آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » قصيدةُ جبهة المجد درّة سوريّة على تاج الغناء العربي

قصيدةُ جبهة المجد درّة سوريّة على تاج الغناء العربي

سامر الشغري:
إذا سُئلتُ بوصفي صحفياً عندي اهتمامات في الموسيقا وبعض المعرفة فيها عن أفضل عمل غنائي عربي في القرن العشرين، لوضعت على الفور القصيدة الغنائية (جبهة المجد) في طليعة هذه الأعمال.
اختياري هذه القصيدة المغناة ليس من باب التعصب لأنها عمل غنائي وطني سوري، بل لأنها ثمرة جهود مبدعين كبار، من مؤلفها شاعر العربية الأكبر محمد مهدي الجواهري، إذ عدّت في ذروة ما كتب، وملحنها الموسيقار صفوان بهلوان أحد أكبر الموسيقيين السوريين والعرب المعاصرين، ومطربة الجيل ميادة الحناوي وموقعها في الغناء العربي بين القمم، وتوزيع المايسترو المصري مصطفى ناجي صاحب الباع الطويل في التاليف الآلي والتوزيع الأوركسترالي، والعزف لأوركسترا القاهرة السيمفوني أول فرقة سيمفونية عربية.
تبدأ حكاية هذه القصيدة عندما دعت الدكتورة نجاح العطار حين كانت وزيرة للثقافة الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري، إلى إقامة أمسية شعرية على مسرح الحمراء الدمشقي في كانون الثاني من عام 1978، وكان من جملة القصائد التي ألقاها جبهة المجد التي أخذت بألباب الجمهور، وانبهر بجزالتها وقوتها الشبيهة بقصائد المتنبي في مدح سيف الدولة، وبمطلعها الشهير «شممت تربك لا زلفى ولا ملقا» ونشرتها الصحف في اليوم التالي كاملةً وصار التلفزيون السوري يعيد مقاطع منها بصورة مستمرة.
لقد طرب القائد المؤسس حافظ الأسد للقصيدة، وشغلت مكاناً أثيراً عنده، حتى إنه طلب كتابة بيت منها على قبة مكتبة الأسد الوطنية خلال أعمال إكسائها.. وكان اللقاء الأول للرئيس الأسد بميادة بمنزلة إشارة البدء لتحويل هذه القصيدة العصماء لعمل غنائي، لأن مطربة الجيل أخبرت القائد المؤسس برغبته في تقديم عمل وطني فاقترح عليها جبهة المجد لأنه يحبها جداً، وحين حصلت على النص اتصلت على الهاتف بالموسيقار المصري الراحل بليغ حمدي الذي كان يلحن معظم أغانيها، ولكنه عندما سمع كلمات القصيدة الجزلة والصعبة اعتذر على الفور وقال : «دي حجارة ما تتلحنش» وفقاً للمؤرخ الموسيقي الراحل صميم الشريف.
وكان صفوان بهلوان أحد الأسماء التي تواصل معها وزير الإعلام الراحل أحمد إسكندر أحمد لتلحين الأغنية رغم أنه لم يكن وقتها اسماً لامعاً في عالم الفن، ولندع صفوان يكمل القصة إذ يقول: «استدعاني المرحوم الوزير أحمد لمكتبه وأعطاني نص قصيدة جبهة المجد وسألني عن رأيي فيها فقلت له: النص جميل جداً وقوي جداً، فأخبرني أنه عرضه على ملحنين كبار، فاعتذروا بسبب صعوبة الكلمات ثم استمزج رأيي في التصدي لتلحينه، فأجبته: لقد وضعتني أمام مسؤولية كبيرة، ولكنني سأسمعك عملاً لم تجد له مثيلاً، وسأصنع من هذه القصيدة سيمفونية».
وبعد أن درس صفوان بتمعن أبيات القصيدة الخمسة والسبعين اختارعشرة أبيات منها وعكف على تلحينها، إذ قال: «كنت كلما أقرأها أسمعها مغناة في داخلي، غير أني ظللت غير راضٍ عنها وبحت بذلك للمايسترو ناجي الذي تولى توزيعها، فأكدّ لي أني قدمت لحناً خرافياً وأنه علي الابتعاد عنه بضعة أيام ثم الاستماع إليه حتى أخرج من حالة التحفز الموسيقي، وهكذا فعلت وحينها أيقنت أني قمت بعمل عظيم».
وبعيداً عن رواية ملحن الأغنية، فقد استغرق تنفيذ جبهة المجد عاماً كاملاً، إذ أخذ صفوان وقته حتى النهاية واختار لها مقام البيات الحسيني، وهو مقام يدمج البياتي بالرصد والنهاوند ويمزج الطرب مع الشجن.. واستجابة لرغبة صفوان الذي أراد أن يخرج الأغنية بقالب أوركسترالي، ولأن سورية لم تكن تمتلك وقتها فرقة سيمفونية، تم تسجيلها في مصر من خلال فرقة القاهرة السيمفونية، إذ حافظ موزع الأغنية المايسترو ناجي على روح المقام الشرقي، ولكنه سعى لتطعيم العمل بعدد من الآلات النحاسية والخشبية النفخية، وبكورال ضخم ناهزعدده المئة مغن ومغنية ما أغنى التوافق الموسيقي للعمل محققاً تحربة رائدة.
ولأن مطربة الجيل كانت وقتها ممنوعة من دخول الأراضي المصرية بناء على قرار من سلطاتها، تم تسجيل صوتها بأداء خلاق وبصورة منفردة، ثم أضيف إلى عزف الفرقة لتخرج الأغنية الى الجمهور في ذكرى الحركة التصحيحية عام 1983، فأثارت موجة من الانبهار لدى الناس، وعند نقاد الموسيقا الذين رأوا أن ملحنها ألبس القصيدة ثوباً جديداً لم تعرفه منذ وفاة رياض السنباطي، وكرس علوم الموسيقا الغربية لخدمة الغناء العربي، ومن دلائل نجاح الأغنية ان إحدى فواصلها بقيت شارة للأخبار في التلفزيون السوري طوال سنوات.
ومن سوء الحظ أن هذا التعاون الذي أثمر عملاً خلاقاً بين مطربة الجيل وملحن القصيدة لم يتكرر، لأن ميادة امتعضت عندما سجل بهلوان أسطوانة للأغنية بصوته، وعدّته تصرفاً غير مقبول بحقها، لنظل نحن الجمهور المشغوف بالطرب ننتظر منهما لؤلؤة سورية أخرى تضاف إلى تاج الغناء العربي.

سيرياهوم نيوز 6 – تشرين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لقائي بالرئيسِ الشّهيدِ إبراهيم رئيسي… المُثقَّف المُؤمِن بحتميّةِ انتصارِ فلسطين

د. مُحمّد الحوراني قبلَ أسبوعٍ من استشهادِ الرئيس الإيرانيّ الدكتور إبراهيم رئيسي، معَ وزير خارجيّتِه ومجموعةٍ من المُرافقينَ في حادثِ الهبوطِ الاضطراريّ لمروحيّتِه في مُحافظة ...