سكينة محمد ومهران أبو فخر
طقس وعمل سنوي مميز للكثير من العائلات السورية.. إنه موسم قطاف الزيتون الذي يحرص الكثير من الناس وخاصة في الأرياف على استمراره لما له من وقع خاص في نفوسهم، حيث يلتم فيه شمل العائلة ويجتمع الأحبة والأصدقاء لجني محصول هذه الشجرة المباركة وفق وصفهم.
مع بداية فصل الخريف يتوافد الأبناء إلى قراهم لمساعدة أهلهم، والمساهمة بجني المحصول الذي يعد العمل فيه بالنسبة لهم متنفسا ومساحة تبعدهم عن أجواء التوتر والضغط في المدينة، إضافة إلى المردود الذي يوفره لهم من المؤونة والدخل المادي، ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها العائلات جراء تداعيات الحرب.
مراسلو سانا رصدوا عمليات جني محصول الزيتون في عدد من المحافظات السورية، حيث أشار علي عيسى صاحب ورشة للعمال في قرية بسنديانة بريف جبلة إلى أن استعداداتهم للموسم تبدأ مع نهاية شهر أيلول، حيث يقومون بتحضير الشوادر والأكياس والفراطات اليدوية الصغيرة الخاصة بثمار الزيتون، لتتم بعد ذلك رحلة البحث عن العمالة ذات السمعة الجيدة والمتمرسة بالعمل وبقدرتها على إنهائه بسرعة، لافتاً إلى أنه يقوم في كل موسم بجمع أكثر من ثلاثين شخصاً للعمل معه في قريته وعدد من القرى المجاورة.
ولفت عيسى إلى أن العمال يتجمعون منذ ساعات الصباح الباكر استعداداً للانطلاق للعمل، قائلاً: “أقوم بتقسيم العمال إلى مجموعات لكل مجموعة دورها ومهامها، حيث تعمل مجموعة على مد الشوادر تحت الأشجار وأخرى تقوم بقطف الثمار وثالثة تجمعه لوضعه في أكياس استعداداً لترحيله لصاحبه”.
أجواء البهجة والفرح تطغى على المكان عبر فواصل من الاستراحات يتخللها الغناء والمرح وتناول بعض المأكولات، ووصفها العامل رائد جلول باستراحة المقاتل ريثما يعود مجدداً للعمل مع ساعات بعد الظهيرة، لافتاً إلى أن هذا العمل يوفر لقمة كريمة، ويحسن مستوى معيشة أغلب الأسر وخاصة مع ارتفاع أجرة العمالة نوعاً ما.
الشابة جمانة مهنا من القرية ذاتها قالت: إن “العمل شرف الإنسان ولجأت للعمل بجني المحاصيل الزراعية لمساعدة أبنائي وتأمين متطلبات دراستهم، ولا سيما في ظل هذه الظروف الصعبة وارتفاع أسعار مستلزمات التعليم”.
لا تختلف أجواء وطقوس عمليات جني محاصيل الزيتون عن بعضها في المحافظات رغم اختلاف التضاريس الجغرافية، ففي بلدة ريمة اللحف بريف السويداء تتشابه استعدادات الأسر لموسم القطاف، حيث يلتحق الأبناء بالأهل لمساعدتهم في العمل الذي يعد فرصة لهم ولأفراد العائلة لتأمين متطلبات فصل الشتاء من المؤن والزيت والدخل المادي الذي يسهم بتأمين وسائل التدفئة ومستلزمات المدرسة للأبناء وغير ذلك من الحاجات الضرورية حسبما ذكر العامل يزن بشير.
بدورها بينت السيدة أم جمال من أهالي قرية رساس أنها تعمل منذ سنوات بقطاف الزيتون بعد أن فقدت زوجها خلال الحرب على سورية، وذلك لتأمين حياة كريمة لأبنائها، ولتتمكن من تسديد أجار منزلها دون أن تضطر لمد يدها للآخرين.
ويستذكر الشاب موسى المحمد من ريف حمص طقوس جني الزيتون فيقول: “لا أعمل من أجل المال، لكنني اعتدت منذ كنت يافعا على العمل مع أسرتي، واليوم أعمل لأستذكر هذه الطقوس بعد أن غيب الموت الكثير من أفراد عائلتي”.
تبدأ عمليات فرز المحصول بعد نقله إلى المنزل وفق فائق معلا من ريف طرطوس الذي أشار إلى أن عملية تنظيف الزيتون من الأوراق المتساقطة تتم إما باليد أو عبر آلة حديدية تسمى “الغربال أو المسرد”، لتأتي بعد ذلك عملية انتقاء وفرز ثمار المؤونة عن ثمار العصر لنقلها إلى المعصرة واستخراج الزيت.
ويبقى لأجواء قطاف الزيتون طابعها المميز في كل المحافظات السورية، لكن القاسم المشترك بينها أنها تجمع العائلات، إضافة إلى أنها شكلت لحظة التعارف الأولى للكثير من الشبان والشابات الذين ارتبطوا وتزوجوا بعد هذا التعارف وفق رأي العديد من الأهالي.
سيرياهوم نيوز 6 – سانا