آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » قمة ألاسكا: تفاؤل مبالغ فيه

قمة ألاسكا: تفاؤل مبالغ فيه

أيوب نصر

ينتظر الجميع قمة ألاسكا بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب، بعد أيام قليلة، الجمعة 15 غشت 2025، وينظر الناس إلى هذا اللقاء بتفاؤل كبير، وقل إن شئت مبالغ فيه، ويعتبرونه فرصة كبيرة لحل الأزمة الأوكرانية وإنهاء صراع يقترب مداه من بلوغ أربع سنوات.

وإذا نظرنا إلى الأحداث وفق سياقها وما تولدت عنه وما أدى إلى إنتاجها، سنجد أن حلم ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية، وهو يمني النفس إلى قمة تجمعه ببوتين، وعبر عن ذلك أكثر من مرة ودعا إليه في أكثر من مناسبة، ولكن حلمه لم يتحقق، وبقيت محاول تطبيع العلاقات بين البلدين تتم على مستوى دون الرئاسة، ثم أعلن الطرف الامريكي بعد ذلك إيقاف المفاوضات الخاصة بتطبيع العلاقات بين البلدين.

بقي الأمر على هذا النحو، وسارت الاحداث بين تعليق من هنا وتعليق من هناك، وتهديد يرد عليه بوعيد، وتفاؤل من طرف يقفي أثره خيبة أمل من طرف آخر، حتى خرج علينا الرئيس الأمريكي بمهلة كان مقدارها خمسين يوما، أعطاها لروسيا لتوقف حربها في أوكرانيا، ثم نظر نظرة فنكص على عاقبيه وانتقل إلى الضغط العالي فجعلها إثني عشر يوما، في سقوط حر، دون تحيز لتبرير أو بيان لأسباب أو تعليق بعلل، وفي هذا السياق جاء الإتفاق على قمة بين الرئيسين، خلال زيارة ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي، إلى موسكو ولقائه بوتين وعدد من المسؤولين الروس، وهذا يعطينا انطباعا أن هذه القمة إنما جاء نتيجة ضغط ترامب بمهلة الإثني عشر يوما، أو لإخراج ترامب من مأزق هذه المهلة. ولهذا لا أتوقع ان ينتج اللقاء شيئا كبيرا، أو يحدث منعطفا مؤثرا في الأزمة الأوكرانية.

هذا فيما يخص السياق الذي أحدث وأنتج اللقاء، وهناك أمر آخر يحملني على القول، من وجهة نظري على الأقل، أن هذا اللقاء لن يقدم شيئا، وهو طبيعة ترامب نفسه، وهو رجل الصفقة الذي يأخذ الكثير مقابل إعطاء القليل، هذا إن أعطى، ولن يحدث إتفاق أو صفقة دون تقديم بوتين شيئا يجعل ترامب يتباهى ويتملض لسانه وهو يرفع شعار: ” أمريكا أولا”، فما الذي يمكن أن يقدمه بوتين لترامب؟؟

هناك أمرين يمكن أن يقدمهما بوتين لترامب في هذه الصفقة، فأما أحدهما: وهو أن يتنازل بوتين عن شيء من الشروط التي وضعها لإيقاف الحرب، وهذا الأمر يستحيل على الروس فعله، لأنه سيكون بداية انهيار دولتهم وذهاب ريحهم، وسيجعل روسيا تعود إلى أيام التسعينات وفترة يلسن، لأن أي تنازل سيعني الهزيمة.

وأما الآخر فهو الإبتعاد عن الصين، والراجح عندي هو أن هذا أكبر ما يهم ترامب، لأن هذه الإدارة ترى في الصين هي العدو الأول وليس روسيا على عكس الإدارة السابقة، وروسيا يصعب ان تتخلى على الصين، لان في ذلك هلاكهما معا، كما أنه لولا الصين لجثت روسيا على ركبتيها أمام العقوبات الغربية.

وهناك أمر آخر وهو الأوروبيون، وقد سمعت كثيرا من المتكلمين يغضون من دورهم ويحطون من تأثيرهم، وهم الذين حملوا ترامب على عدم الوفاء بوعده الذي وعده أيام الانتخابات الرئاسية من أنه سينهي الحرب الروسية الأوكرانية في أربعة وعشرين ساعة.

ومهما بدا لك من إعراض الولايات المتحدة الأمريكية عن أوروبا، إلا أن الأمريكيبن يدركون أهمية الأوروبيين في تسهيل السيطرة الأمريكية على العالم وإطلاق يديها فيه، وإذا حدث تخلي الأن عن الأوروبيين فسيدفع بهم ذلك إلى الذهاب نحو عسكرة أوروبا وإنشاء حلف عسكري أوروبي موازي لحلف شمال الأطلسي، وقد لمحوا لذلك مؤخرا.

والولايات المتحدة الأمريكية ضمنت التبعية الأوروبية عن طريق حلف شمال الأطلسي، ذلك الحلف الذي أنشيء لحماية الأوروبيين من التوسع السوفياتي سابقا، والأطماع الروسية الحالية، وقد خدم هذا الامر الأوروبيين حتى اقتصاديا، حيث كان اتكال دول الغرب الأوروبي على الحماية الأمريكية سببا في نموهم الاقتصادي ومساهما في جودة العيش التي امتلكها المواطن الأوروبي، وفي الوقت نفسه ضمن للولايات المتحدة التواجد في أوروبا والسيطرة على أكبر رقعة برية على الكوكب( أوراسيا بمعناها الجغرافي) وتضييق على الصين وروسيا في مناطق نفوذهما وحدائقهما الخلفية ( أوراسيا بمعناها السياسي).

وعسكرة أوروبا بالطريقة التي روج لها، تعني بناء تكتل عسكري أوروبي موازي لحلف شمال الأطلسي، وهذا يعني بداية تفكك حلف شمال الأطلسي، وبداية تراجع الهيمنة الأمريكية على أوروبا، وبالتالي قطع الروابط مع أوراسيا، بمعناها السياسي والجغرافي، لأن أوروبا الغربية ستكون حينها في غناء عن المظلة الأمنية والعسكرية الأمريكية.

فحرص الأمريكيين على الأوروبيين، يجعل عقد إتفاق مع الروس، من غير شيء يحفظ ماء وجه الأوروبيين، صعبا ولابد من صيغة ترضي الأطراف الأربعة، ولكل ما سبق فإنه يصعب النظر إلى هذا اللقاء نظرة متفائلة، لكنه من وجهة نظري سيحقق لبوتين شيئا بضرب مذكرة الإعتقال في مقتل، ونوع من فك الحصار على الروس، كما أنه يعطي لرونالد ترامب تلك اللقطة التي يبحث عنها حيثما ولى وجهه، وربما يفتح هذا اللقاء الباب أمام لقاءات أخرى يطرح فيها ما يحفظ ماء وجه وكرامة الأطراف الأربعة.

 

 

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2ـوكالات _راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عون وسلام يقودان الانقلاب على الطائف

  ابراهيم الأمين     يُقال في عالم السياسة إن أخطر السياسيين ليس من لا يخشى النقد، بل من لا يكترث له من الأساس.   ...