فضلا عن ثباتها الرزين وصمودها بوجه التعرية ومرور السنين، تسرد القلاع في سلطنة عمان حكايا بطولات سطرها شعبها في صد المعتدين، وتُبرز جمال العمارة وهندسة التحصين.
تتجلى في هذه القلاع فنون العمارة الفريدة وطرز الهندسة العمانية القديمة التي راعت أدق التفاصيل لتعزيز مقومات الصمود، وظلت شاهدة على براعة المقاتلين في مقاومة الغزاة وصد المعتدين.
وبالإضافة إلى غرضها الأساسي حصنا للاحتماء وقت الحروب، تعددت استخدامات القلاع بين مقر لإدارة الحكم المحلي حيث كان يقيم فيها الإمام وأسرته، كما استخدمت لعقد الاجتماعات ومناقشة مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولحلقات العلم والدراسة.
كانت القلاع في أوانه خطا للمقاومة واليوم استحالت وجهة سياحية يقصدها هواة السفر عبر الزمن لسبر ألغازها واكتشاف أسرار كمائنها المحكمة، ولاستذكار بطولات سطرها العمانيون بالدفاع عن وطنهم في وجه الغزاة الطامعين.
تنتشر في جغرافية عمان مئات القلاع التي تهتم بها وزارة التراث والسياحة وتعمل على تسهيل وصول السياح المحليين والأجانب إليها، وأبرز ما زارته الأناضول منها:
** قلعة نزوى
على مسافة نحو 163 كيلومترا عن العاصمة مسقط تتربع قلعة نزوى المعروفة أيضا باسم “الشهباء” شامخة في محافظة الداخلية شمال البلاد.
تنفرد القلعة بشكلها الدائري الضخم وهندستها المعمارية الفذة، حيث استخدم العمانيون في بنائها الصاروج والطين، وتقف شامخة بارتفاع يبلغ 24 مترا وقطر طوله 43 مترا، مشيدة على قاعدة مردومة بعمق 15 مترا تحت الأرض.
بناها الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي الذي اشتهر بطرد البرتغاليين من عمان منتصف القرن السابع عشر الميلادي، واستغرق بناؤها 12 عاما (من 1656 إلى 1668).
يمكن الصعود إلى أعلى القلعة عن طريق سلم ضيق مزود ببوابات حصينة تخفي خلفها فخاخا تتمثل بحفر خفية، وتعلوها أماكن تسمح للمقاتلين بصب الماء الساخن والقار المغلي على رؤوس المتسللين.
منصة القلعة الدائرية مزودة بفتحات للمدافع تضمن إطلاق النار بمحيط 360 درجة، بها سبع آبار وفتحات متعددة يرابط فيها المقاتلون المدافعون عن القلعة والمدينة.
لم يتجاهل مصمموها توفير كل مقومات الصمود، فخصصوا داخلها غرفا لتخزين السلاح والذخيرة، ومرابض مدفعية، وآبارا للمياه ومخازن لحفظ التمور وزنازين لاحتجاز الأسرى.
وفي الأعلى تتسيد الصالة الأهم المسماة “البرزة” وهي مقر إقامة إمام البلاد الذي كان يجلس عادة مقابل الباب مباشرة ليكون أول المستقبلين للزائرين وأول المحتفين بهم.
كما تضم القلعة 480 كوة لرمي الغزاة أثناء الهجوم، وتضم 240 سرجا للزينة و120 عقدا لوقوف الحراس و24 فتحة للمدافع الكبيرة.
ويلتصق بالقلعة حصن “العقر” المنيع ذو الممرات المتاهية، ويحدها سوق نزوى التقليدي الذي اشتهر بصناعاته الحرفية المزدهرة .
** قلعتا الميراني والجلالي
في إطلالة طبيعية ساحرة على بحر عُمان، تحتل قلعتا الميراني والجلالي موقعين فريدين في آخر السور الغربي من مدينة مسقط التاريخية شمال شرق البلاد، شاهدتين على ملاحم من البطولة والكفاح سطرها الشعب العماني لطرد الغزاة.
حاليا أضحت القلعتان وجهة سياحية نشطة ومعلما تاريخيا واستثمارا ثقافيا، من خلالها ينظر الباحثون إلى صفحات من التاريخ تحكي صولات العمانيين في الدفاع عن بلدهم بوجه الحملات الاستعمارية في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
ويمكن لزائر القلعتين أن يسترجع قصصا تاريخية جسدتها مسقط عبر العصور، ويرى جوانب الصراع بين عدد من القوى للسيطرة على المدينة واستبسال المقاومة العمانية في تحرير البلاد من قوى الاستعمار.
وبهذه الزيارة يمكن التعرف على تفاصيل فترة الاستعمارين البرتغالي والإسباني، والوقوف على التحصينات وسيطرة المحتلين على ميناء مسقط لأكثر من 147 سنة، والتعرف على فصول تحريرها.
** الميراني
بنيت الميراني على شكل برج كبير قبل قدوم البرتغاليين إلى عمان، وفي عام 1588 أعاد الغزاة بناءها على أنقاض المبنى القديم وأضافوا لها منصات للمدافع ومخازن وسكنا للقائد، ووسعها العمانيون بعد تحريرها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وعند قاعدة صخرة الميراني بنى البرتغاليون حوضاً للسفن ومعقلا على مستوى البحر عام 1610، وزودوه بمدفعية على مستوى منخفض لصد هجوم المراكب المبحرة قرب الشاطئ تحت مستوى المدافع الموجودة أعلى القلعة التي باتت من أهم الحصون.
يوجد كتابة باللغة البرتغالية منحوتة على سور الساحة الخلفية السفلية للقلعة ناحية الميناء، ويبدو أن هذا النقش جرى تغييره بعد عام 1640 عندما استقلت البرتغال عن إسبانيا.
** الجلالي
أما قلعة الجلالي فتقع على ارتفاع 45 مترا عن سطح البحر، وبنيت من حجر رملي على صخور قديمة، وتتكون من برجين متصلين بجدار تتخلله فتحات للمدافع، بالإضافة إلى بعض غرف الخدمات والتخزين.
استكمل البرتغاليون بناءها عام 1588 لتحل محل بناء قديم يعتقد بأنه كان مرصداً على شكل أبراج أقامها أهل مسقط، واستخدمت لاحتجاز المساجين السياسيين وموقعا دفاعيا لمراقبة المدينة.
وفي فترة السيد سعيد بن سلطان بداية القرن التاسع عشر تم تطوير العديد من معالمها.
يستطيع الزائر أن يرى كتابات بالبرتغالية منقوشة على الحجارة، تدون بعض أسماء ملوك الإسبان والبرتغاليين الذين رمموها وعززوا تحصينها، وأضافوا لها كنيسة ومسرحا.
وتضم القلعة مجموعة أبراج مختلفة الارتفاع، ويتعذر الوصول إلى القلعة من الواجهة الصخرية سوى بواسطة جسر صغير وسلم منحوت بالصخر.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم