| علاء حلبي
بعد أيام من الهدوء النسبي، الذي قطعه قصف تركي متواتر على مواقع «قوات سوريا الديموقراطية»، أعادت أنقرة تكثيف ضرباتها الجوّية والمدفعية، في وقت تَواصل فيه تهديد مسؤوليها بالعمل البرّي، الذي لا يزال يدور حوله جدل كبير في تركيا. وبينما تخطو واشنطن خطوات ظاهرية متثاقلة لمنع أيّ عمل من هذا النوع، تخوض موسكو، من جهتها، جولات، يبدو أنها الأخيرة، من النقاشات مع القياديين الأكراد، بهدف إقناعهم بتسليم المناطق المستهدَفة للجيش السوري، كحلّ وسط يمكن أن ترضى به أنقرة ودمشق على السواء. لكن هذه المساعي لا يَظهر أنها تؤتي نتائج إلى الآن، في ظلّ استمرار تعويل «قسد» على وعود أميركية لن تجد سبيلها إلى التنفيذ على أيّ حال
مرّة أخرى، طار قائد القوات الروسية في سوريا، ألكسندر تشايكو، لإجراء لقاء مع قائد قوات «قسد»، مظلوم عبدي، والتباحث معه في إمكانية اتّخاذ «الإدارة الذاتية» خطوات على طريق درء الهجوم التركي البرّي الوشيك على مناطق تسيطر عليها، أبرزها تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني). وتبدو هذه هي الجولة الأخيرة للوساطة الروسية، بعد فشل جولات عديدة سابقة، آخرها الأسبوع الماضي، بفعل رفض عبدي الوفاء بتعهّدات سابقة تعود إلى عام 2019 بالانسحاب من الشريط الحدودي مع تركيا، وتسليم مناطقه للجيش السوري. وكان تشايكو قد زار القامشلي أخيراً بطلب من عبدي، حاملاً معه ملفّ الحل المقبول بالنسبة إلى دمشق وأنقرة، غير أنه سمع جواباً كردياً سلبياً، على الرغم من مخاطر المغامرة التي جرّبتها «قسد» في أوقات سابقة، وخسرت بسببها مناطق عديدة؛ أبرزها عفرين وتل أبيض، بعدما راهنت على وعود أميركية غير قاطعة بمحاولة منع الهجمات، لم تترافق مع اتخاذ أيّ إجراءات على الأرض. ويكاد ذلك يتطابق تماماً مع ما يجري في الوقت الحالي، فيما الهجمات التركية طاولت هذه المرّة مواقع تحت النفوذ الأميركي، تمثّل للقوى الكردية أحد أهمّ مصادر دخلها (حقول النفط)، ما أدّى إلى توقف بعضها عن العمل.
تابعت قوات الجيش السوري إرسال تعزيزات إلى خطوط التماس على الشريط الحدودي مع تركيا
لكنّ مصادر كردية تؤكد، في حديث إلى «الأخبار»، أن هذه الضغوط لم تُجدِ نفعاً حتى الآن، مذكّرةً بمحاولات «قسد» ابتزاز الولايات المتحدة أيضاً عبر إعلان تجميد العمليات المشتركة مع «التحالف الدولي»، وهو ما باء بالفشل أيضاً بعد الإعلان عن عودة هذه العمليات. وتشير المصادر إلى أن واشنطن جدّدت محاولتها إحياء خطّتها لربط المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة («الإدارة الذاتية» في الشمال الشرقي ومناطق سيطرة الفصائل المدعومة تركياً في الشمال) من البوابة الاقتصادية، مع تقديم وعود بإنعاش تلك المناطق، مضيفةً إن «قسد» أبدت ترحيباً بالخطّة المُشار إليها، غير أن أنقرة قابلتْها بالرفض، وخصوصاً بعد فشل محاولات عديدة سابقة في هذا الاتجاه، الذي يتعارض أصلاً مع المساعي التركية للانفتاح على دمشق، بوساطة روسية.
ميدانياً، تابعت قوات الجيش السوري إرسال تعزيزات إلى خطوط التماس على الشريط الحدودي مع تركيا، بالإضافة إلى تعزيز النقاط العسكرية في محيط منبج وعين العرب، في انتظار تخلّي «قسد» عن المراوغات السياسية. وفي حال عدم تغيير الأخيرة موقفها، فإن ما سيحدث لن يخرج عن إطار ما جرى في عفرين وتل أبيض سابقاً، عندما أعلنت نيّتها المضيّ نحو مواجهة عسكرية مع أنقرة، وانتهى المطاف بها منسحبةً من تلك المناطق التي سيطرت عليها تركيا وضمّتها إلى نفوذها.