آخر الأخبار
الرئيسية » الأخبار المحلية » قطار الحجاز يعود إلى الخريطة: بين إعادة التموضع الإقليمي وتنافس الممرات البديلة

قطار الحجاز يعود إلى الخريطة: بين إعادة التموضع الإقليمي وتنافس الممرات البديلة

 

عبدالله سليمان علي

في عمّان، قبل أيام قليلة، خرجت مذكرة ثلاثية إلى العلن بين الأردن وسوريا وتركيا أعادت اسم سكة الحجاز إلى التداول، لا كأثر تاريخي، بل كبداية عملية لإصلاح مقاطع متهالكة واستكمال ثلاثين كيلومتراً مفقودة على الجانب السوري. جاء ذلك مترافقاً مع مقترحات لفتح معبر باب الهوى أمام الشاحنات الأردنية، بما يعيد وصل الشمال السوري بممرات التجارة نحو تركيا وأوروبا. بدا الأمر اجتماعاً فنياً لوزراء النقل، لكنه في الجوهر دشّن سباقاً جديداً على رسم خرائط العبور في بلد يخرج من حرب طويلة ويُعاد تشكيله بخطوط الحديد بقدر ما يُعاد بالدساتير.

تركيا تقدمت خطوة إلى الأمام معلنة استعدادها لتحمل كلفة الدعم الفني والاستكمال. في أنقرة لا يُنظر إلى المشروع كقضبان وحديد فقط، بل كوسيلة لإعادة التموضع: من حضور عسكري مُكلف في شمال سوريا إلى نفوذ مدني طويل الأمد، يتجسد في ربط حلب بدمشق ثم إلى درعا والأردن، مع قابلية التشابك لاحقاً مع “طريق التنمية” العراقي وصولاً إلى الموانئ التركية وأوروبا. إحياء اسم “الحجاز” هنا ليس حنيناً للسلطان، بل استثمار في سردية تقول إن الوصل ممكن بعد الانقطاع، وإن سوريا ليست هامشاً بل ممراً أساسياً.

لكن الخط الذي تسعى تركيا لإحيائه لا يتحرك في فراغ. على الجانب الآخر يتبلور المشروع الإسرائيلي المعروف بـ”سكة السلام” أو “ممر داوود”، الذي يقوم على ربط موانئ الخليج بميناء حيفا عبر الأردن، متجاوزاً سوريا ولبنان. معناه المباشر أن حيفا ينبغي أن تكون عقدة المواصلات، وأن تتراجع دمشق إلى الهامش. هنا يكتسب قرار إصلاح ثلاثين كيلومتراً جنوب تركيا بُعداً سياسياً صريحاً، فهو يعيد سوريا إلى قلب الخريطة ويقول إن طريق التجارة لا يمر حصراً عبر إسرائيل.

المشهد يزداد وضوحاً إذا استُحضر الغائب الأكبر: إيران. فقد خسرت طهران رهانها على ممر بري يمتد من شلامجة إلى اللاذقية بعد سقوط النظام السابق وخروجها من المعادلة السورية. كانت ترى في هذا الممر “الجائزة الكبرى” لاستمرار الهلال الشيعي، لكنها لم تُعر سكة الحجاز اهتماماً كبيراً، بل اعتبرتها رمزية عثمانية لا تخدم سرديتها. اليوم تجد نفسها خارج الحسابات، فيما تتقاطع مشاريع الربط فوق رأسها.

ومع تصاعد التوترات جنوباً، تتداخل مشاريع النقل مع ترتيبات أمنية دقيقة، فالسكك في النهاية جزء من صراع أوسع يُعاد فيه رسم الجغرافيا الأمنية في سوريا. في الجنوب تُبحث ترتيبات برعاية أميركية لإحياء خطوط اتفاق فصل القوات لعام 1974، مع تقسيم لمناطق أمنية حول الجولان وقيود على الطيران. إسرائيل تواصل ضرباتها على مطارات وقواعد سورية وتضع خطوطاً حمراء ضد أي تمركز تركي تعتبره تهديداً مباشراً لحرية عملها. في هذا السياق لا يعود المشروع السككي شأناً اقتصادياً خالصاً، بل بنية تحتية حساسة رهينة للتفاهمات الأمنية.

حتى السويداء، البعيدة عن مسار السكة، تدخل في الحسابات باعتبارها عقدة على الطريق بين دمشق والحدود الأردنية. أي اضطراب هناك قد ينعكس على قدرة دمشق في ضمان سلامة الممرات، خصوصاً مع اهتمام أطراف إقليمية باستخدام المحافظة كورقة ضغط، سواء عبر المساعدات أو عبر استدعاء الرمزية الطائفية.

الأردن بدوره يتعامل ببراغماتية. يرى في المشروع فرصة عملية لتقليص كلفة العبور إلى أوروبا عبر تركيا، لكنه يدرك أنه يقف بين مشروعين متنافسين: واحد يعيد وصل دمشق بإسطنبول وآخر يجعل حيفا المحور الأساسي. لذلك يترك أبوابه مفتوحة أمام الطرفين، مستثمراً كل نافذة متاحة ومؤجلاً الأسئلة الكبرى إلى حين اتضاح موازين القوى.

أما دمشق الجديدة فتراهن على أن إعادة تشغيل الشرايين المقطوعة أفضل من أي خطاب سياسي. إعادة قطار يعبر البادية إلى درعا تحمل إشارة لا تقل عن أي بيان تفاوضي، فهي تقول إن البلاد تعود إلى موقعها الطبيعي كجسر لا كحاجز.

ومع ذلك، فإن مذكرة عمّان تبدو في عمقها صفارة بداية لجولة جديدة على سوريا، جولة تتقاطع فيها السكك مع الحسابات الأمنية والسياسية. القطار الذي سينطلق أولاً، من رصيف دمشق جنوباً أو من محطة حيفا شرقاً، لن يحدد فقط وجهة الشحنات، بل سيكشف أي سردية ستنتصر: سردية بلد يستعيد موقعه كممر طبيعي بين الشمال والجنوب، أم سردية ممر بديل يهمّشه ويمنح الدور لآخرين. وفيما تُعدّ الخرائط على الورق وتُعقد الاجتماعات الفنية في العواصم، تبقى الأنظار معلّقة بسؤال واحد: هل يعود صوت القطار عبر بادية الشام إشارة على بداية تعافٍ اقتصادي، أم يصبح مجرد صدى في سباق محاور لا يتوقف؟

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس الشرع: سوريا انتصرت للعالم وهي ماضية في كتابة فصل جديد من السلام والازدهار

أكد الرئيس أحمد الشرع أن سوريا انتصرت للعالم أجمع عندما أسقطت منظومة إجرام استمرت لـ 60 عاماً، وتحولت من بلد يصدّر الأزمات إلى فرصة تاريخية ...