سناء عبد الرحمن:
تشكّل المواقع الأثرية مساحات خلّاقة لميدان التعاون بين المنظمات الأهلية والمجتمع المحلي، في إطار تعزيز مفهوم الحفاظ على التراث العمراني المميز في سوريا.
وانطلاقاً من هذا المبدأ، تؤمن جمعية “عاديات طرطوس” بأهمية المشاركة المجتمعية في الحفاظ على التراث العمراني، وتحرص على القيام بكل ما يمكن لتحفيز المجتمع الأهلي على حماية المواقع الأثرية.
وقد انطلقت مبادرة إحياء “قلعة يحمور” وجوارها من هذا المبدأ، بهدف تحويل القلعة إلى وجهة سياحية هامة، وتأكيد نجاح تجربة التعاون بين المنظمات الأهلية، المجتمع المحلي، والجهات الحكومية.
تصف رئيسة جمعية العاديات في طرطوس، الدكتورة بتول عيسى، التي نظّمت وأدارت المبادرة على مدى ستة أشهر من العمل الميداني المتواصل أن “قلعة يحمور أكثر من مجرد معلم سياحي؛ فهي “رمز حي لتاريخ طويل ومعقد”.
وقد اختارت الجمعية الموقع الأثري في قلعة يحمور لأسباب عدة، منها الأهمية التاريخية للقلعة، فقد جاءت تسميتها بالعربية نسبة إلى القرية التي تقع فيها، وبالسريانية تُسمى “الأحمر”، ربما بسبب إحمرار التربة في المنطقة، كما يطلق عليها باللاتينية ” الفرنجية” “القصر الأحمر”، ويلاحظ أن أنواع الحجارة المبنيّة منها القلعة هي من الحجارة الحمراء”.
وتشير الحفريات وبحسب عيسى إلى أن المنطقة كانت مأهولة في الأزمنة القديمة، ففي عام 1976م، اكتشف جان سابان موقعاً غنياً بالقطع الصوانية المشذبة بالقرب من يحمور، يُسمى “رامة البصة” “أرض حمد”.
وفي عام 1989م، درست البعثة الجيومورفولوجية المشتركة “السورية ـ الفرنسية” منطقة طرطوس وبشكل خاص “رامة البصة”، ووجدت نوى وشظايا وفؤوساً صوانية ذات وجهين بكثرة، ما يدل على أن الإنسان كان يشغل الموقع لفترة طويلة خلال العصور الآشولية، وقد تم حفظ هذه القطع في متحف طرطوس.
ويكتنف تاريخ القلعة العريقة المسجلة في قائمة التراث الوطني في سوريا بعض الغموض، لعدم توفر المعلومات حولها حتى أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، حيث استولى عليها فرنجة أنطاكيا.
تقع القلعة على أرض منبسطة، وهي مربعة الشكل، مبنية من الحجارة الرملية الحمراء، ويشكل وجود سور ضخم يحيط بالقلعة أحد الأسباب التي جعلت جمعية العاديات تركز اهتمامها على القلعة، إذ يعتبر السور محيطاً واضح المعالم، كما أن موقع القلعة في قلب الحاضنة المجتمعية لقرية يحمور كان أحد الأسباب الرئيسية لاختيار الجمعية هذه المبادرة، وذلك لترسيخ فكرة التعاون مع المجتمع المحلي.
وقد بدأت الجمعيةـ والكلام لعيسى – في عمليات تأهيل شاملة، شملت إزالة النباتات الضارة التي كانت تهدد استقرار البناء، وتنظيف الأحجار المتناثرة في المواقع المختلفة، وأكدت أن الهدف الأساسي من هذه الأعمال كان الحفاظ على الطابع التاريخي والمعماري للقلعة، وضمان عدم تعرضها للتدهور مستقبلاً.
وختمت عيسى حديثها بالقول: “تبقى قلعة يحمور أكثر من مجرد معلم سياحي، إنها قلب نابض لتاريخ المنطقة، حيث تعكس التعايش الثقافي والتطور الحضاري عبر العصور”.
اليوم، تشكل القلعة وجهة سياحية رئيسية في منطقة طرطوس، حيث يتوافد الزوار من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بموقعها المميز وجمالها المعماري، بالإضافة إلى غناها التاريخي الذي يعكس قصص الحروب القديمة والتنوع الحضاري.
وتظل قلعة يحمور رمزاً للتراث العمراني السوري، مستمرة في نقل الحكايات التي مرت بها المنطقة عبر الأزمان، وهي تشكل جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية لطرطوس، وتساهم في تعزيز الذاكرة الجماعية للأجيال الجديدة، وتستمر في تجسيد الإرث الثقافي العريق للمحافظة.
(اخبار سوريا الوطن 2-الثورة)