آخر الأخبار
الرئيسية » الزراعة و البيئة » قمّة الأمازون تُعرّي النظام العالمي

قمّة الأمازون تُعرّي النظام العالمي

 

علي سرور

 

 

احتضنت مدينة بيليم البرازيلية أخيراً «مؤتمر الأطراف» المناخي الثلاثين (COP30)، وسط آمال بأن تشكّل لحظة مفصلية لإعادة إحياء الالتزامات المناخية وسط التحدّيات المتصاعدة، لكنّها خرجت بنتائج متواضعة لا ترقى إلى حجم الأزمة. ورغم الرمزية الكبيرة لانعقادها على مشارف غابات الأمازون، أكبر رئة خضراء على الكوكب، إلّا أنّ القمة عكست الفجوة العميقة بين خطابات التصدي للاحتباس الحراري وبين السياسات الفعلية للدول الكبرى.

 

عقد مضطرب من الوعود الناقصة

توافد أكثر من 56 ألف مشارك إلى القمّة، من قادة دول وممثلي حكومات وخبراء وناشطين. لكن الغياب الأبرز، غير المُفاجئ، كان للرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته التي لم ترسل أي وفد رسمي لتمثيلها، إضافة إلى عدم حضور الرئيس الصيني شي جينبينغ، وهما قائدا أكبر بلدين ملوّثين على الأرض.

 

وأثّر غياب هاتين القوتين في قدرة الحاضرين على اتخاذ قرارات تنفيذية مؤثّرة، علماً أنّ قادة الدول الأوروبية الموجودين يقودون في العلن جهود محاربة التغيّر المناخي، إلا أنّ الاتحاد الأوروبي بتّ أخيراً خطّة جديدة في هذا الإطار، تضمّنت تراجعاً عن الوعود السابقة، إضافة إلى إتاحة الخيار للبلدان الأوروبية بتعديل التزاماتها في أي لحظة وفقاً للظروف السياسية والاقتصادية المستجدّة. جميعها مسارات تؤكّد عدم استعداد القوى الكبرى بعد لدفع الثمن السياسي والاقتصادي للانتقال الطاقوي.

 

منذ توقيع اتفاق باريس الشهير عام 2015، تعهّدت الدول بحصر الاحترار العالمي عند زيادة 1.5 درجة مئوية عن المعدّلات العالمية في فترة ما قبل الثورة الصناعية. غير أنّ الواقع يبتعد أكثر فأكثر عن ذلك الهدف، فيما تؤكد تقارير الأمم المتحدة أنّ تجاوز السقف بات شبه محتوم خلال العقود القريبة ما لم تُتّخذ خطوات جذرية.

 

من جانب آخر، أظهرت مراجعة التزامات الدول قبل انطلاق القمّة هشاشة التقدّم العالمي في خفض الانبعاثات، بعدما كشف تقرير في صحيفة «ذي غارديان» أنّ أقل من نصف الدول قدّمت خططها المحدثة ضمن المهلة، ما انعكس نقصاً واضحاً في الزخم السياسي المطلوب قبل قمة بيليم.

 

أمّا القوى الكبرى، فاعتمدت خططاً «غير طموحة» وفق مراكز أبحاث بيئية، إذ لا تضع هذه الخطط مساراً فعلياً لخفض الانبعاثات في العقد المقبل. فيما تعرّضت دول أخرى، بينها الهند والسعودية وكوريا الجنوبية، لانتقادات لعدم إعلانها أي تحديثات ملموسة قبيل المؤتمر.

 

هذا الواقع وصفته منظمات المناخ بأنه «تقاعس عالمي منسّق»، إذ تتراجع الحكومات تحت ضغط الأزمات الاقتصادية والحروب وصعود النزعات الشعبوية، ما يجعل العمل المناخي آخر أولوياتها.

 

عقدة الوقود الأحفوري ووعود بلا تمويل

دارت المعركة الأساسية داخل «مؤتمر الأطراف» حول مسألة الانتقال بعيداً من الوقود الأحفوري، بسبب تأثيره الشديد في تفاقم الأزمة المناخية. في قمة الإمارات عام 2023، أُدرج للمرة الأولى النص الذي يدعو إلى «الانتقال بعيداً من الوقود الأحفوري». لكن المتوقع هذه المرّة كان الحصول على خريطة طريق واضحة لكيفية تنفيذ ذلك الانتقال.

 

من جهتها، حاولت البرازيل، بوصفها الدولة المضيفة، الدفع باتجاه اتفاق أقوى يحدّد خطوات عملية للحد من النفط والغاز والفحم.

 

غير أنّ الدول المنتجة لهذه الموارد استخدمت وزنها السياسي لتخفيف النص النهائي. لذلك اكتفى البيان الختامي بالإشارة إلى اتفاق الإمارات السابق من دون تطويره. ووفقاً لما ذكره تقرير لوكالة «رويترز» وبعض المواقع البيئية، تكمن المفارقة أنّ البرازيل نفسها، التي أرادت قيادة الموقف البيئي تجاه الوقود الأحفوري، تمنح في الوقت نفسه تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز، ما أثار انتقادات واسعة حول ازدواجية الخطاب.

 

على صعيد موازٍ، يعدّ الشق المالي القنبلة الموقوتة داخل كل قمة مناخية. من جانبها، سبق للدول الغنية أن تعهّدت بتوفير 300 مليار دولار سنوياً للدول النامية بحلول عام 2035، بهدف دعم قدراتها على التأقلم مع آثار التغيّر المناخي. كما طرحت الدول النامية هدفاً طموحاً يرفع هذا الرقم إلى 1.3 تريليون دولار.

 

وقدّمت البرازيل «خارطة طريق» لتفسير كيفية تحقيق هذا التمويل. لكنّ البيان الختامي اكتفى بالدعوة إلى مضاعفة الأموال المخصّصة للتكيّف ثلاث مرات، من دون أي آليات واضحة للتمويل أو ضمانات للإيفاء بالتعهدات. وتشير التجارب السابقة إلى أنّ الدول الغنية كثيراً ما تَعِد بأموال لا تصل أبداً إلى وجهتها المقصودة. وعلى أعتاب غابات الأمازون، انتهى الأمر بصندوق حماية الغابات الاستوائية، الذي سُمّي Tropical Forests Forever Facility، من ميزانية مُعلنة بقيمة 125 مليار دولار إلى جمع 5.6 مليارات دولار فقط، ووفقاً لوكالة «بلومبرغ».

 

رغم خفوت النتائج السياسية، برزت إشارات إيجابية في القمة. فقد انطلقت آلية العمل من أجل بيليم التي دفعت إليها النقابات والحركات البيئية، وتهدف إلى تعزيز مشاركة المجتمعات في صياغة خطط المناخ على المستوى المحلي. كذلك أُعلن عن مؤتمر دولي في كولومبيا عام 2026 لتطوير خريطة طريق للانسحاب العادل من الوقود الأحفوري. لكن كل هذه المبادرات تبقى خارج الإطار القانوني الملزم لاتفاقية الأمم المتحدة، ما يجعلها أقرب إلى رمزية سياسية أكثر منها بداية تحوّل جذري.

 

احتجاج الشعوب الأصلية

رغم استضافة المؤتمر لمئات السكان الأصليّين، إلا أنّ محيط قاعات المفاوضات، سجّل واحدة من أكبر تحرّكات الشعوب الأصلية في تاريخ مؤتمرات المناخ، حيث وصلت وفود من مجتمعات الأمازون عبر القوارب والسفن لتشكيل مسيرة ضخمة في شوارع مدينة بيليم.

 

والجدير بالذكر أنّ تحرّكات الناشطين سبقت القمّة بأشهر، حيث لفتوا الأنظار في آذار (مارس) الماضي إلى التناقض الصارخ حول القمّة المناخية التي تتحدّث عن حماية الأمازون، بينما عملت السلطات البرازيلية على شقّ طريق جديد داخل غابة محمية لاستيعاب ضيوف المؤتمر. ووفق تقرير لشبكة «بي بي سي» البريطانية، دمّر الطريق المستحدث الذي يمتدّ لأكثر من 13 كيلومتراً، مساحات واسعة من الغابات، كما هدّد مصدر رزق سكان محليين يعملون في جني الثمار المحليّة.

 

مشكلة مناخية أم نظام برمّته؟

أرادت البرازيل لاجتماعات بيليم أن تكون «قمّة الحقيقة» (COP of truth)، ولعلّها نجحت في إظهارها. بعد عقود من الاجتماعات العالمية والتقارير الأممية حيال خطط طريق إنقاذ الكوكب، لا تزال أزمة الاحتباس الحراري في تصاعد مستمرّ من دون هوادة.

 

أمّا «مؤتمر الأطراف» في نسخته «الأمازونية»، إن كانت مهمّته تبيان «الحقيقة»، فهي مهمّة أتّمها بجدارة، إذ سجّل غياب الولايات المتحدة عن القمة وعدم إرسال إدارة ترامب أي مسؤولين فدراليين رسالة بارزة بأنّ القوة العظمى التي قادت اتفاق باريس قبل عقد من الزمن لم تعد راغبة بالالتزام الدولي.

 

في العامين الماضيين، دقّ العلماء ناقوس الخطر مع ازدياد موجات الحرّ والجفاف والكوارث الطبيعية بسبب تسجيل المناخ العالمي أعلى معدّلات درجات حرارة في التاريخ. وعلى وقع هذا التّحدي، اجتمع قادة العالم في أذربيجان العام الماضي.

 

إلا أنّ فوز دونالد ترامب بالسباق الرئاسي الأميركي خيّم على جدول أعمال الحاضرين حينها. الجميع علم أنّه رغم عدم تسلّمه السلطة بعد، إلا أنّه سيتنصّل من أي اتّفاق جدّي لمعالجة المشكلة، تماماً كما فعل في ولايته الأولى مع اتفاقيّة باريس قبل عشرة أعوام. وبالفعل فور وصوله إلى البيت الأبيض، لم يخيّب ترامب الآمال، إذ عمل على صياغة ميزانية جديدة تضمّنت التشجيع على الاستثمار في النفط والغاز، والتراجع عن التحفيزات الضريبية المتعلّقة بالطاقة النظيفة. أمّا قمّة البرازيل، ارتأى الرئيس الجمهوري أنّ لا داعي حتّى للمشاركة فيها، رغم أنّ بلاده من بين أكبر مصادر انبعاثات الكربون.

 

«الحقيقة» التي استهدفتها البرازيل، تجلّت بالفعل أنّ الحلّ ليس بين أيدي مسبّبي المشكلة. ورغم ظهور ترامب بثوب «الشرّير»، إلا أنّ الداء هو في النظام ككلّ. تقول الكاتبة الكندية، ناومي كلاين، في كتابها This Changes Everything، إنّ النظام الاقتصادي الحالي غير قادر على إنقاذ المناخ لأنه هو نفسه السبب في الأزمة.

 

كما إنّها ترى أنّ العدالة المناخية لا يمكن أن تنجح بعزلها عن العدالة الاجتماعية مثل قضايا الفقر والسكن والصحّة والعمل وغيرها، إذ إنّ الحلّ البيئي لا بد أن يقترن بتحوّل اجتماعي شامل.

 

وفي قراءة للسياسات الحالية تجاه الأزمة، ترفض كلاين «البيئة النيوليبرالية»، حيث تشرح في كتابها The Shock Doctrine كيف تستغلّ الحكومات والشركات الأزمة المناخية لتمرير سياسات تعتمد على السوق لتعزيز مصالح الشركات الكبرى، ما يؤدي إلى زيادة اللامساواة.

 

«شيطنة» النظام الحالي ليست حكراً على مُفكّر دون آخر، إذ يتلاقى الناشط البيئي السويدي وأستاذ الإيكولوجيا البشرية، أندرياس مالم، مع أفكار كلاين، باعتبار أنّ النظام الرأسمالي، لا الإنسانية ككلّ، هو المسؤول عن الانبعاثات الكثيفة وتدمير بيئة لأنه يضع الربح فوق كل اعتبار. من منظور مالم، من غير الممكن معالجة الأزمة المناخية بشكل جدّي من دون المساس ببنى القوى الاقتصادية والسياسية التي تُكرّس الاستغلال، أي من دون إلغاء التفاوت الهيكلي في توزيع الثروة والموارد. إضافة إلى ذلك، يشير الباحث الهندي المختصّ في التغيّر المناخي، تياغاراجان جايارامان، إلى أنّ معالجة الاحترار العالمي ليس كافياً إذا استمرّ «افتقار العالم إلى المساواة والإنصاف».

 

نجحت قمّة البرازيل في كشف الأقنعة عن الحقيقة أن المشكلة تكمن في عمق النظام العالمي، مع مساهمة ترامب، بصفتّه ممثلاً عن هذا النظام، في تأكيد فحوى رسالتهم، أنّ الكوكب بموارده البشرية والطبيعية مُسخّر لحفنة قليلة من البشر، ترتكب ما تريد وتستغلّ ما تشاء من دون حساب. ولعلّ الواقع الحالي دليل دامغ على هذه اللامساواة، حيث تزامن اجتماع زعماء العالم لدراسات حلّ الأزمة المناخية، مع انشغال ترامب بتهديد فنزويلا بالغزو العسكري طمعاً باحتياطها النفطي الهائل.

 

ثلاثون عاماً مضت على انعقاد «مؤتمر الأطراف» الأول في برلين، والأزمة المناخية لا تزال تمشي بخطى ثابتة نحو مزيد من التدهور. وعوضاً عن معالجة الأزمة، استغلّها النظام العالمي الحالي لتعزيز ربحه، بينما تشير المؤشرات العلمية إلى أنّ البشرية تسير نحو ارتفاع قد يلامس 3 درجات مئوية بنهاية القرن إذا استمرت السياسات الحالية. أمام هذا الواقع، ينطبق المثل الشعبي على «مساعي» النظام العالمي في مواجهة الأزمة المناخية: طبيبٌ يداوي الناس وهو عليل.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

فيضانات عارمة تتسبب في إجلاء عشرات الآلاف بولاية واشنطن

هلا ماشه   شهدت ولاية واشنطن الأميركية، أمس الخميس 11 كانون الأول/ديسمبر، فيضانات واسعة النطاق، عقب أمطار غزيرة اجتاحت مناطق عدة، ما أدى إلى إصدار ...