، والتي بدأت، في الأسابيع الأخيرة، تحت وطأة المخاوف من أيّ انسحاب أميركي من المنطقة الشرقية، محاولات إحياء الحوار المعطّل مع دمشق، عبر اتصالات غير مباشرة يقودها الروس، تستهدف التوصّل إلى تسوية تضمن بقاء «قسد» بعد انسحاب الأميركيين، وتمنع تكرار سيناريو احتلال الجيش التركي لمدينتَي تل أبيض ورأس العين في خريف عام 2019، عقب الانسحاب الأميركي من تلك المناطق. وعلى خطٍّ موازٍ، يسعى المسؤولون الأكراد إلى استطلاع حقيقة الموقف لدى واشنطن، والتحقّق ممّا إذا كانت لديها بالفعل نيّة انسحاب في المديَين المنظور أو المتوسّط.
وأجرى وفد من قيادة «مجلس سوريا الديمقراطية» و«الإدارة الذاتية» الكردية، زيارة إلى موسكو قبل نحو أسبوعين، حيث عقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين روس، على رأسهم المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأدنى، ميخائيل بوغدانوف، وبحث جملة مواضيع أبرزها ما يلي: احتمال شنّ الأتراك هجوماً جديداً على المنطقة وسبل الحيلولة دونه، تحديد شكل الانتشار العسكري في المنطقة الشرقية في حال انسحاب الأميركيين، وإعادة إطلاق الحوار مع الحكومة السورية، تحت رعاية روسية. وبالتوازي مع ذلك، أجرى وفد مشابه من قيادة «مسد» و«الإدارة الذاتية» زيارة إلى واشنطن، التقى خلالها عدداً من أعضاء «الكونغرس»، واستطلع إمكانية استمرارية الدعم الأميركي لـ«قسد»، ومصير التواجد العسكري الأميركي في الشرق السوري.
بدأت تدور نقاشات حول شكل التسوية التي يمكن أن تبصر النور بين القوى الكردية والحكومة السورية
لكن على رغم هذا النشاط البائن الدلالات، ترفض القيادة الكردية مقاربة المشهد في سوريا من زاوية ما حدث في أفغانستان، إذ يَعتبر مصدر مقرّب من دوائر القرار في «قسد»، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الانسحاب الأميركي من أفغانستان لا يشبه بشكله ومضمونه، الواقع الحالي للوجود الأميركي في شمال وشرق سوريا»، مبرّراً توصيفه المتقدّم بأن «قسد قوّة استطاعت هزيمة داعش، على عكس حكومة أفغانستان التي سقطت خلال أيام معدودة أمام زحف طالبان»، مضيفاً أن «قسد قوة عسكرية قاتلت الإرهاب والتطرّف قبل الحضور الأميركي، وستستمرّ في ذلك حتى لو حصل انسحاب أميركي»، متحدّثاً عن أنهم «حصلوا مؤخراً على تطمينات أميركية بعدم وجود نيّة لانسحاب مفاجئ، وأن الانسحاب الأميركي مرتبط بالاستقرار التامّ عبر عملية سياسية شاملة». ويلفت المصدر إلى أن «قسد تملك مقوّمات الصمود العسكري في حال حصل أي انسحاب، لوجود إدارة ذاتية ومجلس سياسي قادر على خوض جولات حوار تفضي إلى توافق سوري ـــ سوري على شكل الحلّ السياسي في المنطقة»، مؤكداً وجود «اتصالات تجريها القيادة الكردية مع الأميركيين والروس، لتحريك ملفّ الحلّ السياسي والتوصّل إلى تفاهمات تضمن حلاً عادلاً يقدّر تضحيات قسد على مدار سنوات الحرب».
ما بعد الانسحاب
على خطّ موازٍ، بدأت تدور نقاشات حول شكل التسوية التي يمكن أن تبصر النور بين القوى الكردية والحكومة السورية. وفي هذا الإطار، يعود مفهوم «اللامركزية» ليتصدّر الجدل، خصوصاً بعدما تحدّث عنه الرئيس السوري، بشار الأسد، في خطابه الأخير أمام الحكومة الجديدة. لكن حتى الآن، لا يبدو أن ثمّة اتفاقاً على ماهية هذا المفهوم وآلية تطبيقه؛ فبينما ترى «قسد» أن اللامركزية المطلوبة ليست «سياسية» فقط، بل ثقافية واجتماعية أيضاً، يوضح مسؤولون حكوميون أن الأسد كان يقصد في حديثه «اللامركزية الإدارية» المنصوص عليها في قانون الإدارة المحلية رقم 107، والذي تمّ تعديله في بداية الأحداث في سوريا. وعلى رغم الانزعاج الذي يبديه قادة «قسد» من خطاب الأسد الأخير، والذي اتّهم فيه «القوى الكردية بالعمالة والانعزال، وهذا الخطاب لا يخدم المصلحة الوطنية السورية، ولا بدّ من تغييره»، بحسب مصادر «قسد»، إلّا أنهم في الواقع بدأوا يبنون عليه تحرّكات واتصالات، إذ «(إننا) لن نوقف السعي للتوصّل إلى اتفاق»، وفق المصادر نفسها. وحول إمكانية استنساخ التسويات التي شهدتها مناطق سورية عدّة، ومنها درعا أخيراً، تجيب المصادر بأن «قيادة قسد لا تؤمن بالتسويات كحلّ، وما حدث في درعا مؤخراً، على رغم مرور 3 أعوام على التسوية الأولى، هو خير دليل»، مضيفة: «من وجهة نظر قسد، فإن البديل من التسويات هو اتفاقات واضحة وقانونية، وتعديلات دستورية تراعي خصوصية المناطق، ولو كان ذلك على حساب مركزية الحكم». وإذ تلفت إلى أن «الخوف من الفوضى التي من الممكن أن تحدث بعد الانسحاب الأميركي، يدفع قسد إلى محاولة توسيع تفاهماتها مع الروس حول مستقبل المنطقة»، فهي تقرّ بأن ذلك «لا يعوّض غياب الاتفاق مع الحكومة السورية»، مستدركة بأن «لا حوار يجري حالياً مع الحكومة السورية، وأن قسد طلبت في الأيام الأخيرة من الروس تفعيل الحوار».
من جهته، يشير مصدر حكومي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «اليقين الحكومي الثابت هو أن الوجود الأميركي غير الشرعي ليس دائماً وسينتهي عمّا قريب»، مضيفاً أن «التاريخ يثبت أن واشنطن تتخلّى عن حلفائها وتتركهم لمواجهة مصيرهم، كما حصل في فيتنام وأفغانستان». ويعتبر المصدر أن «ميليشيا قسد لا تتّعظ من الدروس»، وإن «إصرارها على التحالف مع الاحتلال الأميركي، وابتعادها عن الدولة السورية، يمنح فرصة للاحتلال التركي لمهاجمة المنطقة واحتلال مزيد من الأراضي فيها، في حال انسحب الأميركيون». ويرى أن «الولايات المتحدة لا تريد الخروج من المنطقة قبل التأكد من تهيئة كلّ الظروف لاحتلالها من قِبَل تركيا، كما حدث في تل أبيض ورأس العين، وهو ما تساعده عليه عملياً قسد التي تضع الشروط المستحيلة في أيّ حوار مع دمشق». ويصف «قسد بالميليشيا الخارجة عن القانون، والتي تسرق وتنهب خيرات البلاد من نفط وقمح ومختلف الموارد الاقتصادية، لتكون مساهِمة بشكل كبير في تطبيق قانون قيصر الأميركي، ومنع أيّ تحسّن اقتصادي»، مكرّراً دعوتها إلى «فكّ ارتباطها بالأميركيين والانخراط في حوار وطني إيجابي يُسهم في التوصّل إلى تفاهمات تعيد الدولة السورية إلى كامل الجغرافيا التي توجد فيها هذه الميليشات، وتنزع أيّ ذرائع تركية لاحتلالها».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)