آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » قلق سعودي من النفوذ التركي والقطري وتفاهم أوسع مع الأميركيين: كيف أعاد سقوط الأسد الرياض إلى لبنان؟

قلق سعودي من النفوذ التركي والقطري وتفاهم أوسع مع الأميركيين: كيف أعاد سقوط الأسد الرياض إلى لبنان؟

 

حسين الأمين

 

 

 

دخل العماد جوزيف عون قصر بعبدا رئيساً للجمهورية من أوسع أبوابه، بعدما حصد 99 صوتاً في الجولة الثانية من جلسة الانتخاب، فضلاً عن حيازته دعماً عربياً وغربياً غير مسبوق. ولم يكن وصوله إلا نتيجة تداخلات داخلية وخارجية، تفاعلت بشكل مكثّف خلال العام الأخير، وتحديداً في الشهر الأخير منه، مع الزلزال السوري.

أي مراجعة لطبيعة التحوّلات السياسية المفصلية في لبنان، في العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل، توضح أنها كانت مرتبطة مع القضيّة السوريّة في مكان ما، بدءاً من الطائف، ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان، واندلاع الأزمة السورية عام 2011، وأزمة اللاجئين، وتطوّرات الحرب في سوريا، وصولاً إلى سقوط النظام السوري الذي شكّل ضربة للحجر الأساسِ في تشكيل النظام السياسي اللبناني مع بعد الطائف. وقد كان الدور سوري مرتبطاً دائماً بمشاركة سعودية في «إدارة» الملف اللبناني.

اليوم، تعود السعودية لتقتحم المشهد، ومن البوابة السورية أيضاً، وكان دعمها انتخاب الرئيس جوزيف عون خطوة «افتتاحية» لعودتها إلى بلاد الشام. وفي الأيام الأخيرة، أعاد مسؤولون وشيوخ وأمراء سعوديون تفعيل اتصالاتهم مع شخصيات و«أصدقاء» في لبنان كانوا قد نسوهم. وهؤلاء ممن كان بعضهم معنياً بالملف السوري في سنوات مضت، يقدّمون أنفسهم اليوم بصفات جديدة، ويتولون الاتصال بإعلاميين ويوجّهون دعوات لزيارة المملكة.

 

 

بعد السابع من تشرين الأول عام 2023، ودخول حزب الله في «جبهة إسناد» للمقاومة الفلسطينية، وصولاً إلى شنّ العدو الإسرائيلي الحرب الكبرى، كانت العوامل السياسية الداخلية هي الحاكمة في مسار انتخاب رئيس للجمهورية، من دون إغفال التأثير الخارجي متمثّلاً بـ«اللجنة الخماسية» التي لم تكن لديها رؤية واضحة وموحّدة لملف الرئاسة. ومع إطلاق العدو حملته الكبرى على لبنان، وما انتهى إليه اتفاق وقف إطلاق النار، غلَبت العوامل الخارجية على الاستحقاق الرئاسي، وبدا ذلك بشكل جدّي وحاسم، وضمن برنامج عمل غربي – عربي، أساسه البناء على ما انتهت إليه الحرب.

 

 

لكنّ التحوّل الذي لم يكن متوقّعاً عند جميع اللاعبين الخارجيين، ومثّل التحوّل الرئيسي، كان الانهيار السريع للنظام السوري، وتسلّم المعارضة المسلّحة السلطة، ما شكّل صدمة كبيرة أجبرت الدول العربية والغربية على محاولة رسم صورة واضحة لما حدث، وبالتالي وضع خطط سريعة للتحرّك والتفاعل، وهو أمر حصل أيضاً مع القوى المحلّية. وفي حين بدا لخصوم المقاومة في الداخل، وبعض الخارج، أن الفرصة باتت سانحة لحصد رأسها، ورؤوس حلفائها، كان في العاصمة السعودية، الرياض، من يرى المشهد من زاوية مختلفة. حيث بادرت قيادة السعودية إلى نقل الملف اللبناني من فريق المستشار نزار العلولا إلى يد الأمير يزيد، شقيق وزير الخارجية فيصل بن فرحان، وأعطت إشارة واضحة إلى تحوّل في الموقف تجاه لبنان، عنوانه قطع الإجازة السعودية المفتوحة عن الشؤون اللبنانية منذ قرارها «تغييب» الرئيس سعد الحريري.

 

 

لحظة سقوط النظام في دمشق، استفاقت المملكة، مذعورةً بالتأكيد، على وقائع مختلفة جذرياً في المنطقة؛ فرأت إنجازاً قطرياً – تركياً استراتيجياً في الشام، هو أخطر على المملكة وحلفائها، بمرّات، من سقوط نظام حسني مبارك في مصر، وتسلّم «الإخوان المسلمين» السلطة. وانطلاقاً من بديهيّات تدركها المملكة، فإن أوّل ما نظرت إليه هو لبنان ثم الأردن، كونهما ساحتي التأثّر الأساسي بالتحوّل السوري. ورأى المسؤولون السعوديون في لبنان إمكانية تحويله إلى عنصر توازن مع سوريا، وقاعدة سعودية في «بلاد الشام»، سواء اختارت المملكة المواجهة ومحاولة تغيير الوقائع السورية، أو الاكتفاء بالحدّ من الخسائر ومحاصرة المدّ القطري – التركي.

 

أدّى وصول المعارضة المسلحة إلى قصر الشعب في دمشق إلى قطع السعودية إجازتها اللبنانية بعدما أضعفت نتائج الحرب الإسرائيلية العامل الداخلي في انتخابات الرئاسة

 

 

في هذه اللحظة بالذات، كانت الدوحة تكثّف تحرّكاتها في بيروت، على خطّ انتخاب رئيس للجمهورية، وسط «لامبالاة» سعودية، وكان مرشحها المعلن اللواء الياس البيسري، في ظل تفاعل إيجابي من قبل الثنائي أمل وحزب الله والتيّار الوطني الحر، إضافة إلى آخرين، علماً أن البعض اعتبر أن الحراك القطري يهدف أيضاً إلى إيصال جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية، عبر طرح خيار البيسري مقابل خيار فرنجية، وأن يُقابَل خروج البيسري من السباق، بخروج فرنجية، وبالتالي تنفكّ «عقدة» حزب الله وأمل في ما خصّ التزامهما مع فرنجية، فتخلو طريق بعبدا لعون. ويستدِلّ أصحاب هذه النظرية على صوابيّتها بأداء عدد من نواب كتلة الاعتدال، والمستقلّين والتغييريين، خلال جلسة انتخاب الرئيس، والذين صوّتوا لعون خلافاً لقناعاتهم الشخصية، بتأثير من الفريق القطري في لبنان.

 

 

إزاء التطوّر السوري الكبير، سارعت السعودية إلى التحرّك على خط رئاسة الجمهورية، إنما مع وجهة حاسمة بدعم قائد الجيش. ومع أنه يشكّل نقطة التقاء سعودية – أميركية أكيدة، إلا أن لكل منهما غاياته من انتخابه. فالأميركيون يرون فيه صديقاً خبروه طوال سنوات قيادته للجيش، قادراً على فهم ما تريده الولايات المتحدة من لبنان، خصوصاً في ما يتعلّق بأمن إسرائيل. أما السعودية فوجدت في الدعم الأميركي له فرصة لاستعراض نفوذها في لبنان، عارضة مساعدة الأميركيين، في مقابل «الفشل» القطري في المهمّة، ما يمنح الرياض موقعاً متقدّماً جديداً على الخارطة السياسية الأميركية في المنطقة، مقابل الموقع المتقدّم الذي حقّقه القطريون في دمشق. وللغاية، عرض السعوديون المساعدة على الأميركيين، والطرفان على عجلة من أمرهما، فكانت لقاءات الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين في الرياض، قبل وصوله إلى لبنان، مناسبة لتثبيت دعم عون وحده، وسحب كل الخيارات الأخرى. وتُرجم ذلك فوراً باتصالات المسؤولين القطريين مع جهات وشخصيات في لبنان، أبلغوها فيها أن القرار اتُّخذ بدعم عون وأن البيسري بات خارج السباق.

 

 

كان لا بدّ للمسؤولين السعوديين أن يأتوا إلى بيروت بمنطق مختلف وأدوات جديدة، وأن يلاقوا معارضي عون، خصوصاً حزب الله وحركة أمل، بأدوات لا تشبه تلك التي استعملها ابن فرحان مع الآخرين، خصوصاً حين استكمل الضغوط التي كان قد مارسها هوكشتين على قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع. وكان واضحاً من خلال الاتصالات والاجتماعات بين المعاون السياسي للرئيس نبيه بري، النائب علي حسن خليل، والموفد السعودي، أن الرياض تبحث عن «تسوية عاجلة» تشكّل عودة قوية للدور السعودي في لبنان، إذ أبدى موفد المملكة استعداداً حقيقياً لنقاش مطالب الثنائي الشيعي وهواجسه، وأبرز عناوينها الاعتراف لهما بقدرتهما على تعطيل إيصال أي مرشّح إلى رئاسة الجمهورية، وضمانات أخرى تتعلّق بـ«الحصّة الشيعية» في الحكومة والتعيينات، وآليّات تطبيق وقف إطلاق النار والقرار الدولي 1701. وفوق كل ذلك، مساهمة مفترضة في ورشة إعادة الإعمار التي يرى فيها الحزب المهمّة الأكثر إلحاحاً. وسريعاً انسحبت الإيجابية، على الاتصالات التي لم تنقطع بين الثنائي، وخصوصاً حزب الله، مع العماد عون. وشهدت ليلة انتخاب الرئيس اتصالات ولقاءات مكثّفة بين الثنائي وعون، استمرّت إلى فجر يوم الانتخاب، واستُكملت بين جلستي الانتخاب.

 

 

في النهاية، عبّر حزب الله وحركة أمل عن استعدادهما للتعاون مع عون في العهد الجديد، وأشارا إلى أن مرحلة الانتخابات الرئاسية قد انطوت، وأن في الأفق مرحلة جديدة تحمل فرصاً وتحدّيات. لكنّ وقائع الاستشارات النيابية التي أفضت إلى تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة أمس، أعادت التشكيك العميق في إمكان عقد أي تفاهمات مع الفريق السعودي، خصوصاً أن للمملكة برامجها وخططها الخاصة التي لا تملك ترف تحويرها وحرفها، ولا ترف الوقت والانتظار، وهي محكومة ببرنامج عمل سريع ومكثّف، بلحاظ التحدّي السوري الداهم والمتطوّر، ما يجعل الخلاف مع الثنائي الشيعي، وغيره أيضاً، مرجّحاً في مفاصل عدة، كان أولها تسمية رئيس الحكومة. ويعتقد البعض في لبنان بأنه في الوقت الذي ركن فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى وعود وضمانات وتطمينات أميركية – فرنسية، وإلى تفاهم مع عون، جاءت زيارته إلى دمشق، ولقاؤه رئيس الإدارة السياسية أحمد الشرع الذي «تمنّى» تكليف ميقاتي برئاسة الحكومة، ليطيحا بالرجل سعودياً، ويقضيا على فرصة تكليفه بتشكيل الحكومة حتى الانتخابات النيابية المقبلة.

 

فزّاعة ترامب

 

حرص الموفدون العرب والغربيون، ولا سيما الموفد الأميركي عاموس هوكشتين والموفد الفرنسي جان إيف لودريان، في الحوارات التي أجروها مع القوى اللبنانية، على استخدام «فزاعة دونالد ترامب». فحذّروا من أي تأخير في الانتخابات الرئاسية إلى ما بعد تولي ترامب مهامّه في 20 كانون الثاني لأنه شخص لا يمكن توقّع ما قد يقوم به، وقد خَبِر العالم والشرق الأوسط تطرّفه وقراراته المبنيّة على اعتبارات مختلفة، والتي لا تراعي صورة الولايات المتحدة و«قِيَم» مؤسّساتها السياسية التقليدية، وشكل علاقاتها مع الحلفاء والأعداء، وصولاً إلى القول إن «ما هو ممكن الآن، لن يكون مقبولاً حين قدوم ترامب»، بل سيكون الرجل، مع فريقه من صقور الجمهوريين، أكثر ميلاً نحو الحسم والضغط بقوة وقسوة على مختلف القوى السياسية اللبنانية. وبدا لافتاً تكرار لازمة فزّاعة ترامب على لسان الموفدين جميعهم، وكذلك على لسان عدد من السفراء الآخرين الذين ردّدوا إعلان الرئيس المنتخب بأنه «إذا لم يتمّ إطلاق الرهائن بحلول موعد تنصيبي، فإن أبواب الجحيم ستُفتح على مصراعيها». وأشار هؤلاء، بشكل غير مباشر، إلى أن لكل ملف لدى ترامب جحيماً خاصّاً به!

 

 

 

 

 

أخبار سورية الوطن١_الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

اشتغل الوضوح!

  ابراهيم الأمين   تغير نوّاف سلام كثيراً خلال عشرين عاماً. قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان المحامي الناشط، ضمن نخبة تهتم بموقع لبنان السياسي ...