| عبد اللطيف شعبان
لعقود مضت، لم تكن مطاحن ومخابز القطاع العام موجودة في بلدنا، وكانت مطاحن ومخابز القطاع الخاص هي السائدة في المدن وضواحيها، ونادرة الوجود في الريف الذي كانت أسره تعتمد على التنور والصاج في إنتاج خبزها اليومي منزليا من طحينها على الطواحين الريفية الصغيرة التي كانت موجودة في كثير من قرى الريف السوري، تلك الطواحين النارية أو المائية التي كانت تطحن لحساب المواطن الذي يحمل حبوبه لها.
لاحقاً، أشادت الحكومات المتعاقبة العديد من المطاحن العامة والمخابز العامة في المدن، وأمدت معظم الريف بإنتاج خبزها اليومي عن طريق معتمدين، ما أدى لتقزيم المطاحن والمخابز الخاصة تدريجيا، وخاصة في الريف الذي توسع اعتماد أسره على المخابز العامة وتقلص اعتمادها على خبز التنور والصاج، حتى توقفت أغلب المطاحن والتنانير الريفية عن العمل، واكتفت السلطات الرسمية بالترخيص لآحاد قليلة من المخابز الخاصة الحديثة، سنويا لكل محافظة، حتى بات الحصول على رخصة مخبز خاص محدود بمن يجيدون الاجراءات المطلوبة لذلك، ولاحقا توسع انتشار المخابز الخاصة، وأعطيت الطحين المدعوم والمحروقات المدعومة، على غرار المخابز العامة على أن تبيع خبزها للمواطن بنفس الوزن والسعر الذي تبيعه المخابز العامة، ولكنها لم تتقيد بذلك.
إجراءات حسابية صغيرة عن كلفة انتاج الخبز في المخابز الخاصة وقيمة مبيعه تظهر بشكل جلي أن أصحاب هذه المخابز مغبونين جدا حال تقيدهم بالوزن والسعر الرسميين، فقيمة المبيعات لا تكاد تغطي قيمة النفقات ويبقى مردود المال المستثمر في البناء والمعدات شبه معدوم، ما أضعف التزام المخابز الخاصة بالوزن والسعر الرسميين،
فلسنوات خلت كانت أغلب المخابز غير ملتزمة، فوزن الربطة لدى أغلبها كان ينقص بحوالي الثلث عن وزنها القانوني، وتبيعها بضعف سعرها التمويني على مرأى من أعين السلطات وكظم غيظ المواطنين، بل وبعض المخابز كانت تبيع قسما من الطحين التمويني المخصص لها في السوق السوداء، لأنه يحقق لها ربحا أكثر من بيعه خبزا ويوفر لها استهلاك محروقات تبيع بعضها، ما أتاح لها تحقيق أرباحا كبيرة، ولم تردعهم الضبوط التموينية التي كانت تنظم بحقهم.
الغريب في الأمر أن أصحاب المخابز الخاصة يعرفون أن ربحهم معدوم حال تقيدهم بالتعليمات ومع ذلك كانوا يتهافتون لترخيص مخابز اعتمادا على مردودية رسمية موعودة من المعتاد تحقيقها من خلال مخالفاتهم وتغميض السلطات وصمت المستهلكين، ولكن الأمور اختلفت كثيرا في السنوات الأخيرة بعد اعتماد البطاقة الذكية، التي أسفرت عن الزامهم بخبز كامل الطحين المسلَّم لهم، وتسليم انتاجهم إلى معتمدين بالوزن والسعر المحددين، وارتفاع سعر الربطة عما كان عليه قبل سنوات ومحدودية عدد الربطات اليومية المخصصة للأسرة، فرضت على المواطن حق التمسك بالوزن والسعر الحقيقين للربطة، ما خفف نسبيا من حجم مخالفات المخابز الخاصة والمبالغ التي كانوا يحققونها أصحابها سابقا. ومع ذلك، ما زالت أغلب المخابز الخاصة تنتج ربطة الخبز بنقص حوالي خمس وزنها الحقيقي، والمواطنين يتحملون على مضض هذا النقص طالما أن التقيد بالسعر قائم بنسبة كبيرة، خلافا لواقع الحال الأكثر سوءا ( وزنا وسعرا ) قبل سنوات
واقع الحال هذا دفع بعض أصحاب المخابز لبيع مخابزهم، أو السعي لتوقيفها ما استطاعوا ذلك، ولكن حاجة الوطن ماسة لاستمرار عمل هذه المخابز في ظل تهالك المخابز العامة القديمة، وضعف همة الحكومة في احداث مخابز جديدة، وحيث أنه ليس من حق السلطات الزام أصحاب المخابز بما لا يؤمن لهم ريعا ماليا، ومن الغبن الكبير أن تتحمل الأسر استمرار الاجحاف الكبير اللاحق بها يوميا من جراء مخالفات المخابز، أكان وزنا أو سعرا، ما يوجب سعي السلطات السريع لإيجاد مخرج، فقد ثبت أن الضبوط التموينية البسيطة لا تردع المخالفين والكبيرة تدمرهم، والرقابة الشعبية من المواطنين تؤسس لنزاعات شعبية.
أيضا واقع الحال هذا قائم أيضا بنسبة كبيرة بخصوص الكمية والسعر لدى أصحاب محطات الوقود، وأيضا بنسبة كبيرة بخصوص الأجور لدى أصحاب سيارات نقل البضائع والركاب، والطامة الكبرى أن أصحاب المخابز وأصحاب محطات الوقود وأصحاب السيارات يجحفون كثيرا بحق المواطنين، أكثر من الانصاف الذي يطالبون به، ولو اكتفوا بالقليل لسكت المواطن، فكثير من أصحاب المخابز لا يكتفون بإنقاص وزن الربطة حوالي مئة غرام بل بعضم ينقصها ما يزيد عن ثلاثمائة غرام، عدا عن زيادة السعر، وبعض محطات المحروقات لا يكتفي بانقاص التنكة ليترين بل ينقصها ثلاثة وأكثر، ومعظم أصحاب السيارات لا يكتفي برفع الأجور- عن السعر التمويني بمقدار الربع، بل بعضهم يرفعها بمقدار النصف، بل وحتى الضعف أحيانا، ودخل المواطن لا يتحمل هذا الاجحاف الكبير، ولن تطول مدة كظمه لغيظه.
وبالتالي من حق أصحاب المخابز ومحطات الوقود وأصحاب السيارات إنصافهم، ما يؤسس لقليل من الإجحاف بحق المواطنين، ومن غير الجائز ألا تكون الحكومة معنية بالموضوع وجادة لمعالجته؛
ويبقى الأهم العمل على تحقيق الانصاف الكبير لمعالجة الإجحاف الخطير اللاحق برواتب الجم الغفير من العاملين في الدولة.
عبد اللطيف عباس شعبان (عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية)
(سيرياهوم نيوز3-صحيفة البعث )