أحمد العبد
بدت الخوذة الحديدية التي كانت ترتديها الصحافية رنين صوافطة، مصوِّرة وكالة «رويترز»، مهشّمة، بعدما تعرّضت إلى اعتداء وحشي على أيدي المستوطنين، الذين هاجموا المشاركين في فاعلية قطاف الزيتون، أول أمس، في أراضي جبل قماص، في بلدة بيتا. وفي أثناء تغطيتها هجوم المستوطنين الواسع في الجبل، هجم العديد منهم على صوافطة التي سقطت أرضاً، وبدأوا يضربونها بالهراوات على رأسها بنيّة قتلها، لولا أنّ الخوذة أنقذتها، ومعها المستشار الأمني للوكالة الذي كان يرافقها، وأصيب بدوره بجروح.
ويُعتبر هذا الاعتداء الذي أصيب فيه ستة صحافيين بجروح مختلفة، وأكثر من 10 أشخاص، من بينهم مزارعون ونشطاء دُوليون وإسرائيليون، واحداً من عشرات الاعتداءات التي يشنّها المستوطنون يوميّاً على مناطق واسعة في الضفة الغربية. على أنّ ما بدا مختلفاً فيه أنه ظهر منظّماً خصوصاً بغرض القتل؛ إذ شارك فيه نحو 50 مستوطناً، حاصروا المزارعين من أكثر من اتجاه، وشرعوا في ضربهم، وفق خطّة تصفية مصمّمة مسبقاً، بحسب ما أكّده شهود عيان. ومن بين هؤلاء منذر عميرة، الذي روى لـ«الأخبار» تفاصيل الهجوم، مبيّناً أنّ المستوطنين انهالوا على صوافطة بالضرب من دون رحمة بنيّة القتل، وهو ما دلّ عليه تركّز الضرب في منطقة الرأس، فيما استمرّ مستوطنون آخرون في إلقاء الحجارة عليها وهي ملقاة على الأرض، وهاجموا كل مَن كان يأتي لمساعدتها.
وقال عميرة: «ما جرى في بيتا، يجسّد ما شهدته عموم الضفة الغربية في أثناء موسم الزيتون، بعدما أصبحت هجمات المستوطنين منظّمة، فيما يبدو أنّ المشاركين فيها مدرّبون جيداً، ويستخدمون أدوات جديدة، ويتّبعون خططاً محكمة حول كيفية الهجوم وحجمه، وطرق المباغتة»، مشيراً إلى «(أننا) كنّا كناشطين ومتطوعين في بيتا، لصدّ أيّ هجوم أو اعتداء من جانب المستوطنين. لكن، ورغم احتياطاتنا، تفاجأنا بعدد كبير منهم هاجمونا بشكل مباغت بالحجارة التي كانت تنهال علينا كالمطر».
ووصف المستوطنين المهاجمين بـ«الزومبي»، قائلاً: «كانوا يخرجون من كل مكان، ويضربون الحجارة ويصرخون ويشتمون»، مشيراً إلى أنّ «أحد النشطاء إسرائيلي ويدعى عوديد، وكان برفقتنا في قطاف الزيتون، ويقف في مقدّمة الناشطين كونه إسرائيلياً، لكنه تعرّض هو الآخر للضرب بالحجارة على وجهه، ما تسبّب بكسر في فكّه والعظام في وجهه». وتابع عميرة: «أنا كنت شاهداً وأرى قتل رنين صوافطة. رنين تعرّضت للقتل وليس للإصابة. ما حدث معها ليس إصابة بالمطلق، بل عملية قتل، ولولا وسائل الحماية وتحديداً الخوذة، والمستشار الأمني الذي كان يرافقها وحماها، لكانت قُتلت».
رصدت «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» 278 اعتداءً من قبل المستوطنين، الشهر الماضي
على أنّ هجوم بيتا ليس استثناءً، إذ سبقته عشرات الهجمات المنظّمة؛ من بينها ما رواه عميرة الذي يشارك في حملات الدعم والمناصرة للمزارعين في قطاف الزيتون، من حادث مشابه وقع قبل ثلاثة أسابيع في بيتا أيضاً. إذ قال: «في بداية موسم الزيتون، وقع صدام بين المزارعين والمستوطنين في بيتا. وبعد دقائق، ابتعدوا وانسحبوا من المكان، وكنّا موجودين على تلّة عالية، وفي مقابلنا عائلة فلسطينية أيضاً. لكن بعد دقائق من انسحابهم، قاموا بالالتفاف ومهاجمة العائلة الفلسطينية التي على التلّة الأخرى وضربوهم وأشعلوا النار بالمركبات.
عندها، قمنا بالتوجّه لإنقاذ العائلة وتركنا خلفنا مركباتنا والزيتون. فهاجمتنا مجموعة أخرى كانت تترّبص بنا، وأحرقوا 4 مركبات في المنطقة وكسروا أشجار الزيتون». وأضاف: «هجمات المستوطنين لم تَعُد كما يتصوّرها العالم… تحوّل هؤلاء إلى عصابات منظّمة هدفها ترويع المواطنين، والهجوم على منازل الفلسطينيين وحرقها ومعها الأراضي والممتلكات، واستهداف الصحافيين والمتطوّعين الأجانب والنشطاء الدوليين؛ وتلك أعمال إرهابية منظّمة، غرضها ترهيب الفلسطينيين، والنشطاء الدوليين لمنعهم من العودة».
وشهدت مناطق متفرّقة من الضفة الغربية، أمس، هجمات عدّة شنّها مستوطنون، من بينها إضرام النار في منزل في قرية أبو فلاح، قرب رام الله، وقطع عدد من أشجار الزيتون في قرية دير جرير، شرق رام الله، وسرقة ثمار الزيتون من أراضي عقربا جنوب نابلس. وفي تجمّع المعازي البدوي شرق بلدة جبع شمال القدس، سُجّلت إصابة 7 مواطنين بجروح، جرّاء تعرّضهم إلى اعتداء على أيدي مستوطنين.
ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرنوت»، فإنّ شرطة الاحتلال تحقّق في الهجمات التي وقعت السبت، لكنها لم تعتقل أيّ شخص، وإنه «منذ تولّي الوزير إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي، نادراً ما اعتقلت الشرطة المستوطنين المتورّطين في حوادث عنف، إضافةً إلى أنّ وزير الأمن يسرائيل كاتس، قرّر وقف استخدام أوامر الاعتقال الإدارية ضدّ اليهود».
في موازاة ذلك، قالت الأمم المتحدة، إنّ هجمات المستوطنين تُعدّ الأوسع منذ أكثر من 20 عاماً، حيث سَجّل تشرين الأول الماضي، 264 هجوماً، في أعلى حصيلة شهرية منذ نحو عقدين، مشيرة إلى أنّ عنف المستوطنين أسفر عن تهجير ثلاثة آلاف و200 فلسطيني من أرضهم، ومقتل كثيرين بالرصاص، وإصابة المئات غيرهم، وفقدان آخرين كثر لمصادر رزقهم. من جهتها، رصدت «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» 278 اعتداءً من قبل المستوطنين، تراوحت ما بين الاعتداء الجسدي العنيف، وحملات الاعتقالات، وتقييد الحركة ومنع الوصول والتخويف والترهيب بكافة أشكاله، وإطلاق النار المباشر.
أخبار سوريا الوطن١- الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
